يتسلل اليأس الى قلوب اللاجئين السوريين في الاردن مع انقضاء ثلاثة اعوام على النزاع في بلادهم، ما حدا بكثير منهم الى العودة لquot;موت محتمquot; في بلدهم فضلوه على quot;مرارة اللجوءquot; التي دفعتهم احيانا الى القيام باعمال شغب.
مخيم الزعتري: مع دخول النزاع في سوريا عامه الرابع يشعر الكثير من اللاجئين السوريين بمخيم الزعتري الصحراوي (85 كم شمال-شرق عمان)، الذي يؤوي اكثر من 100 الف لاجئ، بأن العالم نسي مأساتهم.
ويقول ابو عصام (52 عاما) من درعا (جنوب سوريا)، فيما يقف في المخيم مودعا ابناء عمومته الذين تجمعوا قرب حافلة تنقل عشرات من اللاجئين الى سوريا ان quot;السوري يفضل العودة لموت محتم على ان يبقى يتجرع مرارة اللجوءquot;.
ويضيف الرجل ذو الشاربين الكثيفين والوجه الاسمر والذي استخدم كوفية حمراء وبيضاء ليقي رأسه من اشعة الشمس والغبار ان quot;الجميع تجاهل اوجاع اللاجئين ولا أحد يكترث لنا، خدعونا وقالوا ان ازمتكم ستستمر لأيام فقط اما الان فنشعر بأن الحل مستحيلquot;.
اما كاتبة الحسن (80 عاما) من درعا ايضا، فتقف تحت الشمس قرب بوابة المخيم وقد نال الغبار من ثوبها العربي الاسود وهي تستعد للصعود الى الحافلة لتعود الى سوريا بعد اربعة اشهر أمضتها في المخيم.
وتقول مبتسمة لفرانس برس quot;اشتقت لبلدي، عندما اتيت كنت أظن أني سأبقى لأيام او أسابيع فقط لكني لا اقوى على البقاء مدة اطول، الوضع مزر هنا لا اريد ان اموت بعيدة عن بلديquot;.
وشهد مخيم الزعتري القريب من الحدود مع سوريا منذ انشائه قبل عامين احتجاجات عدة تخللتها احيانا اعمال شغب كان اغلبها بسبب الاوضاع المعيشية الصعبة في المخيم.
واندلعت اعمال شغب في المخيم قبل نحو اسبوعين اوقعت قتيلا بين اللاجئين وعشرات الجرحى اغلبهم من رجال الأمن، وكانت المرة الاولى التي يسقط فيها قتيل في حوادث مماثلة.
وقالت الامم المتحدة والسلطات الاردنية حينها إن اعمال الشغب اندلعت عقب ضبط محاولة تهريب لاجئين الى خارج المخيم.
ويقول اللاجئ حسن الزعبي (68 عاما) لفرانس برس ان quot;اللاجئين لم يعودوا يحتملون اوضاع المخيم والبعض يعود الى سوريا رغم الدمار الذي حل بها واستمرار الحربquot;.
ويشير الزعبي الى ان زوجته وولديه وابنته تركوه وعادوا الى سوريا مؤخرا quot;بسبب الاوضاع غير الانسانية هناquot;.
ويروي لفرانس برس ما حدث يوم وقوع اعمال الشغب التي اندلعت على قوله بعد ان منع الامن فتيات من مغادرة المخيم من دون تصريح.
ويوضح ان quot;احد رجال الامن دفع احداهن لإصرارها على الخروج فخلعت حجابها وصرخت منادية +الفزعة+ من الاقارب مدعية انه اعتدى عليها، فاندلعت مشاجرة مع رجال الامن تطورت الى ما حدثquot;.
ويوضح الزعبي ان quot;المخيم يضم اكثر من 100 الف انسان فيهم الصالح وفيهم الطالح، ذقنا الويلات في سوريا ولجأنا الى اقرب ملجأ آمن وعلينا ان نحترمه ونحترم امنه وقوانينهquot;.
ويغادر المخيم ما بين 80 الى 100 لاجئ يوميا عائدين الى سوريا، وقد عاد منذ بدء الازمة عام 2011 اكثر من 100 الف لاجئ الى بلدهم، وفقا لمصادر امنية.
لكن في الوقت نفسه يلجأ يوميا نحو 500 سوري الى المملكة التي باتت تؤوي اكثر من نصف مليون لاجئ سوري 80% منهم يقطنون القرى والمدن.
ويقول علاء ( 37 عاما) من حمص، وهو يدخن سيجارة ويشرب المتة السورية قرب خيمته quot;لم نهرب من الموت لنعيش بذل هنا، لم نهرب من سجن كبير لنموت في سجن صغيرquot;.
ويضيف quot;نريد ان نحيا حياة طبيعية نعمل ونأكل ونشرب ونلبس كغيرنا من البشرquot;.
ويشتكي اللاجئون باستمرار من الأجواء الصحراوية وعدم توافر المياه والكهرباء احيانا في المخيم الذي تصل الحرارة فيه خلال الصيف الى نحو 40 درجة مئوية في حين تنخفض الى ما دون الصفر في الشتاء.
وبحسب دراسة نشرتها منظمة quot;كيرquot; العالمية الاربعاء يحاول اللاجئون السوريون في مدن وقرى الأردن اكثر من قبل التأقلم مع تحديات السكن غير اللائق والديون الكبيرة وتكاليف المعيشة المتزايدة.
وقالت المنظمة إن التقييم الذي أجرته لما يزيد على 2200 لاجئ سوري اظهر ان 90% منهم مدينون لأقاربهم ومالكي العقارات وأصحاب المحلات والجيران.
ويقول آندرو هاربر، ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لفرانس برس ان quot;ازمة اللاجئين السوريين طالت ولا احد يعلم متى تنتهي وحتى ان انتهت غدا هناك كثير من الدمار في سوريا، الى اين سيعود هؤلاء؟quot;.
واضاف ان quot;السوريين لم يعودوا يهربون من الموت في سوريا بل هم يهربون بسبب انعدام الأمل بالمستقبلquot;.
ويتفق مدير مخيم الزعتري المقدم عبد الرحمن العموش مع هاربر، فيقول لفرانس برس ان quot;بعض اللاجئين تحت ضغط نفسي هائل نتيجة ما ذاقوه في سوريا ويريدون تنفيس الاحتقان الذي يعانونه ونحن نحاول دائما استيعابهمquot;.
ويضيف ان quot;وجود اكثر من 100 الف انسان لا تعلم عن خلفياتهم شيئا في مساحة محددة يشكل تحديا امنيا ليس من السهل التعامل معهquot;.
وأوقعت الحرب الدائرة في سوريا منذ آذار/مارس 2011 اكثر من 150 الف قتيل كما فر 2,6 مليون سوري من بلادهم ونزح 6,5 ملايين شخص اخرين من منازلهم داخل سوريا.
وقدرت الامم المتحدة كلفة استضافة اللاجئين السوريين في الاردن خلال عامي 2013 و2014 بنحو 5,3 مليارات دولار، في بلد يعاني اصلا ازمة اقتصادية ودينا عاما قارب 30 مليار دولار.
التعليقات