رأى الناشط القبطي مايكل منير في الجزء الثاني من حوار له مع "إيلاف" أن وضع مسيحيي مصر لم يتحسن بشكل ملحوظ بعد رحيل الإخوان عن الحكم، أسفًا لأن قانون ازدراء الأديان في الدولة لا يطبق إلا على الأقباط، منقدًا ما يتعرضون له من تمييز وتهميش، ومطالبًا بمزيد من الحقوق لهم وتوسيع أدوارهم في المناصب السياسية والكتب الدينية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: قال الناشط القبطي المهندس مايكل منير إن أوضاع الأقباط في مصر لم تتغير كثيرًا بعد رحيل حكم جماعة الإخوان، مشيرًا إلى أنهم يتعرّضون للكثير من التمييز السلبي. وأوضح منير في الحلقة الثانية من مقابلته مع "إيلاف" أن قانون أزدراء الأديان لا يطبّق إلا على المسيحيين فقط، فضلًا عن التمييز ضدهم في المناصب العليا، داعيًا إلى ضرورة إحترام الدين المسيحي في المناهج الدراسية.

وجدد منير إتهام المجلس العسكري السابق بقتل الأقباط في أحداث ماسبيرو، التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول 2011، مشيرًا إلى أن الحادث سيظل في ذاكرة الأقباط مثل حادثة دنشواي. ودعا إلى ضرورة تقديم الجناة إلى المحاكمة، وكذلك محاكمة الجناة في جرائم قتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير 2011، وقال إن ذلك لا يسيء إلى مؤسسة القوات المسلحة.

وأشار إلى أن الأقباط هم أكثر المدافعين عن مصر دوليًا بعد ثورة 30 يونيو/ تموز 2013، لافتًا إلى أنه عقد الكثير من اللقاءات مع مسؤولين في الخارجية الأميركية ورؤساء تحرير صحف ومجلات في الولايات المتحدث، بناء على طلب من الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، لتوضيح أن ما حصل ليس إنقلابًا عسكريًا، بل ثورة شعبية.

وقال إن جماعة الإخوان زارت أميركا، وتعهدت بالحفاظ على حقوق المثليين جنسيًا، وتوددت إلى اليهود والنساء والأطفال، وتعهدت بالحفاظ على الحقوق والحريات، وروّجت لعمليات عنف واغتصاب وقتل تجري من قبل الشرطة للمعارضين. وإلى تفاصيل المقابلة:

سياسة ودين
هل صار وضع الأقباط في مصر الآن أفضل بعد رحيل حكم جماعة الإخوان المسلمين؟

بصراحة وضع الأقباط لم يتغير كثيرًا، فما حصل هو اختفاء الهجوم على منشآت الأقباط فقط، فمثلًا ألقي القبض على شاب مسيحي؛ لأنه شارك على صفحته الشخصية في فايسبوك، حلقة لطوني خليفة مع أحد شيوخ الأزهر، واتهم الشاب بازدراء الإسلام، فهل مشاركة الشاب في حلقة من برنلمج الإعلامي طوني خليفة التي تشاهدها كل جمهورية مصر العربية يجعلهم يوجّهون إليه اتهام بازدراء الدين؟، إن ازدراء الأديان يطبق على المسيحيين فقط.

هناك تطرف كبير في تطبيق القوانين، ولم تنفذ مطالب كثيرة لايزال المسيحيون يطالبون بها حتى الآن، منها القانون الموحد لدور العبادة، الذي لم يتم تفعيله حتى الآن، ولا نرى أي تشريعات في مسألة ازدراء الكنائس، ورغم ذلك فإن الأقباط الآن يقولون إن مصر أهم منهم، وذلك رغم مرورهم بمشاكل عصيبة، ومنها ذبح 21 قبطيًا في ليبيا، إلا أنهم لم تهتز وطنيتهم يومًا، ولم يدافع أحد عن مصر مثلما دافع عنها الأقباط بعد 30 يونيو في كل المحافل الدولية.

وقد طلب مني الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، السفر إلى الخارج، والحديث للعالم الخارجي، لتحسين صورة مصر. نحن الآن نقارن بين ما كنا فيه أيام الإخوان وبين ما وصلنا إليه، وليس ما ينبغي أن يكون، ومطلوب أن يكون هناك احترام لديننا في الكتب المدرسية، وأن يكون للأقباط نصيب في المناصب العليا من دون تمييز، وللأسف لم أجد محافظين أقباطًا في الحركة الأخيرة، ويبرر المسؤولون ذلك بأن وضع البلد لا يسمح، والظروف الامنية لا تسمح، حتى لا تتعرّض الحكومة لهجوم من الإخوان والسلفيين. نحن نعاني الكثير من الظلم، ومن مظاهر هذا الظلم، تجاهل تقدم الجناة في أحداث ماسبيرو إلى المحاكمة.

متمسكون بدمائنا
لكن البابا تواضروس قال في أحاديث إعلامية، إن الوقت ليس مناسبًا للحديث في هذه القضية، وتعرّض لإتهامات بإهدار دماء الأقباط، فهل ترى أنه حقًا تخلى عن دماء أقباط ماسبيرو؟
لا أعتقد أن البابا تخلى عن دماء الأقباط، ولا يملك أحد، التخلي عن دماء الأقباط، والقاتل معروف، ويجب أن يخرج المصريون من هذا بنتيجة مهمة، أنه عندما يخطئ فرد في مؤسسة، يجب أن يحاكم، فلا ندافع عن كل المنظومة، وفي الوقت عينه لا نهاجم كل المنظومة. وأنا قدمت 36 فيديو لمساعد وزير العدل في لجنة تقصي الحقائق، تظهر بوضوح أن سيارات تابعة للجيش هي التي دهست الأقباط في ماسبيرو، وكان ممكنًا أن نتغاضى، ونقول إنه حادث فردي والسلام، لكن هذا لا يجوز، لأنه يجب معاقبة المخطئين.

وهذا ما يحدث في أميركا، فالجيش الأميركي يعاقب أفراده إذا صدر منهم ما يسيء، ويعلن أن أفرادًا منه اغتصبوا فتيات، ويظهرهم للرأي العام. لا تسامح في الدم. أعرف أن البابا رأى أن الظرف السياسي الآن غير مناسب للحديث عن القضية، لكن هذا ليس معناه أن الموضوع سينتهي، بل سنظل نطالب به، لأنها محفورة في ذاكراة الأقباط مثل حادثة دنشواي (وقعت عام 1905، وتعرّض فيها أربعة مصريين للإعدام، وجلد وسجن 36 آخرين بتهمة قتل جندي بريطاني)، ولن نمل من المطالبة بمعاقبة الجناة، ومعاقبة قتلة ثوار 25 يناير، وغيرها من الأحداث. تلك الجرائم التي يريد البعض إخفاءها، كأن لم تكن وندفن رؤوسنا في الرمال، لا يجب السكوت عنها، وينبغي معاقبة الجناة.

• شكلت لجان لتقصي الحقائق في مختلف الأحداث بداية من ثورة 25 يناير، ثم أحداث ماسبيرو، وأحداث محمد محمود، وأحداث إستاد بورسعيد، وأخيرًا أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، والمحصلة النهائية صفر، كيف يمكن الوصول إلى الحقيقة؟
الحكومة تستغل لجان تقصي الحقائق لامتصاص غضب الشعب، وليس لإظهار الحقائق، وأرى أن لجنة تقصي الحقائق الوحيدة التي قامت بمهامها على أكمل وجه، هي اللجنة التي تقصت أحداث رابعة العدوية، حيث ضمت أعضاء محايدين، ولديهم تاريخ ثوري معروف، ووضعوا تقارير مدروسة بما انتهوا إليه، سواء كان ما قالوه صحيحًا أم غير صحيح، ولكنهم قاموا بدورهم على أكمل وجه. أما في ما عدا ذلك فإن لجان تقصي الحقائق تكون فقط لامتصاص الغضب الشعبي.

لقاءات أميركية
• ذكرت أن الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، طلب منك أن تتحدث مع الأميركيين، لتشرح ماذا حدث أثناء ثورة 30 يونيو، هل من تفاصيل أكثر؟

في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، كنا جميعًا نحاول أن نفعل أي شيء لأجل مصر، ولذلك كوّنت لجنة للسفر إلى أميركا والحديث مع دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، وطلب الرئيس المؤقت في حينها مني أن نوصل إلى العالم الخارجي أهمية ثورة يونيو، وأنها لم تكن انقلابًا عسكريًا، كما يشاع، وأنها امتداد لثورة 25 يناير، لكن اللجنة لم تسافر، وسافرت وحدي، وعقدت لقاءات كثيرة مع دوائر صناعة القرار في الخارجية الأميركية، ورؤساء تحرير الصحف والمجلات والمراكز البحثية، ونظمت ندوات، كان معظمها لقاءات خاصة، لأننا كنا نحتاج إقناع الإدارة الأميركية ورؤساء تحرير الصحف أن المعلومات التي تصلهم ليست كلها صحيحة.
&
وأنا والحمد لله معروف في أميركا منذ عشرين عامًا بأنني رجل معارض وحر نفسي، ولا أدين لأحد بشيء، وكنت متهمًا في قضية ماسبيرو، فالناس هناك تسمع رأيي باعتباره رأيًا حرًا. تحدثت عن 30 يونيو، وأكدت أنها ثورة شعبية، جمعت كل طوائف الشعب المصري، وقلت إنه إذا لم يتدخل الجيش لمصلحة المصريين المحتشدين في الشوارع، كان الناس سيفقدون السيطرة على أنفسهم، ويقتحمون القصر الجمهوري، أو أن الإخوان سينزلوا إلى الميادين، ويهدموا كل شيء، ويتقاتل المصريون في الشوارع.

• عندما زار الرئيس السيسي أميركا اجتمع بمجموعة من المصريين في الخارج، فهل كنت من بينهم، وهل قابلته شخصيًا؟
لا لم يحالفني الحظ، فقد تمت دعوتي أكثر من مرة من الرئاسة إلى حضور لقاءات مع السيسي ضمن لقاءات مع رؤساء الأحزاب، ولم يسعفني الوقت، فقد كنت خارج مصر، واتصلوا بي في إحدى المرات، وكنت في طريقي للسفر، وفي ومرة أخرى كنت في كوريا. هناك بالفعل مشكلة في تحديد المواعيد في الرئاسة، فهم يتصلون قبل الموعد بسبع ساعات أو قبلها بـ24 ساعة على الأكثر، ويطلبون حضوري في التاسعة صباحًا.

صورة مشوهة
• بما أنك من المقيمين بين مصر وأميركا، فهل يمكن أن تشرح لنا كيف يرى الغرب المصريين الآن؟
للأسف هناك أمور كثيرة عملت على تشويه سمعة مصر في الغرب، فالسياسة الخارجية سمحت بتشويه الصورة، والبحوث الكثيرة التي توضع في المراكز البحثية هناك ساعدت أيضًا على ذلك، وبغضّ النظر إن كنا مع النظام الحالي أو ضده، أو على الحياد، فإن هذا التشويه سيء جدًا بالنسبة إلى مصر، لأن السياحة تعد مصدرًا رئيسًا للدخل القومي المصري.

وقال لي صديق إنجليزي ذات مرة إن لديه فرصة لأن يذهب في أسبوع نزهة مع عائلته خارج بلده إلى المغرب أو شرم الشيخ، ولما نصحته بشرم الشيخ، رفض وقرر السفر إلى المغرب، بعدما شاهد في الإعلام أن مصر تحدث فيها انفجارات قنابل وفوضى أمنية، وهذا سيسبب قلقًا كبيرًا له ولعائلته. وللأسف نحن من نفعل ذلك بأيدينا، فهناك أحاديث القيادات الإخوانية في أميركا تقول إن الأطفال يتعرّضون لإعتداءات جنسية في السجون، والنساء يغتصبن في الشوارع، ومعظم الكلام ليس حقيقيًا، لكن المواطنين الأميركيين أو البريطانيين لا يعرفون ذلك، ويصدقون ما يقال في الإعلام، ولن يأتوا إلى مصر.

لإطلاق المعتقلين
• وكيف يمكن تصحيح هذه الصورة المشوهة؟
يجب أن تعمل الدبلوماسية الشعبية المصرية في الخارج بقوة لتصحيح الصورة، ونحن نقوم بالفعل بمحاولة الآن لتحسين الصورة بالمشاركة مع الهيئة القبطية الهولندية، وننظم مؤتمرًا داخل البرلمان الأوروبي، ونعمل في أماكن مختلفة، للرد على تلك الاتهامات، ولتوضيح الصورة، لكن النظام لا يساعد عندما يأخذ خطوات صعبة ضد النشطاء، وما زلت أطالب الرئيس السيسي بالإفراج عن جميع المعتقلين من شباب ثورة 25 يناير، وطالبت أيضًا بالإفراج عن الصحافيين الذين سجنوا بسبب جنسياتهم فقط، فيجب ألا نضع المصريين في وضع ضاغط وعصيب يضطرهم إلى التنازل عن جنسيتهم ليفرج عنهم، فكيف تحترم جنسيتك بعد الآن؟، نحن ننادي دائمًا بسيادة القانون ولا نطبقها، وإنني أرى أن الرئيس السيسي بحاجة إلى مستشارين سياسيين مدنيين، وليس خبراء عسكريين، لأن المستشار العسكري لا يعرف عن العلاقات الخارجية شيئًا، ولا يعلم تداعيات القرارالسياسي.

الإخوان والمثليون
• زارت وفود من جماعة الإخوان أميركا، وعقدت لقاءات في دوائر صناعة القرارهناك، هل حقًا قالوا إنهم مهتمون بحماية حقوق المثليين؟

حدث ذلك بالفعل، ولديّ فيديو يؤكد ما أقول، وأنا مسؤول عما تكلمت به، وأتحمل نتيجته، فالإخوان قالوا إنهم يحافظون على حقوق المثليين، وتعهدوا بالحفاظ على حقوق اليساريين والليبراليين وعدم إدخالهم السجون، وضمان الحريات العامة، وقالوا إن الجنرالات لن ينعموا بالحياة الهادئة، في ما يعد تهديدًا واضحًا، وكانت معهم إمرأة بررت العنف بحجة الدفاع عن النفس، فقتل الأبرياء وتفجير القنابل عنف مبرر في نظرها، وقد لاحظت تخطيطًا واضحًا للإخوان للزيارات، وتوددوا لليهود والمسيحيين والنساء والأطفال، وتوددوا كذلك للمثليين، وكانت محاولة لتجييش المشاعر لكل تلك الفئات، وتوصيل رسالة بأن ما يحدث في مصرالآن هو هجوم على الحريات والحقوق واغتصاب للأطفال والنساء في الشوارع من قبل البوليس، وكل هذه حزمة من الأكاذيب لم يجدوا من يرد عليهم بخصوصها، وبالتالي لم تظهر تلك الأكاذيب على حقيقتها، ولكني تصديت لهم، وقمت بالرد عليهم من خلال حوارات مع بعض الصحافيين، إلا أن الأمر يحتاج عملًا إعلاميًا منظمًا للتصدي لهؤلاء في الخارج.

استنسابية دبلوماسية
• هل لقاء الإخوان في دوائر صنع القرار في الإدارة الأميركية يؤكد أنهم متشعبون في علاقاتهم هناك، أم إن الأميركيين يجلسون مع من يريدون الحديث إليهم، ويتواصلون مع مختلف الأطراف؟
الوضع بالطبع في الولايات المتحدة يختلف عن مصر، فمن الممكن أن تقابل ممثل الشعب بسهولة جدًا. أما إذا كنت فصيلًا سياسيًا معارضًا وغير مدرج على قائمة الفصائل الإرهابية، مثل الإخوان المسلمين، الذين لم يتم إدراجهم في قائمة الإرهاب الأميركية، فإنهم يستطيعون أن يقابلوا صناع القرار في الكونغرس، وذلك لأن مصر دولة مهمة بالنسبة إلى أميركا ويريدون السيطرة عليها.

أما إذا كانت الدولة لا تهمّهم، فمن الممكن أن تظل سنة منتظرًا أن يقابلوك. ويجب هنا أن تتدخل وزارة الخارجية المصرية، وتبعث برسالة إلى أعضاء الكونغرس الأميركي ودوائر صنع القرار في الإدارة الأميركية للحد من تلك الممارسات، وأن تحتج بشدة على هذا، وهو بالتأكيد ما سيكون له رد فعل لديهم، لكن أعضاء الكونغرس ليس عندهم وقت، ولا يركزون على سماع كل شيء، فمصر ليست الدولة الوحيدة في العالم، والإخوان يمكن أن يتكلموا ويهاجموا ويسيئوا، ولا أحد يسمع لهذا الكلام، وهنا يأتي دور اللوبي والتنظيم السياسي في الخارج، ويأتي دور مندوبي وزارة الخارجية في السفارة المصرية للدفاع وتوضيح وجهات النظر، وقد كانوا يقومون بهذا الدور على أكمل وجه في أيام مبارك، أما الآن فلا نعرف ماذا حدث؟.