رفضت غالبية قراء "إيلاف" البحث في إلغاء تدريس مادة الدين، الاسلامي أو المسيحي، في المدارس، شريطة أن يشرف عليها علماء أزهريون ومسؤولون كنسيون، لتقدم صحيح الدين البعيد عن التطرف.

&القاهرة: مع تصاعد وتيرة التطرف في المنطقة، خرجت دعوات لإلغاء مادة الدين بالمدارس، وجرى تداولها على نطاق واسع في مصر، مع بداية العام الدراسي الحالي، على أن يتم استبدالها بمادة الأخلاق.

أبدت وزارة التربية والتعليم مرونة في هذا الإتجاه، إلا أنها سرعان ما عادت إلى التشدد، بعد تعرضها لانتقادات قاسية، تبنتها اتجاهات فكرية وسياسية قوية في مصر، بهدف إظهار نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه نظام علماني، قاد إنقلابًا ضد حكم الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي.

رفض الغالبية

رفضت غالبية قراء "إيلاف" تلك الدعوات متفاعلين مع سؤال الإستفتاء الأسبوعي، الذي جاء نصه: "بعد القرار المصري، هل توافق على إلغاء تدريس مادة الدين في المدارس؟". شارك 7821 قارئًا في الإستفتاء، وانحازت الأغلبية 4627 قارئًا، بنسبة 59% لصالح إستمرار تدريس مادة التربية الدينية بالمدارس، الإسلامية أو المسيحية، بينما أيدت أقلية تقدر بنحو 3194 قارئًا، بنسبة 41%، الدعوات الرامية إلى إلغاء تدريسها في المناهج التعليمية.

مع بداية العام الدراسي الحالي في مصر، جهزت وزارة التربية والتعليم لإلغاء تدريس مادة الدين، على أن تتم الإستعاضة عنها بمادة الأخلاق. إلا أنها سرعان ما تراجعت، بعد تعرض الحكومة لإنتقادات قاسية، فضلًا عن إستغلال الإخوان المسلمين للقرار بشكل سياسي في تشويه نظام حكم السيسي، وإتهامه بقيادة إنقلاب عسكري ضد حكم إسلامي لإقامة حكم علماني.

نفي الوزارة

ونفت وزارة التربية والتعليم نيتها إلغاء تدريس الدين، وقال المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم هاني كمال، إن لا صحة لما نشر عن إلغاء مادة التربية الدينية الإسلامية واستبدالها بمادة الأخلاق، مع بقاء مادة التربية الدينية المسيحية.

أضاف في تصريح له: "شكل وزير التربية والتعليم الدكتور محمود أبو النصر لجنة لدراسة إضافة درجات مادتي التربية الدينية والتربية الرياضية للمجموع الكلي، مع الاستعانة بالأزهر الشريف والكنيسة لتدريس مادة التربية الدينية، لتتفق مع صحيح الدين الذي يدعو إلى الحب والتسامح والبناء".

أعادت جماعة الإخوان إطلاق الدعوة نفسها خلال الأسبوع الماضي، وتناقلت مواقع ووسائل إعلام تابعة لها خبرًا بطريقة القص واللصق بعنوان واحد: "السيسي يلغي تدريس مادة الدين الإسلامي" أو "إلغاء تدريس مادة التربية الإسلامية بقرار من السيسي". لكن علماء الأزهر يرفضون أي مساس بمادة التربية الإسلامية، معتبرين أن الدعوات بإلغائها تأتي بسبب إهمال وزارة التربية والتعليم فيها، وحذروا من أن إلغاءَها يفسح المجال أمام الجماعات المتطرفة لبث سمومها في عقول الأجيال الجديدة.

سبب للتشدد

قال الدكتور محمود عشري، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، لـ"إيلاف" إن عدم الإهتمام بتدريس مادة التربية الإسلامية يعتبر أحد أسباب انتشار التشدد، مشيرًا إلى أن تدريس المادة يتم اسنادها إلى مدرسين ليسوا من خريجي جامعة الأزهر، وليست لديهم ثقافة إسلامية مما ساهم في نشر الأفكار المتطرفة والمغلوطة عن الإسلام. وحذر عشري من أن الإستمرار في هذا النهج يحدث فراغًا لدى الأطفال والتلاميذ، وتستغل الجماعات المتطرفة هذا الفراغ، وتملأه بأفكارها غير السوية التي كانت سببًا في ظهور جماعات دموية مثل داعش وأنصار بيت المقدس وجبهة النصرة.

ولفت إلى أنه يجب الإهتمام بها وإضافتها إلى المجموع الكلي للدرجات، وأن يتم انتداب علماء من الأزهر لتدريسها للأطفال والطلاب بالمدارس بمراحلها المختلفة، من أجل توصيل صحيح الإسلام إليهم وغرس القيم النبيلة والتسامح، وليس الكراهية والعنف.

فريسة سهلة

يرى علماء الإجتماع أن الإنسان بحاجة إلى إشباع نفسه روحانيًا، وإلغاء تدريس مادة الدين يفتح الباب أمام المتطرفين لنشر أفكارهم. وقال الدكتور علي سلام، أستاذ علم الإجتماع بجامعة القاهرة، لـ"إيلاف" إن الإنسان لا يمكنه العيش من دون روحانيات، فيبحث عنها بإستمرار، لاسيما أن المجتمع المصري متدين بطبعه، مشيرًا إلى أن مصر والمنطقة تمر بحالة فوضى في الفتوى، معتبرًا أن إفساح المجال لهؤلاء من خلال إلغاء مادة التربية الدينية يزيد من نفوذهم، ويتركهم فريسة سهلة للجهل والخرافات.

ولفت سلام إلى أن الدستور ينص على إلتزام الدولة بتنمية القيم الدينية الصحيحة وإعلاء قيم التسامح، مشددًا على ضرورة استغلال مادة الدين في نشر هذه القيم.

ضرورة واجبة

وقال الخبير التربوي الدكتور عمرو محمود لـ"إيلاف" إن الأجيال المتطرفة تخرجت من المدارس التي تتولى تدريس مادة الدين، مشيرًا إلى أن استبدالها بمادة الأخلاق والتسامح أفضل، وسوف تجمع قيمًا مشتركة بين مختلف الديانات، "بالرغم من أن المدرسة الآن لا تقدم القيم أو العلم، في ظل تحول التعليم إلى تجارة الهدف منها جني الأرباح".

وأشار إلى أن الدول التي لا تدرس الدين في مدارسها هي الأكثر تقدمًا وتسامحًا وتعايشًا مع مختلف الثقافات.