يحتفل جنوب السودان، الاربعاء، بالذكرى الثالثة لاستقلاله عن الخرطوم الا أن هذه الدولة الأحدث في العالم ليس لديها ما تسعد أو تزهو به مع حرب أهلية تتخللها مذابح قبلية دامية ومجاعة خطيرة تهدد سكانها.
جوبا: في جوبا عاصمة جنوب السودان، الدولة الأحدث في العالم، والتي تحتفل اليوم بذكرى استقلالها، لن يحجب العرض العسكري والخطب الرسمية الواقع المحزن الذي يعيشه هذا البلد الذي ولد في التاسع من تموز(يوليو) 2011 بعد نزاع طويل مع نظام الخرطوم، والذي يغوص كل يوم اكثر في مستنقع الفوضى.
الملصقات التي تنتشر في شوارع العاصمة تقول: "شعب واحد، امة واحدة"، لم تعد تخدع أحداً، فقد اصبحت البلاد منذ نحو سبعة اشهر اكثر تمزقًا من أي وقت مضى.
فالنزاع، الذي اندلع في 15 كانون الاول&&(ديسمبر) 2013 بسبب الصراع على السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، أحدث انقسامات عميقة بين العديد من قبائل الجنوب وخاصة بين قبائل الدينكا التي ينتمي اليها الرئيس كير وقبائل النوير التي ينتمي اليها منافسه، تجلت في سلسلة طويلة من التجاوزات والمذابح التي كان المدنيون اولى ضحاياها.
&
ودعا رئيس جنوب السودان سالفا كير زعيم المتمردين رياك مشار الى استئناف محادثات السلام، وقال كير في احتفال في العاصمة جوبا "رغم ان قوات رياك مشار تواصل مهاجمة قواتنا فانني ادعو من جديد الى منطق الحل السلمي". ومفاوضات السلام متوقفة حاليا في حين ان الحرب مستمرة منذ نحو سبعة اشهر والمجاعة تهدد البلاد.
&
وقالت ممثلة الامم المتحدة في جنوب السودان هيلدا جونسون، "لم يسبق أن شاهدنا مثل هذه المجازر والفظاعات بين ابناء جنوب السودان أنفسهم".
ومع انتهاء مهمتها في رئاسة بعثة الامم المتحدة شنّت هجوماً قاسيًا على زعماء الفريقين الذين يهتمون فقط بـ"تحقيق مصالحهم الخاصة" وينخرهم "سرطان الفساد"، ويعيدون هذا البلد الغني بالنفط "عقوداً الى الوراء" ليصبح على حافة كارثة انسانية.
وقالت جونسون "قد نواجه أسوأ مجاعة في تاريخ البلاد ولن يكون سببها عدم هطول الامطار".
وبعد أن اوقعت عشرات الآلاف من القتلى وارغمت نحو 1,5 مليون شخص (اكثر من 10% من السكان) على ترك ديارهم ومحت بلدات بأكملها من على الخريطة باتت الحرب تهدد بمصيبة جديدة: المجاعة.
وقالت منظمة اوكسفام محذرة الاربعاء إن "جنوب السودان يعاني حاليًا من اسوأ ازمة في أفريقيا مع خطر المجاعة الذي يهدد نحو اربعة ملايين من سكانه وعدم وصول المساعدات سوى الى نصف من يحتاجونها".
&
وحذرت الامم المتحدة من جانبها من أن "الازمة الانسانية تفلت الآن من أي سيطرة مع تفشي سوء التغذية والامراض واضطرار المزيد من السكان الى الفرار من ديارهم".
في المناطق الاكثر تضرراً، وهي ولايات الوحدة (شمال) واعالي النيل (شمال شرق) وجونقلي (شرق)، فقد الرعاة ماشيتهم والمزارعون محاصيلهم في حين لم يتبقَ وقت طويل قبل انتهاء موسم الزرع.
الجوع يدفع الكثير من المدنيين الى اللجوء لقواعد الامم المتحدة، حيث يحتمي نحو مائة الف شخص من الرعب منذ كانون الاول/ديسمبر الماضي.
في بنتيو، العاصمة المدمرة والمهجورة لولاية الوحدة النفطية، بات معسكر الامم المتحدة يأوي 40 الف شخص، "ويوشك أن يصبح سريعاً من اكبر الكوارث الانسانية في هذا البلد"، كما انذرت ايمي الانصاري مديرة منظمة كير غير الحكومية في جنوب السودان.
وقالت الانصاري أسفة: "في هذا المخيم الوحل يصل الى الركب والمياه شحيحة للغاية وحالات سوء التغذية تتزايد وأولى الإصابات بالكوليرا بدأت تظهر".
وفي حين تعيش أعداد لا تحصى من أبناء جنوب السودان معاناة لا تحتمل، تمخضت مفاوضات السلام التي تعقد في فنادق فخمة في اديس ابابا عن العديد من اتفاقات وقف اطلاق النار، بل وعن تعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
لكن كل هذه الوعود تبخرت في الهواء والادهى أن الفريقين يقاطعان منذ ايام هذه المباحثات.
بالنسبة لغاتلواك نهيال، الشاب الذي لجأ مثل اكثر من 15 ألفاً آخرين الى واحدة من قاعدتي الامم المتحدة في جوبا، الامر اصبح محسوماً: جنوب السودان "لم يعد أمة".
&
التعليقات