انتهت العملية العسكرية في طرابلس بعد يومين من الاشتباكات العنيفة بانسحاب المسلحين واختفاء المظاهر المسلحة. واليوم حلقت طائرة استطلاع تابعة للجيش منذ ساعات الصباح الاولى في أجواء المدينة.

بيروت: بدأ الجيش اللبناني صباح اليوم الاثنين تنفيذ مداهمات في المربع الامني للمدعوين أسامة منصور وشادي مولوي، الملاحقين بتهم عديدة، أهمها جرم الانتماء إلى مجموعات إرهابية وإطلاق النار على الجيش، وعدد من اماكن وجود المسلحين المحتملين في احياء باب التبانة.

نزوح قسري
وتسببت المعارك، التي استمرت حتى ليل الاحد الاثنين، باحتراق عشرات المنازل والمتاجر في وسط طرابلس وفي باب التبانة، حيث يعيش اصلا مئة الف شخص، نزح معظمهم الى قرى مجاورة او الى مدارس. وقال متحدث عسكري لوكالة فرانس برس ان "الجيش سيطر على منطقة حي باب التبانة"، فيما اصدرت قيادته بيانا اكدت فيه ان وحدات من الجيش "تستمر في تنفيذ عملياتها العسكرية في مدينة طرابلس ومحيطها"، وقد "تمكنت من دخول آخر معقل للجماعات الارهابية المسلحة في منطقة باب التبانة".

وافاد مراسل فرانس برس في المدينة ان قوات من الجيش دخلت الحي، وبدأت تمشيطه وتنفيذ عمليات دهم وضبط اسلحة وتفكيك الغام تركها المسلحون. وتم العثور في المنطقة، بحسب الجيش، الذي دعا المسلحين الفارين الى تسليم انفسهم، "على مخازن أسلحة ومعمل لتصنيع المتفجرات". وحي باب التبانة فقير جدا، والابنية والمساكن فيه عشوائية بمعظمها ومتلاصقة.

وبعد ثلاثة ايام من المعارك العنيفة التي استخدم فيها الجيش المدفعية الثقيلة، بدا الحي وكأنه أشبه بمنطقة منكوبة، وتوزعت على احد مداخله السيارات المحترقة، وتصاعد الدخان من أزقته، وخلت معظم منازله من سكانها. واعلنت السلطات اللبنانية ان المدارس والجامعات في طرابلس مغلقة الاثنين بسبب الوضع الامني.

الجولة الأقوى
في مدرسة الميناء، تنتظر ام محمد جعبوري (72 عاما) التي ارتدت قميص نوم ازرق ووضعت حجابا ابيض على راسها، مع حفيدها بفارغ الصبر العودة الى منزلها الذي لم تغادره من قبل رغم جولات المعارك الكثيرة التي شهدها الحي. وقالت لفرانس برس "انا لم اغادر التبانة حتى في وقت الحرب الاهلية، ولكن هذه المرة اضطررت لترك منزلي مع أحفادي الخمسة، الذين اقوم برعايتهم، بسبب وجود والدهم في السجن".

واضافت "المعارك كانت عنيفة جدا. انتشر المسلحون داخل المنازل وعلى اسطح المباني، وكانوا يطلقون الرصاص على الجيش، الذي كان يرد عليهم باطلاق القذائف، وقد اصيبت شقة سكنية في المبنى المقابل لنا، واحترقت، وبدا الدخان يدخل الى منزلنا". وتابعت "ساعود اليوم الى منزلي بعد دخول الجيش، واتمنى ألا اغادره ابدا".

ويصف الجيش المسلحين في طرابلس بـ"المجموعات الارهابية". وبحسب مصادر السكان ومسؤولين محليين ومصادر امنية، تضم هذه المجموعات اسلاميين بعض قادتها مرتبط بـ"جبهة النصرة"، الفرع السوري لتنظيم القاعدة. واصدر هذا التنظيم المتطرف خلال الساعات الماضية سلسلة بيانات هدد فيها، ردا على معارك طرابلس، باعدام فجر الاثنين احد الجنود اللبنانيين، الذين يحتجزهم رهائن منذ آب/اغسطس، لكنه لم يصدر الاثنين اي بيان يعلن فيه انه نفذ وعيده.

لسنا نازحين
وتحتجز الجبهة وتنظيم الدولة الاسلامية 27 جنديا وعنصرا في قوى الامن خطفتهم من بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا بعد معركة بين الجيش اللبناني ومسلحين متطرفين وصلوا من سوريا ومن داخل مخيمات للاجئين السوريين في عرسال. وكان عددهم ثلاثين، الا ان التنظيمين قتلا ثلاثة عسكريين منهم. ويقوم الجيش اللبناني منذ معارك عرسال بمداهمات يومية بحثا عن مطلوبين خصوصا في الشمال.

بعد ساعات على توقف المعارك، اشار مراسل فرانس برس الى ان الحياة في طرابلس عمومًا بدأت تستعيد وتيرتها الطبيعية مع فتح بعض المحال التجارية ابوابها. وقال خالد بريص (35 عاما) الذي غادر باب التبانة وسط المعارك من المدرسة التي لجأ اليها في منطقة الميناء في طرابلس "نحن دائما ندفع الثمن". واضاف "كلمة +نازحين+ تزعجنا، فانا من الاشخاص الذين استضافوا عائلة سورية نازحة في منزله قبل عامين لمدة شهر، فهل يعقل ان اصبح نازحًا في بلدي؟".

إشاعة اشعلت المعارك

كانت المعارك الشرسة اندلعت في طرابلس الجمعة بعد إشاعة خبر وفاة أحمد سليم الميقاتي في سجن وزارة الدفاع، وهو الموقوف ضمن خلية عاصون الأخيرة التي كشفها الجيش. ومساء الأحد، تمكنت وساطات مفتي طرابلس وهيئة العلماء المسلمين من تثبيت شبه هدنة غير معلنة، لفتح ممر آمن لإخلاء الجرحى، فشوهدت سيارات إسعاف تابعة للصليب الأحمر اللبناني تدخل باب التبانة لإخلاء جرحى، أكثرهم مدنيون.

ونقلت تقارير صحافية عن مصادر في طرابلس قولها إن من يقاتلون الجيش في التبانة هم أربعة من قادة المحاور القديمة، يناصرهم عشرات المسلحين، هم شادي المولوي وأسامة منصور، ومعهم مجموعة الموقوف الميقاتي في طرابلس، ومجموعة الشيخ خالد حبلص في المنية.

وسيطر الجيش على شارع سوريا الإستراتيجي وجنوب باب التبانة ووصل إلى سوق الخضار حيث دارت معارك شرسة، تمهيدًا للسيطرة على كامل باب التبانة، مستخدمًا مدافع 106 ومضادات متعددة الفوهات وقذائف هاون وسلاح الطيران. ووصل السلاح البحري إلى شواطئ طرابلس، لكن لم تتأكد مشاركته في المعارك.

مداهمات وتفتيش

ووصلت اليوم الاثنين وحدات من الجيش إلى محيط مسجد عبد الله بن مسعود في باب التبانة في طرابلس، بعدما فجرت قنابل غير منفجرة في شارع برغشة والحراس.

وبعد وقت قصير، وقعت مناوشات واطلاق نار بين الجيش ومسلحين قرب المسجد. وأفادت تقارير بأن تسوية قضت بعودة الهدوء إلى طرابلس، بانسحاب المسلحين مقابل اطلاق سراح الجندي طنوس نعمة، الذي خطفته عناصر مسلحة الاحد، وانتشار الجيش في مناطق التوتر.

وكان هدوء حذر خيم على طرابلس من الصباح مع تسيير وحدات الجيش دوريات مؤللة في مختلف الشوارع في المدينة وفي بعض احياء التبانة، وتنفيذها مداهمات وعمليات تفتيش، بمشاركة طائرة استطلاع تابعة للجيش حلقت منذ ساعات الصباح الاولى في اجواء المدينة.

وفي الضنية عادت الامور إلى طبيعتها مع فتح طرق العبدة والمحمرة والمنية باتجاه طرابلس، وعودة حركة السير إلى طبيعتها، فيما يخيم الهدوء الحذر على البلدة حيث يقوم الجيش بمداهمات وتمشيط البساتين لملاحقة المسلحين. وبقيت المدارس والمعاهد في محيط محاور القتال مقفلة، كما اقفلت أغلب مدارس الضنية الرسمية والخاصة.

النصرة توقف إعداماتها
واصدر تنظيم النصرة المتطرف خلال الساعات الماضية سلسة بيانات هدد فيها، ردا على معارك طرابلس، باعدام فجر الاثنين احد الجنود اللبنانيين الذين يحتجزهم رهائن منذ آب/اغسطس.

لكنه اعلن في بيان مساء الاثنين عن "ايقاف تنفيذ حكم القتل" بحق الجندي بعد عودة الهدوء الى طرابلس، مشيرا في الوقت عينه الى استئناف مفاوضات تدور حول اطلاق سراح جنود وعناصر امن لبنانيين محتجزين لديه "مقابل اطلاق سراح اسرى من سجن رومية"، في اشارة الى سجناء اسلاميين في السجن اللبناني علما ان السلطات اللبنانية ترفض المقايضة.

وتحتجز الجبهة وتنظيم الدولة الاسلامية 27 جنديا وعنصرا في قوى الامن خطفتهم من بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا بعد معركة بين الجيش اللبناني ومسلحين متطرفين وصلوا من سوريا ومن داخل مخيمات للاجئين السوريين في عرسال. وكان عددهم ثلاثين، الا ان التنظيمين قتلا ثلاثة عسكريين منهم. ويقوم الجيش اللبناني منذ معارك عرسال بمداهمات يومية بحثا عن مطلوبين خصوصا في الشمال.

لا هدنة

ونقلت الوكالة الوطنية للاعلام عن قيادة الجيش تأكيدها أن العمليات العسكرية مستمرة في طرابلس، مشددة "ان لا هدنة لوقف اطلاق النار". وقالت قيادة الجيش: "مصرون على انهاء الوضع الشاذ في طرابلس، وكل ما يشاع عن حصول اتفاق لوقف النار غير صحيح".

وصدر عن قيادة الجيش، مديرية التوجيه، بيانٌ قال فيه: "تستمر وحدات الجيش في تنفيذ عملياتها العسكرية في مدينة طرابلس ومحيطها، حيث تمكنت من دخول آخر معقل للجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة التبانة، حيث اعتقلت عددًا منهم، فيما تمكن آخرون من الفرار مستفيدين من طبيعة المباني السكنية، بعد أن أقدموا على زرع عبوات وتفخيخات في الأحياء السكنية وخاصة في محيط مسجد عبدالله بن مسعود، حيث يعمل الجيش على تفكيكها. وقد تمّ العثور على مخازن أسلحة ومعمل لتصنيع المتفجرات".

أضاف البيان: "إن قيادة الجيش تنفي حصول أي تسوية مع هذه المجموعات، وكل ما قيل يدخل في إطار الاستغلال السياسي لبعض السياسيين المتضررين من نجاح الجيش السريع والحاسم في استئصال هذه المجموعات التي طالما أسرت مدينة طرابلس وعاثت فيها تخريبًا. وستواصل وحدات الجيش بعد أن تمّ تعزيزها باستقدام قوى جديدة، تنفيذ تدابيرها الأمنية، وتعقّب بقايا المجموعات الإرهابية، ومداهمة المناطق المشبوهة كافة".

منارة الانتماء الوطني

أتت الحصيلة شبه النهائية لأحداث طرابلس 12 قتيلًا للجيش اللبناني بينهم 3 ضباط و91 جريحًا عسكريًا بينهم 9 ضباط، ومقتل 10 مدنيين وجرح 63.

ونعى الجيش اللبناني خمسة عسكريين قتلوا الأحد في الإشتباكات ضدّ المجموعات الإرهابية في طرابلس ومحيطها، هم النقيب جهاد نبيه الهبر، والملازم نديم جورج سمعان، والرقيب ابراهيم فوزي سلهب، والعريف ديب محمد الطحش، والجندي إيهاب علي الحلاني.

ودعا المجلس الإسلامي الشرعي الاعلى في بيان إلى نزع السلاح غير الشرعي من كل المناطق وتنفيذ القانون في كل المناطق من دون استثناء".

واعلن المجلس أن طرابلس تدفع ثمن الحرمان، مشيرا إلى انها استقبلت بعد طول معاناة الخطة الأمنية الأخيرة بارتياح، "ويبقى السؤال الكبير كيف نمت هذه المجموعات الإرهابية في ظل الخطة الأمنية؟".
وشدد المجلس على تنفيذ خارطة طريق سريعة لانعاش اقتصاد المدينة، مؤكدًا أن طرابلس منارة الانتماء الوطني وتعاني عقودا من الاهمال.