حكمت محكمة جزاء ميونيخ الثانية بالسجن ثلاثة أعوام ونصف العام على أولي هونيس، رئيس نادي بايرن ميونيخ، بتهمة التهرب من دفع الضرائب. وكانت النيابة العامة طالبت بإنزال عقوبة مشدّدة ترتفع إلى خمسة اعوام ونصف العام بسبب حجم المبالغ المهرّبة إلى حسابات مصرفية سرية في سويسرا، تصل إلى 27,2 مليون يورو.


وهكذا، تكون المحكمة رفضت الأخذ باعتراف هونيس بالجريمة، الذي عوّل عليه المتهم للحصول على حكم مخفف. ووجد قاضي المحكمة أن اعتراف هونيس بالتهرب جاء متأخرًا أولًا، ثم انه لم يشمل الاعتراف بكافة المبالغ التي ترتفع إلى 27,2 مليون، ثانيًا.

ويبقى من حق هونيس الطعن في القرار خلال اسبوع، ومن ثم تقديم الاسباب الموجبة للتقدم بالطعن بعد ذلك بأسبوع. وتولى الدفاع عن اللاعب الدولي السابق، ورئيس النادي البافاري، فريق مؤلف من 3 محامين يعتبرون من خيرة محامي القضايا الجزائية الخاصة بالضرائب.

وقبل بدء المحاكمة، طالب نواب برلمانيون، بينهم سيمونة بيتر من حزب الخضر، والبريت دوين من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، باستدعاء المستشارة أنجيلا ميركل إلى منصة الشهود في محكمة هونيس، بعد أن زادت التقارير الصحافية التي تتهم المستشارة بتحذير هونيس من افتضاح حساباته المصرفية السرية في سويسرا.

لا تسامح

حفز هذا التحذير المفترض هونيس على الاتصال بدائرة الضريبة، والاعتراف بأنه تهرب من الضرائب في حسابات سرية في سويسرا. والمعروف أن القانون الألماني يتعامل بتسامح مع الذين يعترفون بجريمة التهرب من الضرائب، ويخضعون الأموال المهربة إلى النسبة الضريبية التي قد ترتفع إلى 20%. كما يعفي القانون المتهربين من الضرائب، في مبلغ أقل من مليون يورو، ومن عقوبة السجن، ويكتفي بغرامات مالية أو عقوبة السجن مع وقف التنفيذ.

إلا أن المبالغ التي اعترف بها الرياضي المشهور وتاجر اللحوم ترتفع إلى 27 مليون يورو تقريبًا، وارتفع المبلغ في أحد حساباته السرية مرة في الأعوام الماضية إلى 150 مليون يورو، الأمر الذي يفرض على هونيس إعادة مبلغ 69 مليون يورو إلى دائرة الضريبة، كي يفلت من العقاب.

الداخلية تعترف

بعد عدة تقارير صحافية نشرتها كبريات الصحف الألمانية عن دور ميركل في تحذير هونيس، وجه مسؤول حزب اليسار ريتشارد بيترله استفسارًا تحريريًا مباشرًا إلى وزارة الداخلية، مطالبًا بالكشف عن لقاءات الصداقة بين المستشارة وفاعل الخير هونيس، الذي يتبجح بالتبرع بمبلغ 4 ملايين يورو شهريًا للمشاريع الخيرية.

وجاء في الرد التحريري من الوزارة أن المستشارة التقت هونيس 9 مرات بين 2009 و2013. آخر هذه اللقاءات كان عبارة عن دعوة غداء في برلين وجهتها ميركل لهونيس، قبل يومين من اعترافه للجهات الضريبية بجرمه. ودارت شكوك الصحافة حول هذا الموعد المفاجئ، لأن لقاءاتهما كانت تتم دائمًا في المناسبات الخيرية، ويفترض أن ميركل حذرت هونيس من الفضيحة على مائدة العشاء. إلا أن الصحافة فشلت في اثبات تجاوز المستشارة مسؤولياتها، وبقيت الاتهامات مبهمة.

زلّة سياسية

وجهت النيابة العامة تهمة التهرب من الضرائب لهونيس بعد يومين فقط من لقائه المستشارة. وقال أصدقاء مقربون من هونيس لصحيفة زود دويتشة الواسعة الانتشار إنه قرر الكشف عن حساباته المصرفية السرية بعد الغداء مع المستشارة. والتقى في ذات الليلة مع مستشاره الضريبي، ومع مفتش معروف في الضرائب، في بيته واتفقوا على أن يعلن هونيس عن تورطه في التهرب الضريبي خلاصًا من السجن.

قالوت ميركل انها تشعر بالأسف لزلة لسان رئيس نادي بايرن أمام الصحافة، وجرت أحاديث عن جفاء بينها وبين هونيس بسبب تهربه الضريبي، ورفضت بعد ذلك التعليق على تطورات قضية هونيس. لكنها صافحته بابتسامة عريضة في نهائي كاس أندية أوروبا في لندن، ما جعل ملايين الألمان يشعرونquot;بالأسفquot; لهذه الزلة السياسية.

شتيرن والفضيحة

يعود الفضل إلى الصحافي يوهانيس روننغ، من مجلة شتيرن المعروفة، في الكشف عن فضيحة رئيس نادي بايرن ميونيخ، في 16 كانون الثاني (يناير) 2013.

ومن حسن حظ هونيس أن رئيس تحرير شتيرن، هانز اولريش يورغنز، هو من أعز أصدقائه، ومن أهم مشجعي بايرن ميونيخ. وعندما نوّهت الصحف الأخرى بقيام يورغنز بابلاغ هونيس بالتقرير قبل يوم من نشره، اعترف هونيس باللقاء في مقهىquot;برلينquot;، لكنه نفى أن يكون يورغنز قد سلمه نسخة من التقرير قبل نشره.

وكان روننغ يلاحق حسابات هونيس المصرفية السرية في سويسرا سرًا، ودون علم رئاسة التحرير. ونفت شتيرن رسميًا أنها سلمت هونيس نسخة من التقرير قبل نشره، لكنها اعترفت لاحقا بـquot;دزينةquot; من الشخصيات التي استلمته قبل نشره، وهكذا بدّدت المجلة الاتهام بين العديد من الشخصيات السياسية والثقافية المهمة في ألمانيا.

دور النادي

نفى هونيس والنادي البافاري أي علاقة لحسابات هونيس المصرفية السرية في بنك فونتوبيل السويسري بالنادي. لكن بايرن ميونيخ وقف بكامل أعضائه ضد استقالة هونيس، ومن أجل بقائه في مقعد الرئاسة.

وحمل تقرير شتيرن عنوان quot;حساب كرة قدم مصرفي سري في سويسراquot;، وأشار إلى تورط نادٍ بافاري كبير لكرة القدم في جريمة تهريب الأموال إلى 15 حسابًا سريًا في جنيف. وجاء في التقرير أيضًا أن بعض هذه الأموال استخدمت في صفقات شراء وبيع لاعبين، لكن هذه التهم لم تثبت. ويفترض أن هذا النادي قد استخدم رقم حسابه السري لدى اتحاد كرة القدم العالميquot;فيفاquot; لانجاز هذه الصفقات قبل أن يتحول إلى حسابات المصارف السويسرية باستخدام اسم شخصي.

ولم يكن دخان فضيحة هونيس بلا نار تصيب النادي بالطبع، فداهم مفتشو الضرائب مجمع النادي في سيبنر شتراسة في ميونيخ بحثًا عن أدلة في آذار (مارس) 2013، لكنهم لم يقعوا على شيء. وحسب صحيفة برلينر كورير، نصف وزارء ولاية بافاريا عرفوا بالقضية قبل نشرها، كما تلقى هونيس تحذيرًا آخر من صديقه هيلموت ماركفورت، رئيس تحرير مجلة quot;فوكوسquot; المعروفة، الذي يحتفظ بعضوية المجلس الاداري في نادي بايرن ميونيخ.

400 مليون يورو

لايعرف أحد حجم ثروة هونيس، لكن يعرف الجميع بأنه لم يجمع كل هذه الملايين من لعبة كرة القدم. حدد اتحاد كرة القدم الألماني رواتب اللاعبين في الستينات بين 1200-1400 مارك (600-700 يورو)، لأنه كان يرفض التعامل مع اللاعبين كعبيد يباعون ويشرون.

وارتفعت الرواتب في السبعينات، حينما اشتهر هونيس، لكنها لم تزد كثيرًا عن هذا المعدل. وأعترف كارل هاينز رومنيغه، مدير نادي بايرن واللاعب الشهير الذي عاصر هونيس، بأن راتبه في السبعينات لم يزد عن 150 ألف مارك في السنة. ولا يمكن لهونيس أن ينال أكثر من ذلك بأية حال، ثم اعتزل بسبب الاصابة مبكرًا. كما كان يتلقى في السنوات العشر الأخيرة مرتبًا قدره 10 آلاف يورو شهريًا، لكن هذا أيضًا لا يفسر ثروته التي تقدر بنحو 400 مليون يورو.

يقال إن هونيس أنشأ بمساعدة مالية (20 مليون مارك) ومعنوية من صديقه روبرت لويس دريفوس، رئيس شركة اديداس السابق، شركة للحوم والنقانق. وصارت الشركة خلال ثلاثين سنة تصدر النقانق إلى كافة انحاء العالم، الأمر الذي رفع دخل الشركة إلى 40 مليون يورو سنويًا.

قمة الكآبة

واعترف هونيس بأنه كان يستخدم حساباته المصرفية السرية في المضاربات في البورصة، وأنه حقق أرباحًا كبيرة في كثير من الأحيان. وطبيعي لم يدفع هونيس الضرائب المطلوبة على هذه الأموال في ألمانيا. ويعتقد انه يتستر على حسابات أخرى كبيرة. وتنبأت مجلة دير شبيغل في 12 آذار (مارس) 2013 أن تتجاوز هذه المبالغ 100 مليون يورو.

لم يشاهد أحد هونيس بهذا الاكتئاب من قبل، إلا عندما خسر المنتخب الألماني كأس أوروبا ضد تشيكوسلوفاكيا عام 1974، حين أهدر هونيس ضربة جزاء. ويبدو أن هونيس، الذي أصبح من كبار تجار اللحوم في ألمانيا، سجل هدفًا ضد فريقه نفسه، إلا انه لا يقف حده في المباراة الضريبية. فعلاقاته تمتد إلى وزيرة العدل شنارينبرغر، وإلى رئيس وزراء بافاريا هورست زيهوفر وإلى والعديد من الوزراء الآخرين.

كما تسانده، بموقفها الصامت والداعم، كل الشركات التي تدعم النادي البافاري الكبير، وعلى رأسها شركة الليانس للتأمين، التي يحمل ملعب بايرن اسمها، وشركتا سيارات أودي وفولكسفاجن، وشركة أديداس.
وتداولت صحف اليوم في ألمانيا خبر اجتماع طارئ للهيئة الادارية لنادي بايرن ميونيخ يعقد مساء اليوم، ربما بحثًا عن رئيس جديد.