رأى خبراء أن تسليح أوكرانيا في محاولة لصد الهجوم، الذي يشنه الانفصاليون الموالون لروسيا، ممكن، لكنه قد يجرّ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى ورطة لا يمكن لأحد أن يتوقع كيفية الخروج منها.


باريس: امام متمردين تدعمهم موسكو بقوة، بحسب الغربيين، (وهو ما ينفيه الكرملين على الرغم من مؤشرات عدة على الأرض)، تبيّن أن قوات كييف، وخصوصًا مع فقدانها السيطرة على مطار دونيتسك، وتراجعها على& جبهات أخرى، لا تملك الإمكانات العسكرية لمواجهة حركة تمرد مجهزة على غرار جيش عصري.

واشنطن تبحث التسليح
في السياق، أعلن مسؤولون اميركيون كبار الاثنين أن الولايات المتحدة لا تستبعد تعزيز المساعدة العسكرية لاوكرانيا وتزويدها اسلحة ضد الانفصاليين الموالين لروسيا. وقال مسؤول في البنتاغون "ما يجري التشاور في شأنه هو أن علينا ربما تقديم اسلحة دفاعية، معدات دفاعية".

واوضح مسؤول عسكري آخر أن الاراء حول هذا الموضوع داخل الادارة "نضجت" انطلاقاً من دعم روسيا للانفصاليين والانتهاكات الاخيرة لوقف اطلاق النار. من جهتها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي في مؤتمرها الصحافي اليومي إن "اي خيار ليس مطروحًا (لكن) اي خيار ليس مستبعداً. ثمة نقاش قائم". وكانت بساكي ترد على سؤال حول ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز لجهة أن واشنطن والحلف الاطلسي يتجهان الى تأييد تزويد قوات كييف معدات دفاعية لمساعدتها على التصدي للمتمردين الموالين لموسكو.

والاثنين، اعلنت ميشيل فلورنوي المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الاميركية، وايفو دالدر السفير السابق لدى الحلف الاطلسي، وخبراء آخرون قريبون من البيت الابيض، تأييدهم تسليم اوكرانيا اسلحة "دفاعية". واورد تقرير وقعه هؤلاء أن على الغرب أن "يزيد من الاخطار والاكلاف" التي ينطوي عليها أي هجوم جديد بالنسبة الى روسيا.

واضاف التقرير "هذا يعني تقديم مساعدة عسكرية مباشرة بقيمة تتجاوز الى حد بعيد قيمة (المساعدة) التي قدمت حتى الان، وتشمل اسلحة دفاعية +فتاكة+ بحيث تتمكن اوكرانيا من الدفاع عن نفسها في شكل افضل". ويوصي التقرير بتقديم اسلحة بقيمة مليار دولار اعتبارًا من 2015 تشمل كمية كبيرة من الرادارات المضادة للمدفعية والطائرات بدون طيار وادوات التشويش الالكتروني، اضافة الى صواريخ مضادة للدروع بهدف ردع أي هجوم روسي جديد. ويتوجه وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى كييف هذا الاسبوع.

واضافت بساكي وهي تتلو بيانًا "نواصل بحث ما هو السبيل الافضل لدعم اوكرانيا. يبقى هدفنا التوصل الى حل عبر القنوات الدبلوماسية. ونبحث في شكل دائم خيارات اخرى يمكن أن تكون بديلاً من حل تفاوضي للازمة". وقالت "نحتفظ بحق التفكير في جملة خيارات". وتتهم الولايات المتحدة روسيا بتسليح المتمردين الاوكرانيين، الامر الذي تنفيه موسكو، لكنها احجمت حتى الآن عن تقديم اسلحة الى كييف مكتفية بمساعدة عسكرية "غير فتاكة" مثل السترات الواقية للرصاص والمعدات الطبية والرادارات.

وتعليقًا على تدهور العلاقات بين واشنطن وموسكو على خلفية الازمة الاوكرانية، قالت بساكي "لا اعتقد ان أي طرف يريد حرباً بالوساطة مع روسيا. ذلك ليس الهدف. هدفنا هو تغيير سلوك روسيا. لهذا السبب فرضنا عقوبات".

توازن مفقود
وقال رئيس جهاز استخبارات فرنسي سابق رفض الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس "لا تحلموا!". واضاف: "يتعيّن علينا ان لا نعتقد أن بامكاننا تجهيز الجيش الاوكراني بكل ما يحتاجه لتحقيق التوازن مع متمردين تدعمهم موسكو الى هذا الحد. سيكون بحاجة الى منظومة كاملة من التسلح والاسلحة المضادة للدبابات وصواريخ ارض-جو محمولة حتى الاسلحة الثقيلة. يتعيّن ايضًا توفير مروحيات هجومية نظرًا الى المنحى الذي تتخذه هذه المعارك".

تابع يقول "ينبغي ايضا أن يكون هناك الرجال الذين يواكبون ذلك". وقال "الجنود يجب تدريبهم. المحاربون هم الذين يصنعون الحرب، لا الأسلحة. في التاريخ كلما ساعدت قوة دولة ما في هذا النوع من الازمات، تعيّن إرسال مدربين. وبالنسبة الى بعض الاسلحة، يتطلب هذا الامر وقتًا. انظروا ماذا حصل في العراق، في الموصل: الجيش العراقي كان مسلحًا بشكل جيد، وتشتت امام بضعة الاف عنصر من تنظيم الدولة الاسلامية".

وفي 29 كانون الثاني/يناير، اعلن الجنرال بن هودجس قائد القوات الاميركية في اوروبا للصحافيين أن العسكريين الاوكرانيين مصابون بالصم والعمى امام المتمردين بسبب "القدرة الاستثنائية" التي يملكها هؤلاء للتشويش على نظام اتصالاتهم. واكد ايضًا ان المعلومات التي تقدمها الطائرات الروسية من دون طيار إلى المتمردين تسمح لهم باستهداف مواقع كييف بدقة متناهية.

استعدادات أطلسية
وفي مواجهة مثل هذا العدو، يعتزم الحلف الأطلسي اكثر فاكثر ارسال اسلحة هجومية الى القوات الاوكرانية، والتوقف عن ارسال تجهيزات للدفاع السلبي، مثل السترات الواقية من الرصاص، كما كتبت صحيفة نيويورك تايمز الاحد، موضحة ان القرار لم يتخذه الرئيس الاميركي باراك اوباما بعد.

واوضح اندرو ولسون من المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية وصاحب كتاب "الازمة الاوكرانية: ماذا تعني للغرب"، الذي صدر اخيرًا، أن "احد اسباب تكثيف المتمردين لهجومهم هو انهم يأملون في تسجيل مكاسب عسكرية قبل الوصول المحتمل إلى اسلحة اميركية". وقال: "بالتالي، الولايات المتحدة تواجه مأزقًا اخلاقيًا: اذا لم تتدخل الان، يمكن ان يتفاقم النزاع".

وفي تقرير نشر الاثنين في واشنطن، قال مسؤولون اميركيون سابقون إن "الروس والقوات الانفصالية قادرون بوضوح على مواصلة الهجوم، سواء للسيطرة على كل منطقة الدونباس (شرق)، او، وهذا سيكون الأسوأ، لشق ممر بري بين روسيا والقرم عبر السيطرة الفعلية على جنوب شرق اوكرانيا". لكنّ تورطاً عسكريًا متزايدًا الى جانب كييف قد يؤدي بالغربيين الى الذهاب أبعد مما يريدون، كما حذر المتخصصون.

التزام عاطفي
واعتبر الباحث بالاز جارابيك من مجموعة كارنيجي اندومنت للابحاث حول السلام الدولي أن "انصار هذا الرأي لديهم افضل النوايا"، "لكنهم لا يفهمون الى أي حد تكتسي اوكرانيا اهمية بالنسبة الى الروس. يعتبرون انها ارضهم وشعبهم. والتزامهم العاطفي والبنيوي يفوق بكثير ما يمكن أن يكون عليه الالتزام الاميركي في المعسكر الآخر".

ولفت رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسي السابق نفسه الى انه "سيتعيّن ارسال مدربين مع الاسلحة، وسيتعيّن دمجهم الزاميًا في صفوف الوحدات الاوكرانية. بالتالي، وفي الاجمال، يعني شن الحرب على روسيا. ولهذا السبب يلعب بوتين لعبة سهلة لا تتطلب جهداً، انه يعرف ذلك جيدًا، وسيواصل اللعب. ولن تلتزم أي دولة، بدءًا من الولايات المتحدة، بطريقة كافية لتشكل تهديدًا في الجهة المقابلة. الاوراق مكشوفة منذ البداية".