فاز الهندي أشيوتا سامنتا بجائزة عيسى لخدمة الانسانية، بعدما قضى عمره في تعليم فقراء بلاده، في مبادرة فردية تحولت صرحًا عالميًا كبيرًا.

المنامة: عبر العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن أمله في أن تكون جائزة عيسى لخدمة الإنسانية قيمة مضاعفة وداعمة لصرح العمل الإنساني في البحرين والعالم، وأن تصبح الجائزة مرجعًا تستحضر من خلاله مبادئ وأعمال فقيد البحرين الشيخ عيسى بن سلمان.

خطوات واثقة

وقال الملك حمد لدى ترؤسه مساء الأربعاء في المنامة الاحتفال بتسليم جائزة عيسى لخدمة الانسانية في دورتها الثانية، مخاطباً الحضور: "نشهد معكم في هذا اليوم نتائج أعمال جائزة عيسى لخدمة الإنسانية في دورتها الثانية، وهي تخطو خطوات واثقة على مختلف الأصعدة، لتتميز كجائزة عربية عالمية، في مجال الخدمة الإنسانية، تتعدى الحدود المكانية، من دون أي اعتبار عقائدي أو جغرافي أو قومي، غايتها المثلى الحث على خدمة البشرية".

وأشار العاهل البحريني إلى أن المنجز الإنساني للراحل الكبير الشيخ عيسى، عبّرت عنه روحه السمحة الودودة، التي أكسبت شخصه وبلاده احترام العالم، فكانت حافزًا لكل إنسان يسعى ويعمل لخدمة بني البشر والتخفيف من معاناة الإنسان أينما كان، "وهو أمر طالما ألهم مساعينا ليكون شعب البحرين مثالًا للانسجام والتآخي، على أساس العلاقات الإنسانية المتينة مع مجتمعه العالمي، ليعيش في أجواء الانفتاح المستنير، من خلال تثبيت دعائم التكاتف والتسامح"، معبرًا عن تقديره وشكره لكل الهيئات والأشخاص الذين عملوا ويعملون لخدمة الإنسانية وخيرها.

عصاميّ متواضع

وعبر الملك حمد عن سروره لتقدم عدد من الأجلاء العاملين في مجال الخدمة الإنسانية، أفرادًا وهيئات من مختلف البلدان، لنيل هذه الجائزة في دورتها الثانية، وأن يتولى التحكيم بينهم خبراء اختصاص عالميون، وأن يفوز بالجائزة أكاديمي عصاميّ وإنسان متواضع من جمهورية الهند، بنى خدماته الإنسانية المتطورة بكفاح متواصل، سعى من خلاله إلى إيجاد مبادرات إنسانية فاعلة من أجل عالم خالٍ من الفقر والجوع والجهل، وعمل على احتضان المعدمين والفقراء، ليوفر لهم فرص العمل والحياة الأفضل، حيث أصبح مشروعه واحدًا من المشاريع العملاقة، في شرق الهند يقدم التعليم والسكن المجاني، بأحدث ما توصل إليه العلم من تقنيات، ضمن حرم جامعي مستقل، يضم الآلاف من الأطفال والشباب، الذين ينتمون لأفقر العائلات، في إنجاز متفرد لا مثيل له، يعطي بذلك مثالًا يحتذى في البذل والعطاء ونكران الذات.

وأعرب العاهل البحريني للدكتور سامنتا عن التهنئة بفوزه المستحق لجائزة عيسى لخدمة الإنسانية، كما شكر الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس أمناء الجائزة على جهوده، مشيدًا بدوره وانجازاته خلال مسيرة عمله، وأثناء قربه من الراحل الكبير الشيخ عيسى. وشكر ايضًا أعضاء المجلس ولجنة التحكيم على ما بذلوه جميعهم من جهد، ولما تميزت به مداولاتهم ومشاوراتهم من حيطة واحتكام للمعايير الموضوعية والإنصاف والتجرد في اختيار الفائز لهذه الدورة، "مسترشدين في عملهم بما أكدنا عليه من مبادئ نراها والحمد لله مجسدة في هذا الاختيار الموفق".

سباقٌ لفاعلي الخير

قال الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الانسانية: "الرمزية العميقة لهذه الجائزة التي تجمعنا الآن تكمن في كونها تشير إلى ما يميز خصال جلالتكم وشعبكم، كفاعلين دؤوبين على خدمة قضايا الإنسانية في مختلف مجالاتها، تكرسون جهدكم وسعيكم الموصول، من اجل أن يسود التوافق والتسامح والتآخي بين كافة بني البشر، حيثما وجدوا".

وعبر عن سعادته بتشريفه من قبل الملك حمد للمرة الثانية بترأس مجلس أمناء "جائزة عيسى لخدمة الإنسانية"، وعد ذلك التفاتة كريمة يعتد بها لعدة أسباب، "في طليعتها أني تشرفت بالقرب من الراحل الكبير وكنت شاهدًا طوال سنوات على ما كان يتصف به المغفور له بإذن الله تعالى والدكم القائد الانسان من أخلاق نبيلة وسجايا إنسانية رفيعة، وتواضع جم تجلت كل تلك المناقب في حبه لعمل الخير، والرأفة بالضعفاء، والعطف على المحتاجين، ورغم جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقه، فانها لم تشغله ابدًا عن التفكير المستمر والاهتمام بقضايا شعبه الوفي".

اضاف: "كان رحمه الله متصدرًا لجموع المحسنين، سباقًا لفاعلي الخير، بارًا بالضعفاء والمعوزين، عطوفًا ومواسيًا للمرضى، متابعًا ومستفسرًا عن أحوال معاناتهم، فهم الأبناء الطيبون، وهو الأب الحنون، يبادلهم المحبة بتلقائية ويقاسمهم المودة بصفاء".

اطمئنان وقناعة

وتابع: "حين ننظر إلى اعماله الانسانية، نرى كيف عبرت عنه روحه السمحة الودودة التي اكسبت شخصه وبلاده احترام العالم، فكانت حافزًا لكل انسان يسعى ويعمل لخدمة بني البشر والتخفيف عن معاناة الانسان أينما كان".

وذكر الشيخ محمد انه التزاماً بنص المرسوم الملكي المؤسس للجائزة، انكبت لجنة التحكيم لتختار من يستحق هذا التكريم الاستثنائي، معتمدة منهجية دقيقة وأسلوبًا تشاوريًا شفافًا، بالاستماع إلى كل رأي حصيف ومفاضلة موضوعية بين الأسماء والمشاريع والمؤسسات.

وفي سياق الحرص على النزاهة، وتوخي العدل والانصاف، قال الشيخ محمد إن لجنة التحكيم بذلت جهودًا متصلة، فاستطلعت وتحرت بشأن مختلف المبادرات والمشاريع التي تصب في خانة العمل الإنساني، بمختلف ارجاء العالم، متوخية استيفاءها للشروط المؤهلة، حيث انتقل بعض أعضاء اللجنة إلى بقاع نائية لمعاينة المشاريع المقترحة والتأكد منها على الطبيعة، بغية التحقق من جدواها، قبل اختيارها ومعاينة قيمتها وأهدافها وهل تصل حقًا إلى الشرائح المستهدفة.

واوضح الشيخ محمد أن أعضاء اللجنة يساورهم اطمئنان وقناعة انهم اجتهدوا، قدر الإمكان، واعتمدوا اهم المعايير، اخذين&في الاعتبار الحيثيات السليمة قبل الحكم، حيث سادت مداولاتهم في كل اطوارها روح التكامل والتشاور، فوقع اقتراح اللجنة على من توسمت في مشروعه الخير، ومن تتوفر فيه الشروط المؤهلة للفوز بنيل هذه الجائزة، مشيرًا إلى اتفاق على اختيار الفائز اشيوتا سامنتا، مدير ومؤسس معهد كالينغا للعلوم الاجتماعية، بجمهورية الهند، الذي تعتبره اللجنة قدوة في عمل انساني.

ويأوي المعهد قرابة 25 الف نزيل معوز، وبموازاة ذلك، شيد الدكتور سامنتا صرحًا تعليميًا هو عبارة عن مدينة جامعية شاسعة، تستقبل آلاف الطلاب، يتلقون في معاهدها وكلياتها التعليم والتدريب في مختلف التخصصات.

تؤكد أهدافها

قال الدكتور جاك ضيوف، عضو لجنة التحكيم لجائزة عيسى لخدمة الانسانية للدورة الثانية والامين العام السابق لمنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو): "وفق توجيهاتكم السديدة والتزامًا بنص المرسوم الملكي بانشاء الجائزة، عملت لجنة التحكيم طوال سنة ونصف السنة الماضية على دراسة وتتبع وتحليل مختلف المشاريع والاسماء التي عرض عليها لاختيار الشخص او المشروع او المؤسسة الجديرة بهذه الجائزة".

أضاف ضيوف مخاطبًا العاهل البحريني: "هذه الجائزة التي اسستموها بهدف تكريم وتثمين جهود الافراد والهيئات التي تقدم خدمات عالمية ومميزة للبشرية في قطاعات خدمة الانسانية تؤكد اليوم اهدافها النبيلة والسامية في هذا الحفل الذي تشرفونه برعايتكم الكريمة".

واشار ضيوف إلى أن أعضاء لجنة التحكيم ينتابها شعور عميق بالسعادة والارتياح لاختيار أشيوتا سامنتا ليفوز بالجائزة، لدوره الريادي وتضحياته الهائلة من أجل محاربة الفقر والعوز وتوفير سبل التعليم لمئات الآلاف من الاطفال.

أواصل النضال

قال سامنتا الفائز بالجائزة: "كرمني مجلس أمناء جائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية تكريمًا بالغًا، وشرفني أسمى درجات التشريف، باختياري لنيل جائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية المرموقة للدورة 2013-2015، يتملكني الفخر والاعتزاز، وينبض قلبي بعظيم الامتنان لحصولي على هذه الجائزة التي تُعنى بخدمة الإنسانية، ولتلقيها من الأيادي الميمونة للملك حمد بن عيسى آل خليفة".

وتوجه سامنتا بأسمى آيات الشكر للقائمين على الجائزة، ولشعب البحرين، "الذي لمس كل ما قدمته من تضحيات وقدر ما أنجزته للإرتقاء بحياة الفقراء والمجتمعات المهمشة، وقد رفعت هذه الجائزة معنوياتي، وشجعتني على المضي قدمًا، ومن المؤكد أنها ستظل مصدر إلهام لي في كل اللحظات".

وأشار سامنتا إلى أنه مدين بهذا التقدير الكبير لهؤلاء الأطفال الصغار في معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، ولحبهم الكبير، الذي لا يعرف حدودًا أو شروطاً، "ولكل من يدعون لي بالخير والتوفيق في كل بقاع الأرض، وفي المقام الأول لله العلي القدير، الذي يهديني للدرب القويم".

أضاف: "في طفولتي، كافحت من أجل لقمة العيش، وما زلت أكافح لإطعام الأفواه الجائعة، فالفقر والجوع يكتسحان أطفال القبائل، ولا بد لي أن أواصل النضال للوصول إلى كل طفل محروم في العالم، حتى يتم القضاء على الفقر كليًا ومحوه عن سطح الأرض".

الفقر يفتك بالعقول

وقال سامنتا إن رؤيته تتمثل بالوصول لمجتمع بشريٍ غنيٍ فكريًا، لا جائع فيه، "يتمتع فيه الناس بالسلام والرخاء بغض النظر عن طائفتهم أو عقيدتهم أو جنسهم أو عرقهم أو أيديولوجياتهم، فالفقر يفرض التحديات الهائلة على الأطفال، أبناء الفقراء، ويحول بينهم وبين غاياتهم، ويحرمهم فرص التعلم بل ويؤثر في نموهم العقلي".

وأضاف أن العوامل الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية تساعد على تعلم الأطفال بشكل كبير، "وبالتالي لا بد من النظر في كافة السبل التي تضمن التعليم للفقراء، لابد التفكير فيها بشكل شمولي، لتمكين الأطفال الفقراء أثناء فترة نموهم، وربما أدرك ما الذي يجدر بنا فعله، لأنني أنا ذاتي، نشأت في فقر مدقع، وخبرت غصة الفقير ومكمن ألمه، وترحلت وأنا في العشرين من عمري في الأماكن النائية في بلادي وفي مقاطعة أوديشا التي أعيش فيها، واطلعت عن قرب على فظائع الفقر في المناطق القبلية، وأدركت كيف يقضي الفقر على بواعث الحياة والدوافع الإيجابية لدى المرء".

وقال سامنتا إن الفقر لا يفتك بالنفوس فقط بل يقضي على العقول، "فمن يقع تحت طائلة الفقر والحرمان، تسيطر عليه الخرافات، ويقبل بالعوز والفاقة مصيرًا حتميًا، بل أن بعض المحرومين ينتهج نهجًا متطرفًا، ويختار مسار العنف والإرهاب؛ فالفقر، مع غياب التعليم، من الأسباب الرئيسة لجميع الشرور التي تستشري في المجتمعات البشرية".

الجائزة ليست لي!

وأشار سامنتا إلى أنه عقد العزم منذ فترة طويلة على مكافحة الفقر في المجتمعات القبلية الفقيرة في الدولة، مؤمنًا بأثر التعليم والتدريب في تغيير حياة الملايين.

وقال انه شهد تحولًا كبيرًا في حياته بسبب ما توفر له من فرص للتعلم، فأراد أن يمنح فرص متكافئة للأطفال الفقراء للحصول على التعليم والتدريب وعلى المهارات اللازمة لتنمية حياتهم على أكثر من صعيد، وتمكينهم من كسب رزقهم، وكانت أول خطوة له على مسار الدرب الطويل، في عامي 1992-1993، تأسيس معهد كالينجا للعلوم الاجتماعية، الذي بدأ بـ 125 طفلًا من أطفال أفقر القبائل، "وكانت البداية في مسكن مستأجر، يشتمل على غرفتين، وباستثمار لم يزد عن 5000 روبية ( 100 دولار تقريبًا)، ادخرتها مما كنت أتقاضاه من راتب متواضع نظير عملي الأكاديمي".

وقال سامنتا: "لم أكن أتصور أن معهد كالينغا للعلوم الاجتماعية سيغدو مؤسسة تعليمية عملاقة، ويحظى بدعم العديد من المنظمات العالمية. إنها نعمة كبيرة من الله تعالى، فكل ما تم إنجازه كان بمشيئته، فما أنجز على مر السنين لا يمكن تصوره؛ فلا يمكن لأحد أن يتخيل، أن من قام به كان فقيرًا معوزًا!".

اضاف: "لا أعرف كيف تم ترشيح اسمي لجائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية، أو كيف تم اختياري لهذه الجائزة المرموقة السامية، جائزة الإنسانية. فهذا يعني الكثير بالنسبة إلي، وبالنسبة إلى كل الأطفال الفقراء. أنا مدين لهم بهذا الشرف، هذه الجائزة ليست لي، هي لهؤلاء الأطفال الفقراء الذين يحتاجون إلى التعليم والتمكين. إنها لهؤلاء الأطفال الذين يقفون على عتبة الفناء، لأولئك الذين يأتون إلى هذا العالم من دون أن نلتفت إليهم، وربما يقضون من دون أن نلتفت إليهم. لقد مُنحت هذه الجائزة نظير خدمتي للفقراء وسوف أنفقها في خدمتهم".&