في إسرائيل يتم قمع أي معارضة للحرب على غزة بشدة، ويتعرّض القلائل الذين يجرؤون على انتقاد تلك الحرب لمضايقات وترهيب أو حتى الطرد من وظائفهم، بينما اختفى التيار اليساري الإسرائيلي، الذي كان قويًا في يوم من الأيام.
&
الحرب الأخيرة على غزة هي الأكثر دموية التي تشنها إسرائيل منذ سنوات. فقد قتل فيها أكثر من 1960 فلسطينيًا و64 جنديًا إسرائيليًا، وهم يخوضون حربًا يرى البعض أنه لا يمكن كسبها.

مع ذلك فإن الاحتجاج المهم الوحيد الذي جرى تنظيمه في إسرائيل وشهد مشاركة الآلاف في وقت متأخر من الخميس طالب بإنهاء الهجمات الصاروخية التي تشنها حركة حماس، وأعرب عن عدم رضاه عن الوضع الراهن بعد انسحاب القوات البرية من مناطق في غزة وتمديد وقف إطلاق النار.
&
وانتقدت صحيفة هآرتس الليبرالية اليوم الجمعة ما وصفته بـ"ملاحقة" اليساريين ومنظمات الحقوق المدنية بعدما أبلغ سار شالوم جيربي مسؤول "سلطة الخدمة الوطنية المدنية" في إسرائيل، منظمة بتسيلم الحقوقية بأنه تم وضعها على القائمة السوداء كجهة توظيف. وكتب جيربي في رسالته "أشعر بأنه عليّ أن أمارس صلاحياتي وأوقف المساعدات الحكومية، التي تقدم إلى منظمة تعمل ضد الدولة وضد الجنود الذين قدموا حياتهم ببطولة لحماية سلامة ورفاه جميع المواطنين".

واتهم بتسيلم بنشر الأكاذيب والتشهير وتهديد امن الدولة ونشر معلومات تشجّع اعداء اسرائيل وتؤدي الى اعمال معادية للسامية ضد اليهود في انحاء العالم. واعتبرت المنظمة تلك الخطوة هجومًا على "الديموقراطية الاسرائيلية"، وطلبت من انصارها التوقيع على عريضة على الانترنت لدعم حرية التعبير والديموقراطية. ويقول ييزهار بير من مركز كيشيف لحماية الديموقراطية في اسرائيل ان التعبير عن معارضة أصبح أصعب الان اكثر من أي وقت مضى في بلد يفاخر بأنه الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.
&
ودعمت الغالبية العظمى من الاسرائيليين الحرب على غزة. واظهر استطلاع اجراه معهد اسرائيل للديموقراطية في الشهر الماضي ان 95 بالمئة من الاسرائيليين اليهود يعتقدون ان الحرب كانت عادلة. وفي بلد تفرض فيه الخدمة العسكرية الاجبارية على الجميع، فإن لكل يهودي اسرائيلي صديق أو قريب في الجيش.واصبحت صواريخ حركة هاجس ملايين الاسرائيليين، اذ بثت الخوف والقلق بين سكان المناطق الحدودية، رغم ان مئات من تلك الصواريخ تم اعتراضها قبل ان تسقط. كما لم يلق سوى ثلاثة مدنيين حتفهم منذ تموز/يوليو في تلك الحرب.
&
وفي اسرائيل، كما في اي بلد يشهد حالة حرب، كان الاعلام من ابطال الهجوم الوطنيين يسعى الى توحيد الجنود على الحدود ويرسل إليهم الهدايا ويسلط الضوء على معاناة المواطنين الاسرائيليين ويقلل من معاناة الجانب الاخر. أما القلائل الذين علت اصواتهم بالمعارضة فقد تعرّضوا للتهديد أو وصفوا بالخيانة. فبعدما اتهم معلق صحيفة هارتس جدعون ليفي طياري القوات المسلحة بارتكاب اعمال وصفها بـ"الاشد وحشية وبشاعة" ضد "الضعفاء والعجزة في غزة، قامت الصحيفة بتعيين حراس شخصيين لحمايته.

واقدم القراء على إلغاء اشتراكاتهم. واصبح الناس يوقفونه في الشارع لإهانته، كما وصفه النائب الحكومي ياريف ليفين بانه كاذب "وبوق للعدو" داعيًا إلى محاكمته بتهمة الخيانة. وصرح ليفي لوكالة فرانس برس من مكتبه الضيق في صحيفة هارتس في تل ابيب بعيدا عن المقاهي التي يخشى ان يلقى فيها الاهانات "لم اواجه في حياتي مطلقا مثل رد الفعل العدائي هذا". واضاف "لا احد هنا يهتم بالمعاناة في غزة، والاكثر من هذا فانك اذا تجرأت على الاعراب عن التعاطف، تصبح خائنا".
&
& ويشتكي بعض الاسرائيليين الذين انتقدوا الحرب حتى على صفحاتهم الخاصة على موقع فايسبوك من تعرضهم للنبذ. وجرى وقف ممرضة من عرب اسرائيل عن العمل فترة قصيرة، بينما قال اخرون من عرب اسرائيل انهم طردوا من وظائفهم. ويقول ستيفن بيك من رابطة الحقوق المدنية في اسرائيل ردا على سؤال عن غياب الاحتجاجات "تنتشر المضايقات التي اجبرت الكثيرين على الابتعاد عن التظاهر".

وشبّه بيك الجو الحالي ذاك الذي سبق مباشرة اغتيال رئيس الوزراء الحائز جائزة نوبل للسلام اسحق رابين برصاص متطرف يهودي في 1995. وقال ان "الامور التي تصدم بدرجة كبيرة في ذلك الوقت اصبحت عادية الان (...) الان بدأت الامور تتجه بقوة الى مستوى جديد من التطرف". واضاف "السؤال الان: هل ستتطور هذه الحالة لتؤدي الى امر ما، أم انها ستختفي". والاجابات معقدة.

فبالنسبة إلى بير فان الامر متجذر في تصاعد اليمين المتدين والمجتمعات المغالية في التشدد، وحركة المستوطنين اليهود القوية، والاحتلال المستمر للضفة الغربية. واوضح ان "الجزء المتشدد اختطف من المجتمع الاسرائيلي دولة اسرائيل". لكن وحتى الاسرائيليين الذين يدعمون محادثات السلام يشعرون بالعجز.

ولا تعترف حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بحق دولة اسرائيل في الوجود، كما إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتبر ضعيفا جدا، لدرجة انه لا يمكنه التوصل الى تسوية مع اسرائيل. ويشير بير الى أن "الضغوط من الداخل والخارج تجعل المجتمع الاسرائيلي منقسما جدا".
&