بيروت: قدمت قطر مدفوعة بواقعيتها السياسية والرغبة في حماية مصالحها، تنازلات كبيرة ظاهريا لدول الخليج خلال قمتها في الدوحة عبر الانضمام الى الموقف السياسي الداعم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وادانة الميليشيات الاسلامية في ليبيا، وهي التي جعلت من دعم الاخوان المسلمين خيارا اساسيا لها خلال السنوات الاخيرة.
وبحسب المحللين، لن تقطع قطر على الارجح علاقاتها مع الاخوان المسلمين الذين تعتبر انهم ما زالوا يشكلون تيارا عريضا في العالم العربي، الا انها عازمة على الحد من تداعيات هذا الدعم على مصالحها السياسية والاقتصادية وطموحاتها الرياضية الكبيرة.
والقمة التي انعقدت الثلاثاء لساعتين فقط لكن مجرد انعقادها يعد نجاحا بعد تسعة اشهر من التازم كانت الاسوا في تاريخ مجلس التعاون منذ تاسيسه في 1981، انتهت باعلان "مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها".
كما اكد قادة الخليج، ومن بينهم امير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد ال ثاني، دعم "برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسيي المتمثل بخارطة الطريق"، وادانة "تحكم المليشيات وسيطرتها على الساحة الليبية". وتتهم قطر بمساندة ميليشيات اسلامية مرتبطة بالاخوان المسلمين في ليبيا. وتملك قطر التي يبلغ عدد مواطنيها ربع مليون نسمة فقط، ثالث اكبر احتياطي من الغاز في العالم.
وقال المحلل السياسي المخضرم المقيم في لندن عبد الوهاب بدرخان "هناك تنازلات كبيرة قدمتها قطر في ما يتعلق بمصر وليبيا". واشار ايضا الى تنازل "حتى بالنسبة للصياغة في موضوع البحرين ووضعه في سياق مكافحة الارهاب، الامر الذي يتعارض مع موقف قطر التي تعتبر الاحتجاجات (التي يقودها الشيعة) احتجاجات شعبية".
وبحسب بدرخان، فان الدافع نحو التراجع الظاهر لقطر الداعمة الابرز للاخوان المسلمين وللرئيس المصري المعزول محمد مرسي، هو "الواقعية السياسية من جهة، وخيار البقاء في مجلس التعاون من جهة اخرى" بعد ان وصل المجلس الى حافة التفكك.
وقد يكون تقديم التنازلات خلال قمة تستضيفها خيارا يحفظ ماء الوجه لقطر ولا يبدو كتنفيذ املاءات.
وكان الموقف من مصر في اساس الخلاف الخليجي الذي انفجر بسحب السعودية والامارات والبحرين في اذار/مارس سفراءها من الدوحة في خطوة غير مسبوقة. وقد توصلت دول الخليج الشهر الماضي الى اتفاق مصالحة سمح بعودة السفراء.
ولكن التنفيذ الحقيقي للانعطافة القطرية في الشكل يبقى موضع تساؤل، سيما ان خيار دعم الاخوان المسلمين او ما يعرف بتيار الاسلام السياسي، بدا متجذرا في السياسة القطرية منذ سنوات، بما في ذلك عبر ذراعها الاعلامية قناة الجزيرة التي تم تغير خطها التحريري.
وقال مصدر خليجي "قد تكون قطر قررت تقديم تنازلات شكلية لانقاذ الاجندة، اي انعقاد القمة، والانضمام الى بيانات قد لا تغير كثيرا في سياستها". واضاف "ان الاشهر المقبلة ستظهر ما اذا كانت قطر غيرت فعلا سياساتها ام انها غير راغبة او غير قادرة على ذلك".
اما عبد الوهاب بدرخان، فاعتبر ان التنازلات في قمة الدوحة "لا تعني ان قطر ستقطع علاقاتها مع الاسلام السياسي لان العلاقة فيها مصالح والتيار لا يزال كبيرا في العالم العربي".
الا ان قطر "لا تريد ان تفسد صبغتها بتيار الاسلام السياسي علاقاتها الخليجية والدولية، هي التي لديها طموحات سياسية ورياضية كبيرة واجهت بدورها انتكاسات"، في اشارة الى تعثرات استضافتها لكاس العالم لكرة القدم في 2022.
واعتبر ان قطر "تتعاطف مع التيار الاسلامي بما يخدم مصالحها اي انها تفيده وتستفيد منه، ولكن تريد في النهاية تحقيق مصلحتها".
وسبق ان طلبت قطر من عدد من قياديي الاخوان المسلمين مغادرة الدوحة، الا ان مصادر مختلفة تؤكد ان شخصيات اسلامية اخرى لا تزال تحظى بملجأ قطري، لاسيما الداعية الاسلامي البارز يوسف القرضاوي، وان خف ظهوره الاعلامي.
كما اوقفت قطر عمليات التجنيس التي شملت بحرينيين سنة وكانت من بين ابرز الخلافات مع الدوحة، وتوقفت بحسب مصادر خليجية عن احتضان معارضين خليجيين لاسيما سعوديين.
وبعد ان بدا النفوذ القطري الدبلوماسي متضخما مع انطلاقة الربيع العربي ومع ضمور القوى العربية التقليدية، وبعد انتكاسات دعمها للاسلاميين كقوة عابرة للدول العربية يمكن ان تستفيد من صعودها الى السلطة، تعود السياسة القطرية الى شيء من التوازن.
وقال المحلل السياسي الكويتي عايد المناع ان "قطر كانت امام خيار الخروج من مجلس التعاون، الا انها قررت البقاء ضمن البيت الخليجي لان مصالحها فيه". لكنه قال انه "لا يجب الاستعجال في قطف ثمار هذا القرار" فيما "بات يتعين على مصر ايضا ان تقوم بخطوات تجاه قطر.
التعليقات