فيما يحتفل الجيش العراقي غدًا الثلاثاء بالذكرى 94 لتأسيسه، فقد أكد قادة وفعاليات عراقية على ضرورة إعادة هيبته وسمعته وتحريره من الفساد والولاءات الضيقة، داعين إلى بنائه على أسس وطنية سليمة وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح للمظاهر المسلحة خارج المؤسسات الرسمية من خلال ميليشيات أو جماعات مسلحة، وحيث تتصارع على تدريبه وولائه والتدخل في شؤونه الإرادات الإيرانية والأميركية.


أسامة مهدي: في الوقت الذي يحتفل فيه&العراق غداً الثلاثاء بالذكرى الرابعة والتسعين لتأسيس جيشه، الذي تشكلت نواته الاولى عام 1921، فإن آمال العراقيين تتطلع اليه لانقاذهم من خطر الارهاب، الذي يضرب حياتهم وامالهم بقسوة، على الرغم من أن هذا الجيش يمر بمرحلة حرجة اثر انتكاسته في مدينة الموصل الشمالية قبل ستة أشهر حين تمكن تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" من دحره واحتلال المدينة نتيجة ظروف تتعلق بطريقة بناء هذا الجيش الجديد وطبيعة ولاءات وكفاءة قياداته التي اتخذت منحىً طائفيًا وقوميًا لم يكن بعيدًا عن الفساد ايضًا.

ولاءات داخلية وتجاذبات خارجية
سيرة الجيش العراقي منذ تأسيسه على مدى العقود التسعة الاخيرة تشير الى مشاركات وطنية في الحياة السياسية وادوار قومية في معارك العرب الخارجية، لكن هذه الادوار لم تخلُ من ممارسات تخريبية لقيادات تسلطت على شؤونه، فقادته ومعه الشعب العراقي الى نكسات عسكرية وسياسية، لعل من اقساها احتلال العراق وحل جيشه عام 2003 ثم تعرضه للنكسة الاخيرة في مواجهة "داعش" في حزيران (يونيو) الماضي.

وفي الوقت الذي يستعيد فيه الجيش قوته وعزيمته الآن من اجل التخلص من الارهاب، فإن مخاوف حقيقية تثار من اسلوب اعادة هيكليته وتسليحه وتدريبه. فقد توجه العراق الى اكثر من بلد خارجي ليقوم بتسليح جيشه وتدريبه، وهو امر سيؤدي الى تنوع في طرق الهجوم والدفاع التي سيسلكها في مهماته العسكرية، وبشكل قد يؤثر على كفاءته القتالية وادائه العسكري.

ويشير مراقبون على الخصوص الى تناقضات تواجه الجيش العراقي، وحيث تتقدم المشهد الساعي الى اعادة بنائه وتسليحه الدولتان العدوتان ايران والولايات المتحدة الضالعتان حاليًا في قيادة وتقديم النصح والمشورة والمشاركة العملية في بعض مهماته.. وهو امر يقود الى تنازع الولاءات واساليب القتال في وقت يحتاج فيه العراق قيادة عسكرية وطنية مخلصة بعيدة عن أي ولاء حزبي أو طائفي أو قومي داخليًا، ورافضة لأي تبعية خارجيًا، خاصة وان العشرات من المستشارين الاميركيين قد وصلوا الى قواعد عسكرية عراقية يقابلها تدفق لقوات ايرانية على العراق يمثلها عناصر الحرس الثوري الايراني، الذين تؤكد التقارير ان عددهم تجاوز الخمسة آلاف فرد في مناطق وسط وشرق البلاد.&
&&
ويؤكد المراقبون أن الجيش العراقي يواجه الان اوضاعًا وظروفاً تشبه تلك التي مر بها بعد حله عام 2003 حين تشكل جيش جديد تعددت فيه الولاءات والتدخلات الخارجية التي اعاقت اعادة تأسيسه على قواعد من الوطنية والكفاءة والحرفية، الامر الذي قد يخلق مشاكل مستقبلية جديدة تبقي هذا الجيش ضعيفاً خاضعاً لتجاذبات عدة تعوق مهمته العسكرية الاساسية.

يرتبط العراق حاليًا بمعاهدة التعاون العسكري الاستراتيجي الموقعة بينهما عام 2008 ثم وقع وزير الدفاع العراقي مع نظيره الايراني في طهران في الاسبوع الماضي على وثيقة تفاهم تقوم القوات الايرانية بموجبها بتدريب نظيرتها العراقية.

بالترافق مع ذلك، فقد اعلنت وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" اليوم عن تأجيل خطة لنشر 1500& جندي اضافي في العراق. وقال المتحدث باسم الوزارة الجنرال جون كيربي في تصريح صحافي إن اوامر نشر 1500 جندي اضافي تأجلت بسبب معارضة الكونغرس على ذلك وعدم كفاية الميزانية.

واضاف "اننا نريد أن يقوم العراق بتعويض هذا النقص مع استمرارنا بتقديم المشورة والمساعدة اليهم". وكانت واشنطن اعلنت في الشهر الماضي ان الرئيس الاميركي باراك اوباما وقع امراً بنشر 1300 جندي في العراق، في الوقت الذي ينتشر&فيه عدد من المستشارين الاميركيين في مواقع عدة في محافظة الانبار الغربية في قاعدتي الحبانية وعين الاسد، واخرون في اقليم كردستان الشمالي.

يضع هذا القرار امام القوات العراقية مهمة جسيمة بالاعتماد على النفس في التصدي للارهاب أو الاعتماد اكثر على الجار الشرقي ايران، الامر الذي سيتيح لها تدخلاً اوسع في الشؤون العراقية وبشكل يخل بإرادته السياسية وقراره المستقل.

معصوم لتحرير الجيش من الولاء الضيق الى المهنية الوطنية
واكد الرئيس العراقي فؤاد معصوم اليوم الاثنين أهمية مواصلة بناء الجيش وتحريره تمامًا من أي انحياز وولاء سواء لفرد أو لحزب أو لجماعة معينة. وقال انه "في ذكرى تأسيس الجيش العراقي الباسل يستعيد العراقيون بفخر واعتزاز الكثير من المآثر البطولية التي خاضها الجيش ورجاله المخلصون من أجل الكرامة والحرية والاستقلال الوطني".
واضاف في رسالة الى العراقيين بهذه المناسبة إن "هذه المآثر التي بقيت تقترن بالمراحل التي كان فيها جيشنا الوطني بأبهى صوره مهنياً ووطنياً وشجاعاً في مواجهة التحديات وبما جعل منه واحداً من أكفأ الجيوش من حيث الإعداد المهني والانضباط والشعور بالمسؤولية الوطنية، ومن حيث القدرة البطولية على اداء المهام النبيلة التي أوكلت إليه".

واشار معصوم الى انه "كان من المؤسف أن يقترن تدهور الجيش بتدهور الحياة السياسية في البلاد وانحرافها نحو الدكتاتوريات التي سلبت الجيش الكثير من خصائصه المعروفة حين أُنيطت مسؤولياته بقيادات لا صلة لها بأخلاق وكفاءة الجندية ولم تراعِ الطبيعة المهنية للجيش ولا مسؤولياته الوطنية التي أُبعد عنها، وحين جرى توريطه في حروب عبثية ومعارك خارجية وداخلية أنهكته وحطمت بناءه المتين الذي وضعه مؤسسوه الأوائل".

وشدد معصوم على انه "في هذه المناسبة الوطنية تتأكد الحاجة إلى أهمية مواصلة بناء الجيش والقوات المسلحة لتكون بمستوى التحديات الكبيرة التي تواجه الشعب والبلاد، وتتأكد الحاجة الأكبر إلى ترسيخ الصفة المهنية لهذه القوات وتحريرها تماماً من أي انحياز وولاء سواء لفرد أو لحزب أو لجماعة معينة بل يكون ولاؤه لصالح الولاء الوطن وهذا يتطلب خلق جيش وقوات مسلحة كفوءة وقادرة على أداء المهمات والمسؤوليات التي تحفظ أمن البلد وحريته ووحدته واستقلاله". وقال ان ذلك "يعد مهمة مشتركة بين رجال الجيش وبين السلطات ذات الاختصاص والمجتمع من أجل توفير كل أسباب النجاح التي تعيد للجيش هيبته وسمعته، ولا نجاح إلا ببناء جيش بالمواصفات التي تكون عليها الجيوش في الدول الديمقراطية وبترسيخ هذه المبادئ لدى جميع مستويات القوات المسلحة".&

النجيفي: دور وطني في مواجهة الارهاب
من جهته، اكد نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي أن الشعب يتطلع الى دور وطني كبير للجيش العراقي في معركته ضد الاٍرهاب والنصر النهائي على تنظيم داعش الإرهابي.
واضاف النجيفي في بيان صحافي اليوم "أن الأساس الوطني والتاريخ الزاخر والبطولات الشاخصة هو ما يميز انطلاقة الجيش العراقي ومسيرته في العطاء والتضحية والدفاع عن الوطن فضلاً عن بطولاته في المعارك العربية ضد العدوان الاسرائيلي، ولهذا يكتسب يوم السادس من كانون الثاني (يناير) ابعادًا رمزية حافلة بالدلالات العميقة عن المعنى والقيمة التي يشكلها الجيش في حياة الشعب العراقي".

وقال "اننا نستذكر التاريخ لنتطلع الى دور وطني كبير ينتظر جيشنا في معركة مواجهة الاٍرهاب والنصر النهائي على تنظيم داعش الإرهابي، والشعب كل الشعب يدرك أن الأساس الوطني السليم والبناء المهني المتقن للجيش سبيلان لبقاء العراق زاهيًا بقدراته محتفلاً بأمجاد جيشه".

الشيوعي: إبعاد الجيش عن المحاصصة والصراعات السياسية
ودعا الحزب الشيوعي الى ضرورة ابعاد الجيش عن الولاءات الطائفية والقومية والصراعات السياسية، ودعا الى بنائه على أسس وطنية سليمة بعيداً عن الانتماءات الفرعية والولاءات الثانوية، ودعا الى حصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح للمظاهر المسلحة خارج المؤسسات الرسمية من خلال ميليشيات او جماعات مسلحة مهما كانت مسمياتها.

وقال الحزب في بيان اليوم إن الجيش العراقي يحتفل بذكرى تأسيسه، وهو منغمر في حرب صعبة ضد قوى الإرهاب ولاستعادة المناطق التي اغتصبها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأعوانه من الظلاميين.

واضاف الحزب أن نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، الذي لم تسلم منه القوى العسكرية والأمنية، هو ما جعل من هذه المؤسسة الأساسية في كيان الدولة هيكلاً ً قابلاً للاختراق من قبل الإرهابيين والمجرمين وتنظيمًا غير قادر على أداء وظيفته ومهامه الدستورية. واوضح ان التعيينات فيه لم تكن تجري وفق ضوابط سليمة، واختيار القيادات والملاكات كان يعتمد الانتماء السياسي والولاء الطائفي والقومي، وليس معايير الكفاءة والمهنية، وتدريب المنتسبين ظل يفتقر الى المستوى الضروري، مما ادى الى تشكيل جيش ضعيف وابعده عن الولاء الوطني السليم.

وقال: "والآن ونحن لا نزال نعيش تداعيات ذلك اليوم المشؤوم باحتلال الموصل، فان الواجب يحتم التشديد على ضرورة بناء قواتنا المسلحة على أسس وطنية سليمة، بعيداً عن الانتماءات الفرعية والولاءات الثانوية، وإبعادها عن الصراعات والتجاذبات السياسية، أيا كان شكل تجليها، الى جانب إعادة تدريبها وتجهيزها، وكذلك تأكيد أن تكون مهمة الجيش هي الدفاع عن الوطن وسيادته واستقلاله ونظامه الدستوري، وان تجري تربية منتسبيه بروح الولاء للوطن واحترام المؤسسات الديمقراطية، ويتوجب السعي الى إعادة العمل بالخدمة الإلزامية تعزيزاً لروح المواطنة، فبدون ذلك لن تتمكن قواتنا من النهوض بدورها المنتظر على الوجه المطلوب. وشدد على انه لا بد ايضًا من التشديد على حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح للمظاهر المسلحة خارج المؤسسات الرسمية من خلال ميليشيات او جماعات مسلحة مهما كانت مسمياتها.&

المجلس الاعلى الاسلامي: دعم الجيش لدحر الارهاب
اما المجلس الاعلى الاسلامي العراقي فقد اكد على ضرورة التكاتف والتلاحم بين أبناء العراق من كل مكوناته وألوانه وأطيافه والوقوف خلف الجيش لدحر اﻻرهابيين وضرب اوكار داعش.&&

وقال المجلس في بيان إنه يتقدم للقوات المسلحة بمختلف صنوفها وتشكيلاتها ولظهيرها وسندها أبناء الحشد الشعبي الرابضين في جبهات الشرف على امتداد أرجاء العراق بالتهنئة باعتبار الجيش "صمام الامان في الملمات والمنازﻻت والذي قدم اﻷفذاذ اﻷوفياء من أجل كرامة العراق وسيادته وهو ابن العراق الابي ولن تنال من عزيمته كبوة أو محنة".

واضاف ان "هذا الجيش المقدام قدر كالعنقاء التي تنفض رمادها لتنهض أكثر عزمًا وقوة وشموخًا".. مشددًا على "ضرورة التكاتف والتلاحم المعهود بين أبناء العراق من كل مكوناته وألوانه وأطيافه".
&
الجيش العراقي.. سيرة مؤسسة وطنية حققت انتصارات ومنيت بنكسات
تأسس الجيش العراقي في 6 كانون الثاني (يناير) عام 1921 في خطوة اولى نحو بناء الدولة العراقية الحديثة، وذلك حين تشكيل فوج حمل اسم "فوج موسى الكاظم" في قاعدة عسكرية تقع في الكاظمية في ضواحي بغداد الشمالية يقوده ضباط سابقون كانوا يعملون في الجيش العثماني.

وتشكلت بعد تأسيسه وزارة الدفاع التي رأسها الفريق جعفر العسكري، حيث بدأت بتشكيل الفرق العسكرية بالاعتماد على المتطوعين، فتم تأسيس الفرقة الأولى مشاة، واصبح مقرها مدينة الديوانية الجنوبية، والفرقة الثانية مشاة ومقرها كركوك الشمالية.

وطيلة فترة عشرينات القرن الماضي الى منتصف الثلاثينات منه حافظ الجيش العراقي على عسكريته من دون الدخول في المعترك السياسي حتى عام 1936 حيث اشترك في أول انقلاب عسكري بقيادة قائد الفرقة الثانية الفريق بكر صدقي.

قام الجيش بعد ذلك بدور بارز في الحروب العربية الاسرائيلية منذ عام 1948 وفي حرب حزيران 1967 وحرب تشرين 1973.. كما خاض حرب الثماني سنوات مع ايران عام 1980 ثم تضاعف حجمه وقوته اثر ذلك ليبلغ عدده اكثر من مليون رجل، حيث صنف رابع أكبر جيش في العالم من حيث عدد الأفراد، وكان يتشكل من 50 فرقة من القوات البرية. وأدخل النظام السابق الجيش العراقي بمغامرة غزو دولة الكويت في الثاني من آب (أغسطس) عام 1990 والتي انتهت بتحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة واعلانها الحرب على العراق لتحرير الكويت، وسميت العملية بعاصفة الصحراء، التي انهكت جيش العراق، وانتهت بفرض حصار اقتصادي على البلد.

وبعد احتلال القوات الأميركية للعراق وسقوط النظام السابق في ربيع عام 2003 أعلن الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر حل ما تبقى من الجيش العراقي وتم تشكيل جيش جديد مكون من 17 فرقة لكل فرقة 4 ألوية إضافة إلى قوات للبحرية والجوية. ثم تم تشكيل أول لواء في الجيش الجديد نهاية عام 2003 وهو اللواء الأول للتدخل سريع الذي يعتبر نواة الجيش الجديد الذي يبلغ تعداده حاليًا حوالى 350 الف عسكري.

ومنذ ذلك الوقت يخوض الجيش حربًا ضد مجاميع مسلحة تخوض حرب عصابات. ثم مني الجيش في حزيران (يوينو) الماضي بنكسة عسكرية كبيرة حين استطاع تنظيم الدولة الاسلامية احتلال مدينة الموصل الشمالية وتمدده منها الى محافظات صلاح الدين والانبار وكركوك وديالى.. لكن الجيش وبدعم من تحالف دولي يضم حوالى 60 دولة عربية واجنبية استطاع ان يستعيد قوته، وبدأ عملية تحرير لأراضٍ سيطر عليها التنظيم، وحيث لاتزال المعارك مستمرة في اكثر من منطقة عراقية.

&