كان العام 2014 اللبناني حافلًا باستحقاقات مفقودة وبأمن منكوب، وبجيش يفتقد عناصره المخطوفة، وبنواب ما اجتمعوا إلا للتمديد لأنفسهم.


بيروت: أقفل لبنان العام 2014 على تفاؤل "حذر"، بابتداء حوار بين ممثلي السنة والشيعة اللبنانيين، تيار المستقبل وحزب الله، برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، بعد توتر كبير خلال العام المنصرم، وصل ذروته إلى اشتباك نفسي، كاد يتطور حربًا ضروس، بعد قيام الجماعات السنية المتطرفة في جرود عرسال بمهاجمة الجيش اللبناني، وخطف جنود ورجال أمن لبنانيين، وذبح شيعيين منهم حتى الآن، في ظل تفاوض متعثر بين الدولة اللبنانية من جهة وبين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية من جهة أخرى.

بلا رئيس

حفل العام 2014 لبنانيًا بجملة من الأحداث، ساهمت إلى حد كبير في توسيع التصدعات الطائفية والمذهبية، وتصعيد وتيرة التجاذبات السياسية، مع ميل إلى توتير أمني، كانت ساحته مدينة طرابلس وجوارها، تأثرًا بتداعيات الحرب السورية المستعرة، والتي تشارف على الدخول في عامها الرابع.

من أهم هذه الأحداث حدث مستمر إلى أجل غير مسمى: الملف الرئاسي المفتوح على مزيد من تعقيد وفراغ. فلبنان يعيش بلا رأس منذ 25 أيار (مايو)، وهو مرشح بالاستمرار بلا هذا الرأس، بعد 16 جلسة برلمانية إنتخابية فاشلة، بسبب الخلاف السياسي الحاد بين فريقي 8 و14 آذار، وتمسك المرشح سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، بترشحه عن فريق 14 آذار، ودعم فريق 8 آذار للنائب ميشال عون للرئاسة، وطرح النائب وليد جنبلاط لمرشح ثالث، هو النائب هنري حلو.

ساهم هذا الاشتباك الرئاسي في قيام حوار بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، وصل إلى حائط مسدود، ما عبّد الطريق إلى حوار بين المرشحين عون وجعجع، وآخر بين حزب الله والمستقبل.

تمديد أول وثان

يرى مراقبون أن إدمان النواب اللبنانيين على التمديد لأنفسهم في البرلمان، من دون العودة إلى الشعب، وهو مصدر السلطات، هو أخطر ما حصل للبنان منذ الحرب الأهلية العبثية، التي أكلت من مجتمعه وشبابه الكثير. هذا توصيف من توصيفات كثيرة، وهو أقلها حدة وأكثرها لباقة.

فالاعتراض الشعبي والسياسي والمقاطعة والطعن أمام مجلس شورى الدولة ووقوف ناشطي المجتمع المدني خارج البرلمان لمنع حصول هذه الخطيئة المميتة بحق الديمقراطية اللبنانية لم تحل دون تمديد النواب لأنفسهم في جلستين لم يتعد زمن كل منهما الدقائق العشر. أما المبرر فكان عدم القدرة على إجراء انتخابات نيابيّة بسبب الوضع الأمني الدقيق في لبنان، على أن تنتهي ولاية النواب الممددين لأنفسهم قسرًا في العام 2017.

ويعيد الكثيرون هذا التمديد المتكرر إلى خوف كل الأطراف، المسلمة والمسيحية، من عجزها عن الوصول ثانية إلى البرلمان بالقوة نفسها، بعدما تراجعت شعبية الكتل الأساسية، ككتلة تيار المستقبل التي خسرت الكثير من شعبيتها لصالح المتطرفين السنة، وكتلة حزب الله التي تخشى أن يلعب عدد قتلى الحزب في سوريا في غير صالحه، بسبب النقمة المتزايدة عليه من أهالي هؤلاء القتلى.

عرسال وطرابلس: بؤر التطرف

مرّ هذا العام قاسيًا على الجيش اللبناني، الذي استهدفه المسلحون السوريون، وانصارهم من المتطرفين اللبنانيين، في جرود عرسال، وفي مدينة طرابلس وفي عكار، فخسر العديد من القتلى والجرحى.

اندلعت أول الصدامات بعرسال بعد اعتقال مخابرات الجيش لأحمد جمعة، فيما أكّد الجيش اللبناني أن المعركة محضر لها منذ زمن، من المسلّحين الذين هربوا إلى جرود عرسال من القلمون، أثناء المعارك التي خاضها حزب الله هناك في آذار (مارس) 2014.

انتهت معركة عرسال بخطف المسلحين عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، فاعتصم أهلهم وأقفلوا طريق البقاع وبيروت، بعدما اعدم الإرهابيون علي السيد وعباس مدلج ذبحًا، وعلي البزال برصاصة في الرأس. وما تزال هذه المسألة عالقة، بعد فشل وساطة قطرية، وتدخل أكثر من طرف على الخط.

وعلى مسافة غير بعيدة سياسيًا، كانت طرابلس الحاضرة دائمًا في العام 2014، بدءًا بتفجير مسجدي التقوى والسلام، واندلاع جولات القتال بين باب التبانة وجبل محسن، وهروب زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني العربي علي عيد وابنه رفعت، المتهمين الأساسيين في عمليّة تفجير المسجدين، وتطبيق خطّة أمنيّة حازمة أعادت الأمن إلى طرابلس، مع تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام، خرقها تعديات نفذها مسلّحون مؤيدون لجبهة النصرة وتنظيم الدولة ضدّ الجيش اللبناني، انتهت بيد الجيش الحديدية، وهرب المدعوين شادي المولوي وأسامة منصور إلى جهة مجهولة.

منع الرسائل المفخخة

يبقى التدخل الشيعي في سوريا، متمثلًا بقتال حزب الله في خندق واحد مع النظام السوري، سببًا لجمر لبناني تحت الرماد. فالحزب يصر على أن تدخله أنقذ لبنان من خطر كبير، كوصول داعش إلى جونية مثلًا كما قال أحد قيادييه الكبار، خصوصًا بعد تمكنه من إغلاق معمل العبوات الناسفة التابع للنصرة في يبرود السورية، من خلال معركة يصفها الحزب بـ "الاستراتيجيّة الاستباقية الوقائية" لسدّ خطوط الإمداد بالسلاح والمسلّحين والعبوات الناسفة التي تصل من القلمون إلى عرسال، فتمنعها من الوصول إلى عقر دار الحزب في الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق، بعدما تنقلت الانفجارات الانتحاريّة بين حارة حريك والمستشاريّة الثقافيّة الإيرانيّة ببئر حسن والشويفات والبقاع الشمالي في الهرمل وجسر العاصي والنبي عثمان.

وتمكن الأمن اللبناني في هذا العام من إلقاء القبض على الكثير من الإرهابيين، اعترفوا بتحضيرهم لعمليّات إرهابيّة واغتيالات سياسيّة في لبنان، أبرزهم إرهابيو فندق دي روي في الروشة وإرهابيو فندق نابليون في الحمرا.

المحكمة الدولية

من المحطات المهمة في العام 2014 لبنانيًا انتقال المحكمة الدولية الخاصة بالكشف عن قتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري إلى مرحلة الاستماع إلى شهادات السياسيين اللبنانيين، مبتدئة بما يسمى في لبنان بـ "الشهيد الحي"، النائب والوزير السابق مروان حمادة، الذي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة قبل أشهر قليلة من مقتل الحريري.

ووصلت إلى هذه المرحلة بعدما انطلقت فعليًا في رحلة البحث عن الحقيقة في كانون الثاني (يناير) بلاهاي، برئاسة ديفيد باراغوانث، وحضور إعلامي لبناني وعربي ودولي كثيف، وحضور عدد كبير من الشخصيّات السياسيّة والإعلاميّة، وأهالي الضحايا والمتضرّرين، وأبرزهم رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري.

وإلى ذلك، احتل ملف اللاجئين السوريين بلبنان حيزًا كبيرًا هذا العام، بسبب تقديرات أممية بتجاوز عددهم مليون ونصف مليون لاجئ بنهاية العام، مع ما يرافق ذلك من مشكلات أمنيّة واقتصادية واجتماعية. وأكد لبنان أنه خسر بسبب الأحداث السورية 20 مليار دولار، وحصل على 50 بالمئة فقط مما هو مقرر من مساعدات دولية لإغاثة النازحين عن العام 2013، وعلى 44 بالمئة عن العام 2014.