فشل مشروع رجل أعمال من أصل سوري والمتمثل في تحويل جزر القمر "دبي ثانية"، فبعد مد وجزر ومفاوضات مع الحكومة لمنح جنسية الجزر للراغبين في جواز سفر ثان، وخاصة البدون، سُحبت كل امتيازات شركته، بعدما نفّر افتقار جزر القمر لبنى تحتية المستثمرين، وعزا فشل مشروعه إلى عدم وجود تخطيط حكومي بعيد المدى.


إعداد ميسون أبوالحب: من المعروف أن جزر القمر التي تقع في شرق أفريقيا من أفقر دول العالم. وبيّن مسح أجري في عام 2004 أن نصف سكانها، البالغ عددهم 800 ألف نسمة، يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميًا. حصلت جزر القمر على استقلالها من فرنسا قبل أربعين عامًا، وهي تتميز بجمال طبيعتها الخلابة الذي يترك انطباعًا رائعًا لدى كل من يزورها.

البدايات
بدأ كل شيء في أوائل التسعينات عندما زار شخص يدعى بشار كيوان جزر القمر، وراقب أنحائها فكانت طموحاته ترسم، ثم بدأ يخطط لمستقبل الجزيرة ومستقبله هو نفسه. لدى كيوان شركة كومورو غولف هولدنغز، وقد ولد في الكويت من أبوين سوريين، ودرس في فرنسا، وهو يتحدث العربية والفرنسية والانكليزية.

كوّن كيوان ثروته قبل توجيه اهتمامه إلى جزر القمر من "الوسيط الدولية"، وهي مؤسسة إعلامية وإعلانية، يعمل فيها 4 آلاف شخص في أكثر من عشرة بلدان في الشرق الأوسط وفي أوروبا الشرقية. عمل كيوان مع الشيخ صباح جابر مبارك الصباح، ابن رئيس وزراء الكويت، وهو ما منح كيوان مصداقية وسمعة جيدة.

كانت جزر القمر في ذلك الوقت غير مستقرة سياسيًا، وتشهد العديد من الانقلابات الناجحة والفاشلة، ولكنها بدأت تستقر اعتبارًا من 2005، فبدأ كيوان يتردد عليها بشكل مستمر حتى إنه كان يُشاهد هناك مرة شهريًا على الأقل. وبدأ كيوان يكوّن علاقات مع النخبة المحلية، ويؤسس لمشاريع مختلفة، ثم أسس أول بنك تجاري في جزر القمر.

برنامج بيع الجنسية
كانت الفكرة الرئيسة لدى كيوان تقوم على أن الكثيرين في الشرق الأوسط يرغبون في الحصول على جواز آخر غير جوازهم الأصلي، لأغراض السفر والتجارة. من هنا بدأ كيوان يخطط لإقناع حكومة جزر القمر بتشريع قانون يسمح للبلد ببيع جوازه لمن يدفع. غير أن كيوان لم يكتف بهذا فحسب، بل أراد أن يحوّل جزر القمر إلى "دبي جديدة" من خلال جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال إليها.

لكن كل هذه الأمور تحتاج شخصًا في الحكومة يمكن الاعتماد عليه. وهنا ظهر أحمد عبد الله محمد سامبي، الذي رشح نفسه للانتخابات الرئاسية في عام 2006، وفاز فيها، ليكون رئيسًا لجزر القمر. غير أن سامبي لا يعرف كيف يدير بلدًا، وليست لديه أية فكرة عمّا يجب فعله، وعندها تقدم كيوان ليصبح ساعده الأيمن في كل شيء.

محاولات جذب
غير أن كيوان لم يقصر فكرة بيع الجوازات على من يستطيع الدفع فقط، بل تعداها إلى فئة تمثل مشكلة لدى دول الخليج، وهي فئة البدون. وكان من المفترض أن يحصل هؤلاء على جوازات من جزر القمر من دون الحاجة إلى الانتقال للعيش فيها. وقال الرئيس سامبي لاحقًا إن الإماراتيين وعدوا بدفع 200 مليون دولار مقابل جوازات لأربعة آلاف أسرة من البدون من دون الانتقال للعيش فيها.

وفي عام 2007 تم تعيين كيوان قنصلًا ساميًا لجزر القمر في الكويت، ثم في تموز (يوليو) من عام 2008 ناقش برلمان جزر القمر مشروع بيع الجنسية، لكن النواب رفضوه.&فما كان أمام كيوان غير محاولة إقناع رافضي الفكرة، فدعا وفدًا كبيرًا منهم إلى الكويت، حيث أمضوا ثلاثة أيام في جو من الأبهة والفخفخة، وحصلوا في نهاية رحلتهم على ساعات وكومبيوترات محمولة. ووعد رجال الأعمال الكويتيون الوفد القمري بالثروة والاستثمار والتنمية.

البرلمان مرة أخرى
طرح برنامج بيع الجنسية على البرلمان مرة أخرى، وجرى الحديث عن منحها لشركاء من جميع الدول، شرط أن يكونوا بلا سوابق إجرامية، وألا يكونون منتمين إلى منظمات إرهابية، وألا ينظر إليهم على أنهم يمثلون خطرًا على التماسك الاجتماعي والثقافي للبلد.

وجرت نقاشات حامية، وانسحب بعض النواب من الجلسة، غير أن القرار اعتمد في النهاية في 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، وتحول إلى قانون وقعه الرئيس سامبي. وفي 31 كانون الأول (ديسمبر، احتفلت شركة كومورو غالف هولدنغ بالمستقبل الرائع وببدء مشاريع تحويل جزر القمر إلى "دبي جديدة".

حقوق بناء
في هذا الإطار حصلت شركة كومورو غالف هولدنغ على حقوق إنشاء مبان سكنية وتجارية في أراض واسعة خارج العاصمة وإنشاء شركة اتصالات وبنك. وكان في نية الشركة إنشاء 16800 متر مربع مكاتب، و14200 متر مربع أراضي منفردة، و7400 متر مربع شقق وفنادق فخمة مع مركز تجاري ومرسى. كان كل شيء رائعًا، وعرضت صور المشاريع على أبناء الجزيرة كلهم، وتم الترويج لها بملصقات في الشوارع، ليعيش الناس في حلم جميل.

جميل ولكن…
بعد ذلك حاول كيوان جذب اهتمام مستثمرين أجانب، ونظم لهذا الغرض مؤتمرين في الكويت والدوحة في أوائل 2010، لكن المستثمرين أبدوا إعجابهم فقط، ثم انسحبوا، ذلك أن جزيرة جزر القمر مكان رائع ذو طبيعة خلابة وبيئة نظيفة، ولكنها تفتقد إلى البنى التحتية، والاستثمار فيها يمثل مجازفة كبرى إلى حد ما.&

أثر الوضع الاقتصادي العالمي على مشروع كيوان أيضًا، وجمدت الأزمة منطقة الخليج، وأخذ المستثمرون يشعرون بحذر شديد. كيوان نفسه بدأ يدرك لاحقًا أن فكرة بناء دبي ثانية في جزر القمر مجرد مشروع مجنون. أما في جزر القمر نفسها، فبدأ الناس يعتبرون مشروعه شكلًا من أشكال الاستعمار الجديد، وازداد الانتقاد لقانون بيع الجنسية.

أين المال؟
في 2009 أعلن الرئيس سامبي أن الإمارات ستدفع مبلغ 200 مليون دولار مقابل تجنيس أربعة آلاف أسرة من البدون، تتكون كل منها من 6 إلى 8 أفراد. ووعد سامبي أبناء بلده بأن تذهب 25 مليون إلى ميزانية الدولة، فيما سيخصص 175 مليون لتعبيد الطرق وتوفير التجهيزات الصحية والطاقة الكهربائية والماء ولبناء الموانئ والمطارات ولتشييد مدارس حقيقية وإنشاء بنى تحتية.

وكان سامبي يعتقد أن حكومته ستستلم المبلغ كاملًا في دفعة واحدة من الإمارات، غير أن الاتفاق بين كيوان والإمارات، الذي ظل سريًا، كان يقضي كما يبدو بأن يمر المبلغ بشركة كيوان أولًا وعلى دفعات. ولم يعرف حقيقة كم تسلمت حكومة جزر القمر مقابل بيع جوازاتها. وفي عام& 2012 ذكر بنك التنمية الأفريقي أن واردات جزر القمر من بيع جنسيتها بلغت 33.6 مليون دولار، فيما قدر صندوق النقد الدولي المبلغ بـ45.6 مليون دولار.&

تركة كيوان
من المؤكد أن شركة كومورو غالف هولدنغز خلقت فرص عمل عديدة في جزر القمر، ولكن مشاريع البنى التحتية لم تر النور على الإطلاق. وتم تعبيد بعض الطرق، ودفعت الدولة رواتب متأخرة، ولكن لم يلمس أي مواطن في البلد فائدة حقيقية من بيع الجنسية. لقد تبدد الحلم الجميل، ولم تحصل جزر القمر على شيء تقريبًا.

وماذا عن البدون؟
هؤلاء تم إبلاغهم بأن الحصول على جنسية جزر القمر سيكون مرحلة أولى تؤدي بهم لاحقًا إلى الحصول على الجنسية الإماراتية. ولم يعرف عدد الأشخاص الذين استفادوا من هذه الخطوة، كما ذكرت أنباء أن المشروع كان يعتمد كما يبدو على نقل البدون إلى جزر القمر.

بعد هذه الأزمة ساءت العلاقات بين سامبي وكيوان. وجاء رئيس جديد هو إيكيليل ضنين، الذي أنهى وجود العرب في الجزيرة، وبدأ بملاحقة شركة كيوان قضائيًا، ومحاولة جعله يدفع ملايين الدولارات المتبقية من برنامج بيع الجنسية. وألغت الحكومة أيضًا كل الامتيازات التي منحها سامبي لكيوان.
&
كيوان أقر من جانبه بأن شركته خسرت مالًا، وفشلت في تحقيق مشروع جزر القمر، غير أنه اعتبر أن السبب هو عدم وجود تخطيط بعيد المدى من جانب الحكومة. وفي نيسان (إبريل) 2015 أصدرت محكمة في موروني قرارًا يقضي بأن تدفع الشركة مبلغ 16 مليون دولار عن برنامج الجنسية. وفي أيار (مايو) تمت مصادرة كل ممتلكات الشركة في الجزيرة.


&