سجال كبير تعيش على وقعه الساحة السياسية المصرية، بعد صدور بيان جماعة الاخوان الذي فهمه مراقبون رغبة جامحة في العودة إلى العمل السياسي بمناسبة الانتخابات.


القاهرة: أسال البيان الأخير لجماعة (الاخوان المسلمين) المصرية الصادر يوم الجمعة الماضي، الكثير من الحبر، ودفع بقوى سياسية كثيرة إلى التطرق اليه والتعليق على محتواه.

وأصدرت جماعة الإخوان بيانًا حول علاقتها بمؤسسات الدولة، قالت فيه إنها "تسعى إلى تصحيح الأوضاع المنقلبة، بأن يعود الشعب هو السيد وهو مالك الدولة ومؤسساتها، وهو الذي يحكم نفسه بنفسه عن طريق نوابه، ويختار حاكمه وبرلمانه بحرية ونزاهة كاملة، وأن تعود مؤسسة الجيش إلى ثكناتها، وأن تمارس تخصصها ودورها في الدفاع والحماية، وأن تبتعد عن السياسة والحكم".

وتتعامل السلطات المصرية الموقتة مع جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي بعد أن صدر حكم قضائي يعدها تنظيماً إرهابياً في فبراير (شباط) الماضي، مؤيداً لقرار حكومي مماثل صدر نهاية العام الماضي.

رد على شبهات

وقال القيادي الإخواني البارز محمد علي بشر لصحيفة "الشرق الأوسط اللندنية إن البيان "لا يعدو أن يكون ردًا على الشبهات التي أثيرت حول الإخوان في الفترة الماضية".

إلى ذلك، استنكرت عدة قوى سياسية، بيان جماعة الإخوان الذي أعلنت فيه أنها لا تتبنى العنف، وأن هناك من يشوه صورتها فى شتى وسائل الإعلام.

واعتبرت القوى، أن بيان الجماعة "ما هو إلا مراوغة مع النظام تمهيداً لعودتها إلى الحياة السياسية، بعد أن تم نبذها من قبل المجتمع".

وترى جهات سياسية في مصر أن الجماعة تريد توضيح موقفها من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فبينما قرأ مراقبون البيان كأقوى إشارة ترسلها الجماعة عن عزمها خوض الانتخابات البرلمانية، قال آخرون إن البيان موجه لقوى سياسية تسعى الجماعة للتحالف معها.

أكاذيب

وقال كريم المصري القيادي السابق بحركة "تمرد" إن ما تقوله الجماعة الآن "مجرد أكاذيب تهدف بها إلى العودة إلى الحياة السياسية، بعد أن تم إقصاؤهم من قبل الشعب المصري".

ولفت في تصريح نقلته جريدة (المصريون) إلى أن بيان الجماعة ما هو إلا محاولة للتصالح مع النظام والحصول على مكاسب، مشيراً إلى أن هدف الإخوان من ذلك هو الانتخابات البرلمانية، حيث إنهم يدركون أن دورهم حان في المناورة مع النظام للحصول على أكبر مكاسب، مضيفاً أن الشعب& لن يسمح بذلك ولن يتصالح مع من أراق دماءه".

غربت عنها الشمس

ونقلت (المصريون) عن محمد السعدني، الخبير السياسي، نائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، قوله إنّ الجماعة تحاول التواجد بعد أن غربت عنها الشمس فقط للبقاء على الساحة السياسية بشتى الطرق.

وأضاف أن كل الحاضرين أثناء عرض البيان لا يتواجد بينهم من يمثل الثورة، مؤكداً أنه لا علاقة للإخوان& بثورة 25 يناير، كما يدّعون، لأنهم لا يؤمنون بالثورات، حيث إن قانونهم هو مبدأ السمع والطاعة، مشيراً إلى أنهم لا يمكن أن يعودوا مرة أخرى للعمل السياسي، موضحًا أن كلامهم غير منطقي ومرفوض خاصة بعد كل هذه الدماء التي سالت للعسكريين سواء من الشرطة أو الجيش.

وتابع:" فضلنا الإخوان عن شفيق في الانتخابات السابقة ظنًا منّا أنهم الأفضل إلا أنهم& أثبتوا فشلهم وأنهم جماعة فاشية، وباعوا الأراضي المصرية، فقد باعوا حلايب وشلاتين للسودان، فضلاً عن توطين الفلسطينيين في سيناء حتى ينتقل الصراع العربي الإسرائيلي داخل الأراضى المصرية لتتحمل تبعات ذلك الحكومة المصرية".

وعزل الجيش المصري الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان في الصيف الماضي، عقب مظاهرات حاشدة ضد حكمه. وترفض جماعة الإخوان الإجراءات السياسية التي تلت عزل مرسي.

وكانت شخصيات مصرية معارضة للسلطات الحالية، أعلنت مساء الأربعاء الماضي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، "إعلان مبادئ" لـ"استعادة ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011"، وضمت مبادئ عشرة منها "إدارة التعددية التشاركية ضمن حالة توافقية، وعودة الجيش الوطني إلى ثكناته، وبناء استراتيجية للمصالحة، والقصاص وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين الشباب، وسيادة القانون، والمواطنة، وتشكيل مؤسسات الدولة العميقة من أبنائها الشرفاء".

الجماعة ستقاطع الانتخابات

وأشار بشر، وهو ممثل حزب الحرية والعدالة في ما يعرف بـ(تحالف دعم الشرعية)، وهو تحالف إسلامي تقوده جماعة الإخوان، إلى أن موقف حزبه ملتزم بالموقف الذي اتخذه (تحالف دعم الشرعية) بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، لافتاً إلى أنه لم يجرِ حتى الآن بحث الموقف من الانتخابات البرلمانية، مشددًا على أن البيان الأخير لـ«الإخوان» لا يرتبط بالوثيقة التي أعلن عنها قبل أيام (في إشارة إلى إعلان بروكسل).

وقالت الجماعة في بيانها إن «(الإخوان) يريدون مصر دولة قوية كبيرة على المستوى العالمي، وهذا شأنه أن يؤدي إلى تقدم دول المنطقة ودول العالم الثالث، فمصر هي قاطرة العالم العربي، وتأثيرها في دول العالم الثالث لا يخفى عبر التاريخ، وذلك لن يتحقق إلا بقوة كل مؤسسة من مؤسسات الدولة وتمتع شعبها بالحرية والديمقراطية والوحدة».

العلاقة مع صباحي

ولمح مراقبون إلى تقارب بين اللغة التي استخدمتها جماعة الإخوان في بيانها الأخير، والخطاب السياسي للمرشح الرئاسي حمدين صباحي زعيم «التيار الشعبي»، بشأن بناء المؤسسات في البلاد وعدم الارتكان إلى مؤسسة واحدة (في إشارة إلى الجيش).

وقال أحمد إمام، المتحدث الرسمي باسم حزب مصر القوية، لـ"الشرق الأوسط" إن "بيان الجماعة يبدو غامضًا، ويمكن قراءته على أكثر من وجه، قد تكون مناورة أو رفضًا للإجراءات التي تجري حاليًا لتشكيل مؤسسات الدولة، لكن في النهاية هو أقرب لمقال الرأي".

وأشار إمام إلى أن الواقع يظهر أن طرفي الصراع لا يبديان حرصاً على التوافق رغم أن خطابهما حافل بالمفردات التي توحي بذلك، لافتًا إلى أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق السلطات.