لم تظهر في المغرب شعارات الثأر والانتقام بعد غرق 11 طفلاً في شاطئ واد الشراط في مدينة الصخيرات، فقد حلّت محل الثأر دعوات للتضامن والتسامح مع المدرّب الذي يفترض أنه يتحمل مسؤولية غرق الأطفال، وهو مصطفى العمراني رئيس جمعية "النور" للتيكواندو.


أيمن بن التهامي من الرباط: لا تبدو جميع فصول فاجعة "واد الشراط" بالمغرب، حزينة. فوسط كل جبال الحزن التي ما زالت تجثم على صدور المغاربة، بعد مشاهدتهم لـ 11 طفلاً، يقضون غرقًا في شاطئ واد الشراط في مدينة الصخيرات، تجري حاليًا كتابة فصل جديد عنوانه التضامن.

والحديث هنا ليس على عائلات الضحايا، التي ما زالت قلوبها تعتصر حزنًا على فراق فلذات أكبادها، بل على مصطفى العمراني، مدرب الأطفال الغرقى، الذي يعتبر في نظر القانون "قاتلاً عن طريق الخطأ".

محاكمة العمراني

تعقد، يوم الخميس المقبل، ثاني جلسات محاكمة مصطفى العمراني، مدرب ضحايا فاجعة "واد الشراط" ورئيس جمعية "النور" للتيكواندو، التي نظمت الرحلة الاستجمامية التي غرق خلالها 11 طفلاً.

ويحاكم المعني بالأمر بتهم "القتل الخطأ الناتج عن الإهمال وعدم مراعاة النظم والقوانين".

وستعرف جلسة المحاكمة، التي ستعقد في ابتدائية مدينة تمار، تنظيم وقفة وطنية للمطالبة بإطلاق سراح العمراني، الذي سارعت 8 من عائلات الأطفال الضحايا للتنازل عن متابعته، رغم أنها ما زالت لم تستفق بعد من هول صدمة فراق فلذات أكبادها.

مسؤولية ثابتة

محمد طارق السباعي، المحامي بهيئة الرباط، قال، في تعليق على متابعة العمراني بتهمة "القتل الخطأ": "مسؤولية العمراني ثابتة. فهو حارس للقاصرين الذين قضوا غرقًا... كان على مصطفى أن لا يزج بالأطفال في غياهب الأمواج العاتية".

وأضاف المحامي بهيئة الرباط في تصريح لـ"إيلاف": "طبقًا للقانون لا يعذر أحد بجهله للقانون. ولم يكن على العمراني أن يسمح للأطفال بالسباحة إلا في شاطئ محروس، يبدو أن مصطفى لم يكن يدرك خطورة الشاطئ، لكن هذا لا يعفيه من المسؤولية".

غير أنه مقارنة بناهبي المال العام، يضيف محمد طارق السباعي، "فإنني أطالب بإطلاق سراحه. لأن أكثر ناهبي المال العام يتمتعون بالسراح الموقت".

حملة تضامنية

في الوقت الذي كان ينتظر الجميع المسارعة إلى رفع شعار الثأر والانتقام من العمراني، أطلقت على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك حملة تضامنية واسعة مع مدرب "غرقى واد الشراط".

وجاءت هذه الحملة بعد الموقف الإنساني والنبيل لعائلات ضحايا، التي اختارت عدم متابعة مصطفى أمام المحاكم.

ولم يقتصر الأمر على العائلات ونشطاء فايسبوك، بل انخرط في الحملة حتى السياسيون، يتقدمهم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي أكد، في تصريح صحافي، أن اعتقال العمراني "غير معقول"، مشيرًا إلى أنه يتابع هذا الموضوع مع وزير العدل والحريات مصطفى الرميد.

كما ضمت لائحة المتضامنين سياسيين وحقوقيين وجمعويين، من بينهم حنان رحاب، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي كتبت في تدوينة على صفحتها الرسمية في فايسبوك: "ما رأي الشباب في وقفة تضامنية مع الشاب المدرب مصطفى العمراني أمام المحكمة الابتدائية بتمارة الخميس القادم.. هل يمكن أن نتعبأ جميعًا من أجل انصاف هذا الشاب؟".

‫أما عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، فكتب هو الآخر في تدوينة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي: "الذين عاشوا تجربة العمل الجمعوي واشتغلوا لسنوات مع الأطفال وتقاسموا معهم القطارات المتهالكة والحافلات التي تعود لمنتصف السبعينات، وكانوا سعداء دائمًا وهم يلعبون دور المربي والأستاذ وحتى الطباخ...يعرفون الشعور الكبير بالظلم الذي يشعر به المواطن الفاضل مصطفى العمراني الذي يواجه تهمة القتل غير العمد والإهمال في حق أطفاله من الرياضيين، الذين صنع منهم أبطالاً، وهو يعمل معهم بنكران مثالي للذات.. في صمت وفي تواضع.. وحده نبل عائلات الضحايا والتضامن الواسع قد يخفف عنه هول فاجعتين.. الأولى فقدان أحبابه والثانية اتهامه الظالم بالتسبب في الفاجعة".

بطلة بين الضحايا

يشار إلى أن قائمة ضحايا "واد الشراط" ضمت بطلة المنتخب المغربي للتايكواندو، فدوى الوردي، التي حصلت على الميدالية الفضية في بطولة افريقيا التي أقيمت مؤخرًا ببوتسوانا.

كما ضمت القائمة أبطالاً آخرين، من بينهم إبنة المدرب مصطفى العمراني بالتبني.