يرى معظم التونسيين أن تعيين خميس الجهيناوي مستشارًا للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي هو من باب الاسترضاء للغرب، وأن عودة فلول النظام السابق كذلك من باب الديمقراطية بعدما خلعتهم الثورة.


محمد بن رجب من تونس: قابل التونسيون تعيين خميس الجهيناوي مستشارًا أول مكلفًا بالشؤون الدبلوماسية ضمن طاقم مستشاري الرئيس التونسي الجديد الباجي قائد السبسي بانتقادات شديدة، حتى إن البعض رأى في ذلك تطبيعًا مع الكيان الصهيوني، وعودة إلى رموز الرئيس النظام السابق زين العابدين بن علي.

اللعب على المكشوف
تقلد الجهيناوي منصب رئيس مكتب رعاية مصالح تونس في تل أبيب أيام التطبيع في عهد بن علي بين العامين 1996 و2000. وكان السبسي عيّنه، عندما كان رئيسًا للحكومة الموقتة بعد الثورة في العام 2011، مساعدًا لوزير الخارجية، ما عرّضه لانتقادات شديدة.

ونشرت صحيفة "أخبار الساعة" في العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 خبر انضمام الجهيناوي إلى حركة نداء تونس: "الديبلوماسي خميس الجهيناوي، الرئيس السابق لمكتب رعاية مصالح تونس لدى الكيان الصهيوني، ينضم رسميًا إلى المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس".

ندّد مدوّنون ونشطاء على فايسبوك بتعيين الدبلوماسي الجهيناوي، حتى إن الإعلامي والمحلل السياسي عادل السماعلي كتب: "وجود خميس الجهيناوي مدير مكتب تونس في تل أبيب الذي عيّنه المخلوع في 2005 في الطاقم الرئاسي الجديد للسبسي له عنوان واحد: اللعب على المكشوف، فأين هم دعاة إدراج بند التطبيع في الدستور، والذين دعموا السبسي في انتخابات الرئاسة بالأظافر والأسنان؟، أين هم دعاة قطع الطريق؟".

عمل استفزازي
في تصريح لـ "إيلاف"، اعتبر القيادي في الحزب الجمهوري مصباح شنيب تعيين الجهيناوي عودة إلى المنظومة القديمة في أسوأ وجوهها، مشيرًا إلى أن نداء تونس إذا أراد إعادة المنظومة فقد كان البدء بالأسوأ بعدما كان أكد قياديوه أن الطاقم الجديد لن يكون من رموز النظام القديم، وبالتالي لم يكونوا صادقين في ذلك، فرئيس الحكومة ومستشار الرئيس كانوا انتموا إلى النظام السابق، معتقدًا أنه عمل استفزازي، حيث ظهرت الحقيقة من اليوم الأول.

وأشار أمين عام حزب الغد عمر الشاهد لـ"إيلاف": إلى أن "من بين انتظارات الطيف الواسع من التونسيين بعد فوز حزب نداء تونس تشكيل سلطة جديدة من الكفاءات التونسية العديدة في كل المجالات، بعيدًا عن رموز النظام السابق، لكن الملامح الأولى تشير إلى إعادة إنتاج للمنظومة القديمة".

استرضاء للغرب
حول عودة التطبيع مع إسرائيل، قال شنيب: "أعتقد أن في تعيين الجهيناوي إيحاء بذلك واسترضاء للغرب الذي يحمي إسرائيل ويقيس مدى قرب الحكومات العربية بمدى قربها وتعاونها مع إسرائيل"، معتقدًا بأن حزب النداء يريد أن يبعث بهذه الرسالة، وهذا السلوك سيشجّع أطرافًا عديدة على مساندته و دعمه.

لكن البعض يتساءل: ما ذنب الجهيناوي إذا كان مأمورًا وعليه تنفيذ أوامر السلطة السياسية التي أمرته بالتوجه إلى إسرائيل حينها، والإشراف على مكتب تونس في تل أبيب. يجيب القيادي في الحزب الجمهوري: "أعتقد أن كل إنسان يملك نفسه، وكان غيره في ذلك الوقت قادرًا على رفض التوجه إلى إسرائيل، وبالتالي يتحمّل مسؤولية أعماله ومبادئه في النظام السابق، واليوم يعود بشكل استفزازي إلى الواجهة، وقد طالب التونسيون المجلس الوطني التأسيسي بالتنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل".

لم يتمرد
من جانبه، قال أمين عام حزب الغد: "يمكن للجنود أن يتمردوا أحيانًا على قياداتهم، فما بالك بدبلوماسي يمكنه أن يستقيل أو يرفض، ولا أعتقد أن بن علي اختاره اعتباطًا، ورمى به عنوة في فلسطين المحتلة، لكن ذلك يعكس استعدادًا ما، وكان يمكن مثلًا أن ترفض الدولة المستضيفة الدبلوماسي إذا سجلت عليه مواقف غير واضحة أو تصريحًا غير مقبول".

أما الإعلامي والمحلل السياسي عادل السماعلي، فأكد لـ"إيلاف": "أشمّ رائحة طبخة أجنبية بمشاركة اللوبي الفرنسي في تونس، وذلك في إطار ترتيبات دولية منذ 2013 للدعم والمساندة". لكنه استدرك ليقول: "الجهيناوي كان ضمن تشكيلة الحكومة خلال رئاسة السبسي في العام 2011، ومن الطبيعي أن يعود إلى السلطة".

في علاقة بالتطبيع
حول العلاقات الخارجية، قال الشاهد: "في الفترة الأخيرة، لوحظت سلسلة من الوقائع على علاقة بالتطبيع، بينها زيارة جيفري فيلتمان، وما رافقها، وقبلها زيارة ستين إسرائيليًا عبر ميناء حلق الوادي، وتعيين من عرف في أيام بن علي بأنه كان قائمًا بمكتب علاقات وفي مرتبة سفارة في فلسطين المحتلة، هذا يؤكد على أن التوجه الجديد للدبلوماسية التونسية يراهن على دوائر معينة لصناعة القرار في العالم، من أجل الدعم، وهي بالتالي مؤشرات مخيفة وغير مطمئنة، خاصة في لحظة تاريخية، بينما المنطقة تشتعل وتعيش تحولات كبيرة من اليمن إلى سوريا ومصر وليبيا وتونس، ولا يخفى على أحد الدور الصهيوني في المنطقة".

وشدّد الشاهد على أن تعيين الجهيناوي سيكون له تأثير كبير في قصر قرطاج، وكذلك قصر الحكومة، باعتبارهما متناغمين، على التوجهات الدبلوماسية لتونس. من جانبه، قال السماعلي: "هذا التعيين سيفتح المجال أمام فتح مكتب لتونس في إسرائيل من جديد على المدى المتوسط".

من أبواب الديمقراطية
حول عودة فلول بن علي من أبواب الديمقراطية ما بعد الثورة، يقول شنيب: "هذا كلام سليم، لأنهم عادوا فعلًا، ومن بينهم 17 على الأقل عادوا، ويوجدون في مجلس نواب الشعب، وكانت لديهم مسؤوليات في الحزب والنظام السابقين، وكانوا فاعلين في مسؤوليات من الدرجة الأولى".

أما الشاهد فقد أكد أنه لم يعد يعرف باسم الديمقراطية وصناديق الاقتراع من هم أعداء الثورة ومن هم أصحاب المصلحة، مشيرًا إلى أن الأوراق خلطت من جديد، ولم يعد معروفًا على من قامت الثورة أصلًا، وقد تبرّأ الجميع مما حصل إبان حكم نظام بن علي".

وفي بيانها بتاريخ 6 كانون الثاني (يناير) الجاري، اعتبرت الجبهة الشعبية أن من شروط نجاح أي حكومة جديدة استبعاد رموز الفشل من منظومة الترويكا، ورموز النظام الاستبدادي البائد".

علاقة الصياد بالطريدة
أكد دبلوماسي سابق، لم يرغب في ذكر اسمه، لـ"إيلاف" أن الجهيناوي من أكبر الكفاءات في وزارة الخارجية، مشيرًا إلى وجهتي نظر. الأولى بحسب رأيه، تفيد بأنّ "عليّ أن أختار من يكون صيادًا ليكون قادرًا على الصيد السمين. أما الثانية فهي أن لا أرسل صيّادًا إلا إذا كانت الثقة بيننا متبادلة حتى لا يتمّ اصطياده".

أضاف: "عندما أرسل مبعوثًا إلى الأعداء أو شبه الأعداء يجب أن تكون ثقتي به كاملة، فلا يمكن التشكيك في وطنية الجهيناوي رغم أنه يمكن أن نتنازل أحيانًا". لكنه في& الوقت نفسه، أكد أنّه تم التفكير فيه خلال الحكومة الأولى بعد الثورة من طرف البعض، لكن محمد الغنوشي رفضه.

وكان الباجي قائد السبسي، خلال رئاسته للحكومة في العام 2011، وتعليقًا على الانتقادات التي رافقت تعيين الجهيناوي مساعدًا لوزير الخارجية، قال: "هذا أمر غير مقبول، والمسألة لا تتعلق بموقف هذا الموظف، بل تهمّ سياسة دولة، ثم إن الحكومة الموقتة قد استمعت إلى الرأي المعارض، وعليكم محاسبة الحكومة، وليس صغار الموظفين".