هذه روسيا، شاءت أم أبت، تغوص في الرمال السورية من دون أن تدري، فها هي البنادق المعارضة تتوحد ضد الروس، معززة بتهديد سعودي علني بمد المعارضة بالسلاح النوعي. فهل يصل خلط الأوراق العسكرية إلى "صفر" سياسة؟

بيروت: تلقى الحلف الروسي-الايراني، بمشاركة حزب الله وما بقي من قوة لنظام بشار الأسد، أول صفعة له في ريف حماه، حين تصيد عناصر الجيش الحر بصواريخ تاو الأميركية 18 دبابة هي طليعة القوة المهاجمة التي حشدها الإيرانيون كي يستعيدوا –تحت مظلة الطيران الروسي الحديث – مواقع خسرها النظام تعد استراتيجية لحماية سوريا المفيدة، أي الساحل السوري العلوي ودرّته القاعدة الروسية في طرطوس.
&
كانت مجزرة الدبابات في ريف حماه كفيلة بأن تردّ التمدد الروسي-الإيراني على أعقابه، ولو موقتًا، ليعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مناوراته السياسية، بعدما أدرك - أو أقنعوه – ولو موقتًا أيضًا بأن سوريا هي فعلًا أفغانستان أخرى، وبأن الحذر واجب على الطريقة الأميركية بعدما أبى الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تتحول سوريا& الى فيتنام أخرى.&
&
توحد الفصائل: 6 آلاف مقاتل
&
تصديقًا على ذلك، اُعلن مساء الجمعة عن تشكيل "جيش الشام" في أرياف إدلب وحماة وحلب، بقيادة محمد طلال بازرباشي الملقب بـ "أبو عبد الرحمن السوري"، القيادي البارز السابق في حركة أحرار الشام الإسلامية.
&
يضم جيش الشام عددًا من قادة حركة أحرار الشام والجيش السوري الحر، بالإضافة إلى مجموعات صغيرة لا تتبع لفصائل كبيرة، يُقدر عددها بنحو 6 آلاف مقاتل، وفقًا للقيادي أبو العباس الشامي، الذي يقول الناشطون إنه بمثابة الأب الروحي لجيش الشام.
&
وفي أول بيان، قال جيش الشام إن شعاره سيكون "ثورة على الطغاة والغلاة"، أي أن هدفه هو قتال النظام السوري وتنظيم داعش، معلنًا رفع علم الثورة السورية بدلًا من الرايات التي ترفعها بقية الفصائل. وفاجأ جيش الشام الجميع بتحريره قرية تل سوسين بريف حلب في اليوم الأول من إعلان تشكيله، وقال عبر حسابه الرسمي على تويتر: "جيش الشام في أولى معاركه يزف إليكم خبر تحرير تل سوسين بريف حلب من كلاب داعش، بالاشتراك مع أحرار الشام والجبهة الشامية وفيلق الشام"، وهذه أول ثمرة لتوحيد بندقية الفصائل المقاتلة، والتي يتوقع المراقبون أن يتسع نطاقها في خطوة فرضها "الغزو" الروسي للأراضي السورية المحررة.
&
وبذلك، ثمة خريطتان تبحثان في سوريا، سياسية بجانب أخرى عسكرية، تحاول موسكو فرضهما معًا بسطوة طائرات سوخوي الحديثة.
&
منشق يرفض
&
في هذا الاطار، نقلت وكالة آكي الإيطالية للأنباء عن مصادر مطلعة على اتصالات تتم بين مسؤولين روس وضباط منشقين على النظام السوري، تأكيدهم أن روسيا عرضت على أحد كبار الضباط استلام منصب وزير الدفاع في سوريا، لكنه رفض الأمر نهائيًا.&
&
وقالت المصادر إن روسيا تناقش منذ نحو ثلاثة أشهر "تشاركية في إطار مجلس عسكري مشترك بين النظام والمعارضة"، لكنها تصطدم برفض كبار الضباط المنشقين وجود أي صلاحيات عسكرية أو أمنية بيد الأسد، وإن الضابط المنشق رفض المنصب العسكري الحكومي الرفيع ضمن "حكومة وحدة وطنية"، مشددًا على أن أي خطوة عسكرية مشتركة لا يمكن أن تتم طالما بقيت صلاحية عسكرية بيد الأسد أو كبار ضباطه، معربًا عن موافقته بالنيابة عمن يمثلهم على أن يضم المجلس العسكري موالين للنظام لم تتلطخ أيديهم بالدماء وتضمنهم روسيا، ليس بمقدورهم اتخاذ أي قرار عسكري أو أمني منفرد من دون موافقة ضباط المعارضة.
&
وأكدت هذه &المصادر، التي تحفظت على ذكر اسم الضابط المنشق، أن روسيا تناور للتهرب من هذه الشروط بلا جدوى، وأن ثمة توافقًا أوروبيًا أميركيًا على هذه الخطة وعلى الشخصيات التي ستمثل المعارضة السورية في المرحلة الانتقالية.
&
هذه الاتصالات الروسية تشمل، بحسب مصادر المعارضة، العميد مناف طلاس، أحد قيادات الحرس الجمهوري الذي كان مقربًا من الأسد قبل أن ينشق عام 2012 ويغادر سوريا. وطلاس لم ينضم إلى أي مجموعة معارضة منذ مغادرته سوريا، وهو يلتزم الصمت في شأن الاتصالات الجارية، وأبدى في اتصال مع "النهار" اللبنانية تفاؤله بالمستقبل، مكتفيًا بالقول إنه "ضمن المشروع الجديد لسوريا". إلا أن أحدًا لم يؤكد إن كان طلاس هو نفسه من رفض العرض الروسي آنف الذكر.&

إطمئنوا! لن يستخدمها&
&
وفي إطار العروض الروسية المستمرة، وبحسب الرأي الكويتية، قال الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري إن روسيا عرضت على إسرائيل المشاركة في تحالفها الشرق أوسطي ضد داعش، ويضم إيران والعراق والأسد وحزب الله.
&
وتضيف الرأي: كتب يعاري في مطالعته أن الروس عرضوا على إسرائيل إدارة حقول الغاز في مياهها الإقليمية، وقدموا للإسرائيليين ضمانات عسكرية مفادها أن حزب الله، الذي يملك صواريخ أرض-بحر روسية من نوع ياخونت، يبلغ مداها 300 كيلومتر، لن يهاجم منشآت الغاز البحرية الإسرائيلية".
&
ولفتت الصحيفة إلى أن إيعاري يعمل حاليًا محللاً للقناة الثانية الإسرائيلية، كما يقدم المحاضرات حول العالم. وقد أجرى مقابلات مع قادة عرب كالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والملك الأردني الراحل حسين بن طلال، والرئيس المصري السابق حسني مبارك وعدد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، كما أجرى تغطيات صحافية من عواصم عربية، بينها بيروت.
&
موسكو-الرياض
&
وعلى المحور الجيوبوليتيكي، تلفت صحيفة فايننشال تايمز الأميركية إلى تزايد دعوات السنة للسعودية ودول الخليج بالتحرك دعمًا للمعارضة السورية التي تتعرض للغارات الروسية، غامزةً من قناة بيان رفعه 55 عالمًا سعوديًا دعوا فيه إلى الجهاد ضد الروس في سوريا، واتهموا فيه موسكو وإيران وحزب الله بدعم نظام الأسد في قتل الشعب السوري وتدميره.
&
وبحسب فايننشال تايمز، قال تيودر كاراسبيك، كبير مستشاري "غالف ستيت أنالاتيك"، وهي مؤسسة للاستشارات وتقدير المخاطر السياسية: "ستأتي كلمات السعودية بلا أفعال بشأن النشاطات الروسية في سوريا، فالرياض تحتاج إلى تركيز جهودها في حرب اليمن"، رغم تحذيرات وزير الخارجية السعودية من أن بلاده ستزود المعارضة السورية بسلاح نوعي.

الأكراد مع "دولتهم"
&
وبما أن الجميع قلب أوراقه وأظهرها، بقي أن يفهم موقف الأكراد. وفي هذا الاطار، نشر معهد واشنطن تقريرًا أعده فابريس بالونش، قال فيه إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا سيتعاون مع دمشق وموسكو في الشمال السوري، إذا استمرت تركيا والولايات المتحدة في منع توحيد الأكراد في دولة واحدة، "إذ أصبح واضحًا أن هدف موسكو في سوريا هو حماية الأسد، وتعزيز نفوذها على ساحل المتوسط، وهي تستطيع تحقيق هذين الهدفين حتى لو لم يتبقّ للأسد سوى الساحل العلوي. فعلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يدفع بجنوده إلى داخل البلد، وبالذات حلب، إذا أراد أن يحفظ مكانه وسط رقعة الشطرنج السورية، لأن خسارة الأسد كل حلب تضعف وضعه التفاوضي"، علمًا أن حلب هي بوابة مهمة للأكراد إلى تركيا وشمال سوريا.
&
يضيف بالونش: "يسيطر النظام على ثلث حلب، وتتصل المنطقة ببقية المناطق التي يسيطر عليها النظام بممر ضيق محاصر من الشرق من داعش، ومن الغرب من النصرة، وليكسب الأسد معركة حلب عليه أن يتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الحريص بدوره على ربط الجيوب حول كوباني وعفرين، وفتح ممر للشيخ مقصود، أي الحي الكردي الحلبي". وقد أبدى صالح مسلم، زعيم الحزب، رغبةً في إقامة تحالف مع الأسد وروسيا لتحقيق هذا الهدف.
&
وبحسب التقرير، أبلغت تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي رفضها أن يتمدد غربًا بعد كوباني، وأي هجوم كردي كهذا سيكون خرقًا للاتفاق مع أميركا، التي لا تريد أن يسيطر الحزب على جرابلس وأعزاز.
&
يضيف بالونش: "مستحيل ألا يستغل الأكراد السوريون هذه الفرصة، فكثير منهم يعتقد أنها فرصة تاريخية قد حانت لتوحيد المناطق الكردية".