تعيش جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية أزمة كبرى، على وقع الانقسامات التي يعانيها حزب الاتحاد الاشتراكي، بعد تمسّك رئيس تحريرها بمنصبه، رغم تنحيته من قبل الحزب.


خاص إيلاف من باريس: جريدة الاتحاد الاشتراكي في المغرب مهددة بالتوقف عن الصدور، ولو إلى حين، بسبب خلافات حادة ظاهرها شخصي وباطنها يعبّر عن تجاذبات سياسية يعاني منها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يرأسه اليوم إدريس لشكر.

شقاق مستمر

والحزب يعاني هذه التجاذبات منذ انبثاقه بديلًا لحزب الاتحاد للقوات الشعبية، الذي عرف منذ تأسيسه في 1959 كتيار يرفض السياسة المحافظة التي ينتهجها حزب الاستقلال، وينادي بالديمقراطية والاشتراكية والقومية.

منذ ذلك الحين، انتاب الحزب تشنجات داخلية، وتباينات في تقييم الحالة المغربية، التي كانت تتسم بتوترات حادة بين نظام الحكم والقوى المعارضة.

وعانى حزب القوات الشعبية، إذ كان بعض أطرافه الداخلية يريد فرض توجهات معينة عليه، قد لا تحظى بالموافقة الكاملة بين التيارات المتصارعة داخل الحزب، خصوصًا تلك التي عادت إلى النظام صراحة، ولجأت إلى العنف. وتزايد الشقاق الداخلي، حتى صار الاتحاد الاشتراكي بعد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عبارة عن وحدات صغيرة متناقضة تنظيميًا وعمليًا.

مساع حميدة فاشلة

ما يحدث الآن داخل الاتحاد الاشتراكي حول أحقية ملكية جريدته الاتحاد الاشتراكي ليس وليد اللحظة، لكنه رسم خريطة جديدة للحزب.

فقد وضع المكتب السياسي للحزب، أعلى سلطة فيه، يده على مكاتب الجريدة، مستندًا الى استنجاد بالامن لمواجهة مدير الجريدة عبد الهادي خيرات، الذي رفض الانصياع لقرار قيادة الاتحاد في التخلي عن منصبه، رغم محاولات دامت أسابيع لحل المشكلة داخل أروقة الحزب.

وقام بعض الوسطاء بمساع حميدة لإنهاء المسألة وديًا، اتقاء لأي ضرر يمكن أن يمس الحزب جراء هذه المسألة التي أصبحت شائكة.

والمعروف في المغرب أن إدارة الأحزاب السياسية لصحفها تتراوح بين حدين، قانوني وحزبي. والسائد في مثل هذه القضايا هو الجانب الاخلاقي والحزبي، ومدى امتثال مدير جريدة الحزب للقرارات الصادرة من الهيئات المسؤولة.

لن تصدر

حتى مساء الأربعاء، تدل المؤشرات الواردة من مقر إدارة الجريدة ومطبعتها على أن التوتر على أشده، إذ لم يعط خيرت بعد إشارة البدء بطبع الجريدة.

وبذلك، تتوقف جريدتا الاتحاد الاشتراكي وليبيراسيون عن الصدور ابتداءً من الخميس، بحسب ما أكد خيرات في تصريح صحافي، مشيرًا إلى أن إدريس لشكر وعددًا من أعضاء مكتبه السياسي، منهم الحبيب المالكي، احتلوا الأربعاء مقرّ الجريدتين وضايقوا العاملين فيهما.

وأضاف: "إدارة الجريدتين قرّرت عدم إصدار عددي الغد بعد إصرار الحبيب المالكي على أخذ مسؤولية إدارة الجريدة بالقوة، بينما كان عليه الانصياع للقانون المغربي الذي يُحتّم على مدير نشر جريدة معينة اتباع مسطرة واضحة في قانون الصحافة".

وهذه أوّل مرة تحتجب فيها جريدة الاتحاد الاشتراكي عن الصدور. وكانت اللجنة الإدارية للحزب قرّرت تفويض المالكي مهمة إدارة نشر الجريدتين بعدما أقال لشكر خيرات من منصب مدير النشر.
&
المحرّر

تقول مصادر إن الاتجاه يميل إلى أن يصدر المكتب السياسي للحزب جريدة بديلة باسم مختلف، قد يكون "المحرر"، مستلهمة اسم أولى الجرائد المغربية اليسارية التي اصدرها الاتحاد الوطني للقوى الشعبية في 1959، وتولى ادارتها الفقيه محمد البصري، كرمز بارز آنذاك من رموز المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي. كما تولى رئاستها عبدالرحمن اليوسفي، الذي اصبح رئيسًا للحكومة في نهايات عهد الملك الحسن الثاني، وتدشين مرحلة الديمقراطية.

وتحاول لجنة مصالحة، وعلى رأسها الاعلامي المغربي محمد براده،& معالجة الموقف الذي يصفه مصدر مطلع على الشأن الحزبي المغربي لـ"إيلاف" بانه صراع بين شبيبة الاتحاد الاشتراكي التي تشكل الذراع العنفي للاتحاد، وكان يقودها محمد اليازغي الذي اعتزل العمل السياسي اخيرًا، واصفًا الصراع بأنه "عراك فتوات".