أثار مؤتمر الحزب البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي السخرية العامة في ألمانيا، لأنه طالب بإلزام الأجانب التحدث باللغة الألمانية في منازلهم وفي الحياة العامة.

ماجد الخطيب: وجدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل نفسها في موقف محرج، أثناء حضورها مؤتمر الحزب البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي، لأن الأخير يضع في برنامجه السياسي المطروح على المؤتمر مطلب إلزام الاجانب التحدث باللغة الألمانية في منازلهم وفي الحياة العامة.

باللغة الألمانية

إلا أن حضور المستشارة لمؤتمر الحزب البافاري، ومشاركة قيادة حزبها في انتقاد المقترح والسخرية منه، دفع الاتحاد الاجتماعي المسيحي للحديث حاليًا عن "تحفيز" الأجانب على الحديث باللغة الألمانية في البيت والحياة العامة، لكن لم يشر أحد بعد إلى أن الحزب قد تراجع عن النص الأصلي. وكان النص المعلن لبرنامج الحزب ينص على الآتي: "ينبغي إلزام من يريد العيش في ألمانيا بالحديث في البيت والحياة العامة باللغة الألمانية".

المطالبة التي بدأها السكرتير العام للحزب قبل أيام ليست غريبة على الحزب البافاري المتشدد، لكن الغريب هو تمسكه بهذه الفقرة في برنامجه بالمؤتمر رغم استنكار الشقيق الأكبر، الحزب الديمقراطي المسيحي له، ورغم حملة السخرية العامة التي جوبه بها. وفسرت الصحافة الألمانية هذا النهج على أساس "الدعاية الانتخابية"، الرامية إلى كسب أصوات ناخبي الأحزاب اليمينية المتطرفة.

ويقف الاتحاد الاجتماعي المسيحي على طول الخط على أقصى يمين التحالف الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، إلا أنه يحاول التميّز دائمًا عن سياسة الأخ الكبير الديمقراطي المسيحي. وإذ تعتبر ميركل نفسها ممثلة الوسط في التحالف المسيحي فإنها تقع بين فترة وأخرى في تناقض مع رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي هوست زيهوفر.

شرطي اللغة

ذكر بيتر تاوبر، السكرتير العام للحزب الديمقراطي المسيحي، ساخرًا أن لا علاقة للسياسة باللغة التي تستخدم في المنزل، سواء كانت لاتينية أو هندية. وقال بيتر غاولر، نائب الاتحاد الاجتماعي المسيحي نفسه، إن تعلم اللغة الألمانية مهم جدًا بالنسبة للأجانب، لكن لكل انسان الحرية بالحديث باللغة التي يريدها في بيته.

وإذ حذر حزب الخضر من زيادة انحراف الاتحاد الاجتماعي المسيحي نحو أقصى اليمين، حذر توماس اوبرمان، رئيس الكتلة البرلمانية الاشتراكية، من تحول هذا الحزب إلى "شرطي لغة".

وسارع بيتر غاولر، من الاتحاد الاجتماعي المسيحي، إلى تفسير موقف حزبه بالقول إن مقترح الحزب لا يطرح "رقابة" على التنفيذ، ولا يضع آليات قسرية لتنفيذه. وقال غاولر بضرورة اعادة صياغة نص المقترح في برنامج الحزب.

الجالية التركية تنتقد

شارك مجلس الجالية التركية، الذي يمثل 2,5 مليون تركي يعيشون في المانيا، في انتقاد المقترح البافاري. وجاء في تصريح رسمي للجالية أن المقترح "سخيف" و "لا إنساني"، ويعكس محاولة الاتحاد الاجتماعي المسيحي التقرب من حزب "البديل لألمانيا"، الذي يصنف عادة ضمن الأحزاب اليمينية المتطرفة. وطالب البيان المستشارة الألمانية بوقف هذا "الهراء السياسي".

وكان الحزب البافاري أعلن عن بدء مفاوضات رسمية مع البديل من أجل ألمانيا في محاولة لتقريب وجهات النظر. كما عبر الحزب عن "تفهمه" للتظاهرات التي ترفع الشعارات المناهضة "لأسلمة ألمانيا" وتعارض تظاهرات الاسلاميين المتشددين في المدن الألمانية.

يللّه CSU

يحمل الاتحاد الاجتماعي المسيحي في ألمانيا الاسم المختصر& CSU، فأقام مواطنون ألمان صفحة تحمل اسم "يللّه& CSU" على تويتر لتبادل الآراء والنكات حول الموضوع.

وتحول الموقع خلال يومين إلى أرشيف للنكات والسخرية من الحزب البافاري. ويكفي دلالة على السخرية أن نعرف أن مجموعة من الشباب العرب تقيم سلسلة حفلات للديسكو الشرقي في المدن الألمانية الكبيرة، مرة في الشهر، بعنوان "يللّه بارتي".

أحد المشاركين الأتراك على موقع يلله بارتي ذكر أنه سيعمل، نزولًا عند طلب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بترحيل جدته إلى تركيا لأنها تسمي الرصيف دائمًا تراتور.

وقال آخر إنه متزوج من فرنسية من أب ايرلندي، ولا يعرف بأية لغة سيتحدث معها في البيت بعد الآن. وإذ طالب أحد المتفكهين نادي بايرن ميونخ بفرض اللغة الألمانية في ملعبه، طالب آخر بفرض اللغة الألمانية الفصحى في بيوت البافاريين المعروفين بتمسكهم بلهجتهم المحلية.

حزب لا قيمة له

شاركت مجلة دير شبيغل المعروفة بنشاط في تحليل دوافع الاتحاد الاجتماعي المسيحي وفي السخرية من موضوع إلزام الأجانب التحدث بالألمانية في بيوتهم. واعتبرت المجلة مقترح الحزب محاولة من حزب "لا قيمة له" لجلب أنظار الناخبين ودعاية انتخابية رخيصة.

وذكرت المجلة أن أهم استطلاعات الرأي تكشف بأن 72% من الشباب، من أصول أجنبية، يتحدثون الألمانية في بيوتهم مع ذويهم. لكن نسبة تقل عن 1% تتحدث الألمانية بين اطفال الأجانب من عمر قبل المدرسة، وهذا شيء جيد بالنسبة للطفل كي يتقن اللغتين. وذكّرت المجلة بآراء العلماء القائلة بأن من لا يتقن لغته الأم لن يتقن اللغة الألمانية أيضًا.

والمهم أيضًا، بحسب رأي المجلة، أن الأجانب يتوالدون بسرعة تفوق سرعة توالد الألمان، ولهذا يشكل أولاد الأجانب 17% من تلاميذ المدارس، رغم أن نسبة الأجانب العامة في المجتمع لا تزيد عن 8,2%.

بافاريا السباقة

كانت ولاية بافاريا أول من دعا إلى ترحيل أولاد الأجانب، الذين يرتكبون الجنايات، إلى بلدانهم الأصلية وإن ولدوا في ألمانيا. وهي أكثر الولايات الألمانية تشددًا في تطبيق قانون التجنس، وهي صاحبة مبادرة "امتحان الأجانب" قبل الموافقة على منحهم الجنسية.

وكان المقترح الذي التزمه وزير الداخلية الأسبق فولفغانغ شويبله، وزير المالية حاليًا، مقترحًا بافاريًا في الأصل. وتمّ على أساس هذا المقترح وضع 320 سؤالًا يجري امتحان الأجنبي بها قبل الموافقة على منحه الجنسية، اختصرت لاحقًا إلى 100 سؤال. وهي أسئلة تتعلق بتاريخ وسياسة ألمانيا ولغتها واقتصادها.

آنذاك، اعتبر كنعان كولات، رئيس الجالية التركية، أن إقامة دورات تثقيفية للمتقدمين للحصول على الجنسية، أفضل من امتحانهم بهذا الشكل. واعتبر الامتحان تعارضًا مع حرية الرأي ومع سياسة دمج الأجانب في المجتمع الألماني، لأن الأسئلة معقدة ربما تفشل نسبة عالية من الألمان أنفسهم في اجتيازه.

وتمارس ولاية بافاريا منذ سنوات، وبشكل منفرد، سياسة الترحيل القسري للإسلاميين المتشددين "المشبوهين" بالارهاب من دون الحاجة لوجود أدلة.