حال لبنان لا تتغير، بالرغم من المتغيرات السريعة في دول الجوار. ففي كل استحقاق، يزداد الانقسام حدة، وتصبح "الطاولة" مقياسًا في التحالفات، بين ظاهر فوق الطاولة، وباطن تحت الطاولة.


الاستحقاق الرئاسي اللبناني ليس مختلفًا في شيء. فالانقسام اللبناني عمودي بين قوى 8 و14 آذار... ولكن! ما هو فوق الطاولة مختلف قليلًا عما هو تحت الطاولة.

والسما زرقا!
فقوى 8 آذار لم ترشح أحدًا بعد، بالرغم من أن مرشحها "الخفي" هو النائب ميشال عون. لكن يبدو أن حزب الله وأخواته ليسوا راضين تمامًا عن عون، لذا ما زالوا مترددين في إشهار ترشيحه، لأنه يلاعب تيار المستقبل، عمود قوى 14 آذار الفقري، من تحت الطاولة، مؤكدًا أنه لا يريد أن يأتي رئيسًا إلا بموافقة الاعتدال السني، ممثلًا في رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

ولأن ما يجري من غزل مستقبلي عوني تحت الطاولة لا يرضي حزب القوات اللبنانية، أقوى مسيحيي 14 آذار، يؤكد سمير جعجع، رئيس حزب القوات، استمراره في الترشح للانتخابات الرئاسية، متوقعًا أن لا ينتخب المجلس النيابي رئيسًا في جلسة الخميس المقبل، ولا في الجلسة التي ستليها، وهو عالم أن حزب الله لن يرضى به رئيسًا... "والسما زرقا".

التهويل بالفراغ
لكن هل يرفض حزب الله تأمين نصاب الجلسة "نكاية" بجعجع، أم في نفس يعقوب ما فيها؟. جعجع قال لصحيفة الشرق الأوسط إن حزب الله يحاول أن يضع 13 آذار أمام خيارين، "إما تسليم البلاد لرئيس يختاره، وإما الفراغ، والفراغ أسهل من تسليم لبنان للحزب".

لا يتراجع جعجع عن ترشحه، لكنه يبدي استعداده لمناقشة الأمر، إذا وافق الفريق الآخر على مرشح آخر من 14 آذار يحمل برنامجه وأفكاره نفسها، مثل الرئيس السابق أمين الجميل أو الوزير بطرس حرب.

الفراغ تهويل. فبحسب جعجع، تصرف حزب الله بالطريقة نفسها في العام 2008، "حيث كان المرشحان لدى 14 آذار حرب والنائب الراحل نسيب لحود، فعطل عملية الانتخاب حتى حصل الفراغ، ثم جاء 7 أيار (مايو) وذهبنا إلى الدوحة، حيث كانت التسوية التي أتت بالرئيس ميشال سليمان. ويبدو أن هذا أسلوب للحزب يتبعه بشكل مستمر، فبدلًا من أن يذهب إلى البرلمان لخوض انتخابات ديمقراطية شفافة، يدفع باتجاه الفراغ، وتحت ثقل الفراغ يفرض مرشحًا يرتاح إليه".

والمؤتمر التأسيسي فزاعة
لكن ثمة تهويل آخر، هو المؤتمر التأسيسي الذي يروّج له إعلام حزب الله، والذي دعا إليه صراحة الأمير طلال أرسلان، أحد فرقاء قوى 8 آذار، أخيرًا. فالفراغ قد يكون دافع حزب الله نحو صيغة حكم جديدة في لبنان. لكن جعجع لا يقتنع كثيرًا بهذا الكلام. يقول: "هذا الموضوع يستعمل فزاعة ضد المسيحيين، فصيغة مماثلة تحتاج إجماعًا وطنيًا، وهذا الإجماع غير متوافر، وغالبية الفرقاء تقول إنها ضد تعديل الدستور واتفاق الطائف، وإن الأمر ليس واردًا في الوقت الحاضر، يريدون فقط فرض رئيس جديد".

لكن الأمر يبتعد عن التهويل نحو الاقتناع. فأرسلان، وهو أحد الناطقين الدروز بلسان حزب الله، قال في مؤتمر صحافي عقده أخيرًا: "نعيش موسم الإنتخابات الرئاسية والإنتقادات على المؤتمر التأسيسي، وهو شيء مخزٍ بالفعل أن يطالنا الإنتقاد في زمن بات الإصلاح عبئًا على تطوير الحياة السياسية في البلد".

ودعا إلى مؤتمر تأسيسي يضع حدًا لنظام التكاذب، "ويقيم دولة محترمة. ولا يهولن أحد علينا بأن المؤتمر التأسيسي كارثة وخطر على الطائف، بل الكارثة الكبرى هي الإستمرار في نهج الإنحطاط يوميًا".

لكن المعروف، والذي تتحدث عنه القوى السياسية في البلاد، أن حزب الله يريد أن يخرج لبنان من زمن المناصفة الإسلامية المسيحية إلى زمن المثالثة، التي تجعله، وهو الشيعي القوي، طرفًا غاعلًا في تقرير مصير البلاد.

لبننة الاستحقاق
الكل يتكلم عن لبننة الاستحقاق، وعن رئيس جمهورية "صُنِع في لبنان"، لكن كل المصادر العليمة بخفايا هذا الاستحقاق تتحدث عن تدخلات من كل حدب وصوب. فحزب الله يكيل الاتهامات للسعودية بأنها أعادت سفيرها إلى بيروت، بعد أشهر من الغياب، ليكون لها يد في اختيار الرئيس العتيد، بينما تقول مصادر مقربة من 14 آذار إن حزب الله تسلم تكليفًا سوريًا بالمماطلة في الاستحقاق الرئاسي، إلى ما بعد جلاء الرؤية في مسألة انتخابات الرئاسة السورية، ومدى تقبل الدول الغربية لعودة بشار الأسد إلى سد الرئاسة، ولو كانت هذه الرئاسة لا تحتكم على أكثر من 40 بالمئة من الأراضي السورية.

تبقى هذه المعلومات طيّ الأقاويل، كما تكشف مصادر لوكالة الأنباء المركزية عن زيارة مسؤولين فاتيكانيين إلى لبنان أخيرًا، ولقائهما مسؤولين كنسيين للبحث في انتخاب رئيس جمهورية يجسد الإرادة المسيحية ويعزز الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة. ولم يعقد المسؤولان أي لقاء سياسي، تجنبًا للانخراط في الصراع السياسي الداخلي.

التواصل الفاتيكاني الفرنسي الأميركي مستمر، لإنجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان، ما أنتج حراكًا فرنسيًا، منسقًا مع السعودية، وموجّهًا نحو إيران، لإخراج الاستحقاق الرئاسي من دائرة التجاذب الطائفي.