"لم يبق مكان والا قمنا بتوطين نازحين فيه"، يقول ميسر حجي صالح قائمقام قضاء سنجار في شمال العراق الذي لجأ اليه عشرات الاف العراقيين الفارين من قضاء تلعفر الاستراتيجي القريب بعد دخول مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية" اليه.


شهد قضاء سنجار الواقع على بعد نحو 400 كلم من شمال غرب بغداد، والقريب من مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة "الدولة الاسلامية"، قبل نحو ثلاثة اسابيع موجة نزوح كبيرة لاهالي تلعفر الذي تسكنه غالبية من التركمان الشيعة.
&
ورغم افتقاره الى البنية التحتية اللازمة، الا ان المسؤولين المحليين في هذا القضاء الذي تسكنه اغلبية كردية بينهم اتباع الديانة الازيدية، قاموا بكل ما يستطيعون لتخفيف معاناة النازحين. لكن معاناتهم بدت اكبر من امكانيات هذه المنطقة النائية.
&
ويقول صالح لوكالة فرانس برس "نزح من تلعفر باتجاه سنجار حوالى 12 الف عائلة يبلغ عدد افرادها نحو 58 الف شخص". وتشير الامم المتحدة الى ان بين هؤلاء نحو 35 الف طفل.
&
ويضيف صالح "قمنا بفتح المدارس والمساجد والمزارات لهم. في الايام الاولى قام المواطنون بتقديم مساعدات قبل ان تصل منظمات دولية".
&
ويتابع "نحن بامس الحاجة الى فتح مخيم لهم لان مشكلتنا تكمن في ايواء هذا العدد الكبير من النازحين، ولكن المنطقة بعيدة عن محافظة دهوك وهي على خط التماس مع الارهابيين، ونخشى مهاجمتهم حيث لا نستبعد قيام مسلحي +الدولة الاسلامية+ بالهجوم عليهم بالقذائف ان اقيم لهم مخيم"
&
ويشن مسلحو تنظيم "الدولة الاسلامية" وتنظيمات متطرفة اخرى منذ شهر هجوما كاسحا تمكنوا خلاله من السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه وشرقه تشمل مدنا رئيسة بينها الموصل (350 كلم شمال بغداد) ومناطق في قضاء تلعفر، اكبر اقضية العراق مساحة، بعد معارك ضارية استمرت لايام.
&
وتسبب هذا الهجوم بنزوح مئات الالاف من المدن التي دخلها المسلحون ومن مناطق اخرى حولها خوفا من اقتحامها، وتوجهت غالبية هؤلاء النازحين الى اقليم كردستان والى المناطق المحيطة به التي تخضع لسيطرة الاكراد ومعظمها مناطق متنازع عليها مع بغداد.
&
وعلى امتداد الطريق الذي يربط سنجار بمناطق في محافظة دهوك القريبة والتابعة لاقليم كردستان، تتوزع سيارات اكتظت بالعائلات ووضعت فوقها ما خف من الحقائب، وقد غادرت المنطقة باتجاه الاقليم.
&
ولا يخلو الطريق من دهوك (410 كلم شمال بغداد) الى سنجار والذي يتطلب اكثر من ثلاث ساعات، من المخاطرة بسبب قربه من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية"، ما يتطلب تنسيقا مسبقا مع السلطات الكردية التي تسيطر على المنطقة منذ مغادرة القوات الحكومية لها في بداية هجوم المسلحين.
&
ولا تزال بقايا السيارات المفخخة والعبوات الناسفة منتشرة على هذا الطريق.
&
وفي مدرسة "زريفاي نوسي" للبنات في سنجار، تعيش عشرات العائلات وسط نقص كبير في الكهرباء التي لا تتوفر الا لساعة واحدة في اليوم، ودرجات حرارة مرتفعة تبلغ في شهري تموز/يوليو واب/اغسطس حوالى 50 درجة مئوية.
&
كما ان مجاري القضاء قد سدت جراء عدم تحملها هذا العدد الكبير من العائلات التي اضطرت الى إحراق مقاعد الدراسة واستخدامها في الطبخ.
&
وتقول زينب جار الله (68 عاما) وقد ضمت الى حضنها اثنين من احفادها "لا ندري ما نفعل، واين نذهب. نحن عائلات كبيرة ولا نملك شيئا. الذي حصل كان مفاجئا لنا وقد شاهدنا الموت باعيننا".
&
وفي مزار السيدة زينب في شمال سنجار، يتوزع النازحون على كل زوايا الموقع، وخصوصا النساء والاطفال، فيما يجلس الرجال خارجه يراقبون اطفالهم وهم يركضون بين مجموعة قبور قريبة.
&
وتقول مريم حسن (53 عاما) وهي تجلس قرب احد القبور وحولها مجموعة اطفال "نعيش في المقبرة، والمواطنون مشردون في الشوارع. هناك نساء انجبن في الشارع، وهذا شيء غير معقول".
&
وتبدو على وجوه بعض الرجال ملامح اليأس واضحة وهم يشاهدون اطفالهم ونساءهم يمرون بهذه الظروف من دون ان تكون لهم القدرة على تغيير الواقع.
&
ويقول علي يونس (44 عاما) الاب لتسعة ابناء وقد انشغلوا بتناول البرغل الذي قدم لهم كوجبة غداء مع قطع من البصل والخيار والطماطم وجلسوا على ارض جرداء وقد اتسخت اقدامهم بالاتربة "تركنا منازلنا ونحن الان لسنا تابعين للاقليم، ولا للدولة".
&
ولم تجد عائلات اخرى مكانا يأويها ما اضطرها الى الاحتماء بقطع من القماش الكبير عبر ربطه باسقف السيارات التي اوقفوها قرب بعضها البعض وجعلوها على شكل خيمة، تجتمع تحتها النساء والاطفال، بينهم سيدة عجوز تحتضن رضيعا تقول انها طفلة ولدت قبل يومين.
&
ويقول سعود يونس (39 عاما) وقد اوقف سيارته قرب سيارة شقيقه علي وربط قطعة قماش بينهما لوقاية افراد عائلتيهما من اشعة الشمس "كل الطرق سدت في وجهنا. نحن محاصرون هنا، وبعد ايام تنتهي مدخراتنا ولا ندري ماذا نفعل".