تبقى مشكلة الأطفال السوريين الذين يولدون في بلدان اللجوء الأقسى، لكونها تهدد مستقبل أجيال، يحرمون حق الطبابة والتعليم والتنقل والسفر، ولأن بلدانًا عدة لا تعترف بوثائق مستخرجة من جهات معارضة سورية، يلجأ بعض المقتدرين نوعًا ما إلى التزوير عبر إيهام سلطات البلد الوافد أن أولادهم ولدوا في سوريا سابقًا في مناطق خاضعة للنظام.


عبدالاله مجيد: خرجت أُميمة من المستشفى في غازي عنتاب، وهي تهدهد رضيعها المولود حديثًا زكريا، الذي لفته ببطانية، عسى أن تحميه من البرد. وطغت فرحة أُميمة بطفلها السابع على ولادته في بلاد غريبة بين أطباء وممرضات لا تفهم ما يقولون.&

وأعلنت أم زكريا الحلبية بفخر "شاءت الأقدار أن يولد في تركيا، ولكنه سوري". إلا أن مطالبة أُممية، التي خرجت من المستشفى، وليست معها إلا شهادة ميلاد، بجنسية لطفلها أقرب إلى المستحيل، سوى إذا استعانت بمزوّرين يمارسون تجارة رائجة على جانبي الحدود السورية ـ التركية.&

يعيد مولد الطفل زكريا مع دخول النزاع السوري عامه الخامس التذكير بأن جيلًا كاملًا من السوريين مهددون بحرمانهم من حق المواطنة في بلدهم واكتساب جنسية تؤكد هويتهم بسبب سياسات نظام الرئيس بشار الأسد في محاربة شعبه وتهجير مواطنيه وقوانين الجنسية الصارمة في البلدان التي ينزحون إليها، والبيروقراطية الكافكوية، التي يتعيّن على الآباء أن يتعاملوا معها للحصول على أوراق ثبوتية لأطفالهم.&

بلا هوية
وأعلن مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس "أن زهاء مليوني سوري دون سن الثامنة عشرة مهددون بأن يصبحوا جيلًا ضائعًا، وأن ما يربو على 100 ألف طفل ولدوا في المنافي يواجهون خطر البقاء بلا جنسية".&

وقال عضو الائتلاف الوطني للمعارضة السورية بكري كعكة "تخيلوا أن نحو نصف سكان سوريا مطلوبون من النظام"، مشيرًا إلى "أن النظام حرم كل من في المعارضة من حقه المدني في الحصول على بطاقة هوية وطنية أو وثائق قانونية أخرى".&

وبسبب هذا الواقع المأساوي الجديد، انقسم اللاجئون السوريون إلى فئتين، فئة الذين لديهم القدرة المادية للحصول على وثائق، قانونية أو غير قانونية، والذين ليست لديهم مثل هذه الإمكانية.&&

ويُقدر أن 15474 طفلًا سوريًا على الأقل ولدوا في تركيا منذ اندلاع الانتفاضة السورية، كما نقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن باحث طلب عدم ذكر اسمه. وأضاف إن غالبيتهم ولدوا في غازي عنتاب وإسطنبول، اللتين سجلتا 4905 و3526 ولادة على التوالي.&

تزوير مجدٍ
تشمل الخيارات، التي تواجه أهل هؤلاء الأطفال لاستخراج وثائق تمنحهم هوية، اللجوء إلى التزوير أو حتى ما هو أخطر من ذلك. ومن الإمكانات المتاحة تسجيل المولود في تركيا على أنه ولد في الشطر الخاضع لسيطرة النظام من حلب. ويقول آباء إن العملية تكلف 1000 دولار، لكنها تدرج الطفل في القاعدة البيانية الوطنية، وهو أمر مفيد للعائلات التي تعتزم العودة إلى سوريا. والبديل الأرخص هو الحصول على شهادة ميلاد مقابل 100 دولار من دون مغادرة غازي عنتاب.&

وتطالب بعض البلدان، التي تستضيف لاجئين سوريين، بشهادة زواج رسمية لتسجيل ولادة الطفل. لكن الذين تزوجوا خلال النزاع نادرًا ما يمتلكون مثل هذه الوثائق. ولفتت كورتني فيلبس من لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن زيجات تُعقد في سوريا من دون توثيق رسمي، لأنها زيجات دينية، وليست مدنية، وبالتالي لا تعترف بها الحكومة التركية. وقالت فيلبس لصحيفة كريستيان ساينس مونتر "إن هذا يعني أن أي طفل يولد نتيجة مثل هذا الزواج لا يحصل على شهادة ميلاد صحيحة تبيّن أصله العائلي، ويمكن أن يقع في منطقة رمادية، حيث يُعد غير شرعي أو تحت وصاية الدولة".&

لا ضمانة مستقبلية
يونس شابو، وهو ناشط كردي من حلب، متزوج بسورية تحمل الجنسية الألمانية، يواجه مشكلة من نوع آخر. فهو يقول إن أطفاله ليست لديهم أية وثائق، لا ألمانية ولا سورية، بل شهادة ميلاد فقط. ويضيف شابو إنه أنفق 1000 دولار من أجل الحصول على وثائق من دون جدوى. وقال شابو، الذي قُتل شقيقه في حلب، "كل ما أُريده هو وثيقة تضمن مستقبل طفلي، لأنني سوري، ويمكن أن أُقتل في أي لحظة".&

ويواجه الأطفال، الذين يولدون في مناطق المعارضة، مآزق مماثلة، تضع آباءهم أمام حسابات شائكة، تتعلق باختيار المكان الذي تضع فيه الأم مولودها. وتكون الآفاق مظلمة بصفة خاصة لمن يولدون في مناطق جبهة النصرة، التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة، أو مناطق داعش. ويُرجح أن الأطفال الذين يولدون في ما يُسمى دولة الخلافة سيواجهون أصعب العقبات في طريق حصولهم على جنسية لاحقًا.&

خارج الزمان والمكان
وفي حين أن تقدير حجم المشكلة يتسم بصعوبة بالغة، فإن الأرقام المتاحة ترسم صورة تبعث على القلق. فزهاء 900 طفل يولدون شهريًا في مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة داعش، كما أفادت مصادر طبية. ولا يمكن لأي من هؤلاء أن يحصل على وثائق تعترف بها السلطات السورية أو سلطات البلدان الأخرى.&

وتشير البيانات الجزئية، التي وفرها أطباء من 20 مركزًا صحيًا في مناطق تسيطر عليها المعارضة الوطنية، إلى أن آلاف الأطفال مهددون في أنحاء سوريا. ويعني خطر السفر من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام أن قلة من الآباء يسجلون أطفالهم.&

وقال الدكتور خالد، الذي تحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "إن هناك زهاء 750 ولادة شهريًا في المناطق المحررة، ولا يُسجل أي طفل منها"، موضحًا "أن العائلات عادة تحاول السفر إلى مناطق النظام في لحظة الولادة من أجل الحصول على وثائق رسمية للطفل، إلا إذا كان الأب مطلوبًا".&

في مكتب متواضع في غازي عنتاب، يخوض ماجد الخطيب معركة صعبة مع أزمة الوثائق التي يحتاجها اللاجئون. فهو يدير المكتب القانوني لائتلاف المعارضة السورية، الذي يصدر شهادات ميلاد وأحوال مدنية وزواج وطلاق ووفاة لمن يستوفون الحد الأدنى من الشروط المطلوبة.&

حقوق مسلوبة
قال الخطيب إن الائتلاف الوطني للمعارضة السورية فتح هذا المكتب لمواجهة انتشار الوثائق المزورة. ومنذ افتتاح المكتب قبل نحو ثلاثة أعوام، أصدر 168 سجلًا عائليًا و173 شهادة زواج و32 شهادة ميلاد، وهي أرقام صغيرة تشير إلى أن غالبية اللاجئين تستخدم طرقًا أخرى.&

وأكد الخطيب أن تركيا، التي تدعم المعارضة السورية، لا تعترف بالوثائق التي يصدرها المكتب القانوني للائتلاف، ولكن سفارات دول الخليج والمغرب وتونس وليبيا والنمسا وفرنسا وألمانيا قبلتها بديلًا من الوثائق التي تصدرها الحكومة في دمشق. وحذر الخطيب قائلًا "إن الأطفال السوريين، من دون وثائق، سيفقدون حقهم في الحياة: حقهم في التعليم والعلاج".&