يقول المختصون إنّ العنف الذي أدى الى قتلى وجرحى ومعتقلين في الجامعات المغربية هذا العام، ما هو إلا انعكاس للخطاب التحريضي للأحزاب وصراعاتها الأيديولوجية والسياسية التي لا تنتهي.


أيمن بن التهامي من الرباط: حظي موضوع العنف في الجامعات المغربية، بحيز مهم من النقاش السائد على الساحة السياسية في الفترة الأخيرة، وسط تبادل للاتهامات بين الأحزاب وتحميل كل مكون المسؤولية للآخر في سقوط قتلى وجرحى في مواجهات مرعبة.

ويرى مراقبون أن هذه المواجهات الدموية داخل الفضاء الجامعي تعكس الصراعات السياسية الحادة بين الأحزاب التي ساهم الخطاب التحريضي لبعض قيادييها في إشعال فتيل العنف.

ثمن الصراعات السياسية

عاشت الجامعات المغربية، هذه السنة، على إيقاع العنف والمواجهات الدموية التي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات، وإيقاف أكثر من 120 طالبا.

وعاد العنف ليخيم على الحرم الجامعي بعد تزايد حدة الصراع بين المكونات السياسية التي نقلت جزءا من معاركها إلى مدرجات الكليات، في خطوة دفع طلبة ثمنها غاليا جدا.

وكان التعامل مع هذه الأحداث يأخذ المسار المعتاد في مثل هذه الحالات، قبل مقتل الشاب عبد الرحيم الحسناوي (21 سنة)، في مواجهات عنيفة بجامعة "ظهر المهراز"، اندلعت في 24 نيسان/أبريل الماضي، ما بين الفصيلين الإسلامي واليساري.

فبعد الضجة التي أثارها وزراء الحزب الحاكم، والتي لها ما يبررها لكون أن الطالب ينتمي إلى منظمة التجديد الطلابي، التابعة للعدالة والتنمية (مرجعية إسلامية)، وهو الحزب الرئيسي في الحكومة، وتعجيل الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة فيما يخص الحادث ومعاقبة المتورطين، أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس تعليماته التي شدد فيها على التصدي للظاهرة في جميع الجامعات المغربية و"القيام بكل ما يلزم ليتوقف كل هذا الذي يقع".

الأحزاب والخطاب التحريضي

قال الباحث عبد الفتاح الفاتيحي إنه على الرغم من حساسية المؤسسة التي وقعت& فيها الأحداث، في إشارة لجامعة ظهر المهراز، إلا أن "الوزارة الوصية على القطاع الجامعي لم يتسن لها إيجاد بديل استراتيجي لحل المعضلة من جذورها، غير المقاربة الأمنية من خلال مذكرة وزارة التعليم العالي ووزارة العدل والحريات ووزارة الداخلية".

وأضاف الفاتيحي في تصريح لـ"إيلاف": "تراجع أداء الجامعة المغربية في تساوق كبير مع لا جدية المشهد الحزبي السياسي داخل المؤسسات التشريعية، فكان أن تولدت ذات السلوكيات داخل الجامعة لتعكس صراعا سياسيا يختار العنف وسيلة لتدبير الاختلافات والخلافات. ونتج عن ذلك تزايد حالات العنف والعنف المضاد داخل الفضاء الجامعي، سيما وأن عددا من الأحزاب السياسية سارعت إلى خلق فصائل طلابية موالية لها. وهو ما أثّر على وضع الجامعة المغربية، إذ لم تعد موجها مجتمعيا كما كانت عليه من قبل، بل صارت تتأثر فعلا وممارسة بخطاب تحريضي وشعبوي".

حنين إلى الماضي

الكل بدأ يحن للأدوار التي كانت تلعبها الجامعات المغربية التي كانت تقود حراكا سياسيا وثقافيا مؤثرا داخل النقاش المجتمعي، عبر ذراعها الطلابي منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حسب الفاتيحي، مشيرا إلى أنه "كثيرا ما أسهم في حراك سياسي فرضت توازنات في الخريطة السياسية لما بعد استقلال البلاد".

وأضاف "منذ ذلك الحين ظلت الجامعة مؤثرة في النقاش السياسي إلى أن اتهمها الساسة المحافظون بأن تنظيمها بات مزعجا، فكان أن استهدفت إطارها الطلابي حيث منعت الدولة أنشطته، وأوقفت مؤتمراته".

ومضى قائلا: "استمر حراك الجامعة المغربية فعالا بالنسبة لنخب المملكة، التي تسلمت زمام التدبير الإداري والسياسي فيما بعد الفترة الاستعمارية. غير أنه، في الآونة الأخيرة، لم تعد الجامعة مسرحا للتدافع السياسي والفكري لتتحول إلى ساحة للاقتتال والتناحر بين الفصائل السياسية الطلابية".

وقال "الحق أن الجامعة المغربية، وبعدما كانت تؤثر في المشهد السياسي من خلال مؤسساته التشريعية وغيرها تقدميا، صارت اليوم مرآة تعكس صور التراجع الأداء السياسي للأحزاب السياسية معارضة وأغلبية، حتى صار البرلمان المغربي في كثير من الحالات مسرحا للعنف اللفظي والمادي، ما أفسد ما تبقى من حرمات مؤسسات الدولة".

ليس وليد اليوم

من جانبه، قال علي الشعباني أستاذ علم الاجتماع، في تصريح لـ"إيلاف" إن "العنف داخل الجامعات ليس وليد اليوم. فمنذ سنوات والجامعات المغربية تعرف هذا الغليان، الذي يكون لأسباب مختلفة، إذ مرة يكون نتيجة نزاع سياسي، أو لسبب إيديولوجي كما هو عليه الأمر بين القاعديين والتيارات الإسلامية، ومرة يأخذ طابعا نقابيا، كالحق في السكن، والتمدرس، وتحسين وضعية الطلبة إلى غير ذلك".

وهذا، ربما شيء طبيعي، في نظر الشعباني، لأن الجامعة "تجمع فئة من الشباب في طور التكوين وفي فورة الاندفاعات المختلفة، السياسية والإيديولوجية والفكرية، فالطالب عادة لا يجد ما يروق له، فيتذمر ويتمرد ويظهر بعض الاحتجاجات الأمر الذي ينعكس على الجامعة، وأحيانا تتطور إلى صراعات دموية باستعمال الأسلحة البيضاء والسلاسل قد تصل إلى القتل والاعتقالات".

وأضاف "ربما هذه السنة كان لها نصيب كبير جدا، نتيجة العديد من الاحتجاجات والصراعات التي وقعت في فاس، والرشيدية، وبني ملال، ومراكش، وأكادير، الشيء الذي أعطى هذه الصورة".

إجراءات صرامة

وكان محمد حصاد، وزير الداخلية المغربي، كشف عن اتخاذ إجراءات صارمة للحد من العنف داخل الجامعات يسمح بموجبها للسلطات الأمنية بالدخول إليها بمبادرة منها، ومن دون انتظار الحصول على إذن، إذا ما ثبت لديها أن هناك تهديدا للأمن العام داخلها. وتعهد حصاد بعدم التسامح مع الفصائل الطلابية التي تتبنى العنف.
&