يبرز دور الشباب السعودي جليا في تنفيذ الأعمال الارهابية مؤخرا، في المملكة وفي الخليج وفي مناطق ساخنة أخرى. وفي ما يلي تطرح "إيلاف" تساؤلاتها بخصوص الأسباب التي حولت بعض الشباب السعودي إلى قنابل موقوتة ترتكب جرائم باسم الدين.
أحمد العياد: تكثر الأسئلة في الآونة الأخيرة عن تطور مسار العمليات الإرهابية بعد عدة تفجيرات في المملكة والخليج، وكل منفذيها من الشباب السعودي الذين جندهم تنظيم داعش للعمل معهم والانضمام لهم، واستخدامهم في صناعة محتوى جديد يحاول الكثيرون فهمه، حيث استخدمتهم في تفجير مساجد الشيعة وكذلك السنة، المدنيين والعسكريين، على حد سواء.
وتطرح "إيلاف" العديد من الأسئلة على متخصصين في مجالات مختلفة، حول الشباب السعودي وداعش، من تجنيدهم مرورا بكل المراحل قبل أن يصبحوا قنابل بشرية.
غسيل الدماغ
شهدت السعودية عددا من التفجيرات راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، فيما قالت وزارة الداخلية السعودية، في شهر مارس/ آذار من هذا العام، إن عدد السعوديين الذين يُقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا هو أكثر من 2200، من بينهم نحو 645 عادوا إلى البلاد.
يؤكد الدكتور زهيـر الحارثي في حديث لـ"إيلاف"، أن سبب استهداف السعودي للتجنيد في تنظيم "داعش" يرجع إلى أسباب كثيرة منها سهولة غسل دماغ الشباب في هذه المرحلة العمرية التي تتسم بعدم الثبات الفكري.
ويشير الحارثي المتخصص في قضايا اجتماعية وعضو مجلس الشورى السعودي، إلى أن قطاعات الدولة الحكومية والرعاية الأسرية، عاملان أساسيان في ضياع شبابنا وفي دخولهم عالم قطيعة مع محيطهم وبيئتهم، ما ساهم في سقوط الشاب السعودي في وحل ومستنقع الارهاب، ولا ننسى كذلك دور التحريض ودور بعض الدعاة في دفع شبابنا للذهاب في مناطق القتال أو حتى في قتل اخوانهم هنا في المملكة.
المناهج ومفاهيم التسامح
يقول الحارثي: "لنضرب مثلاً في داعش، فأنا أرى أنها حركة مفلسة فكرياً، وقد تموت وتندثر لكن المشكلة في فكر داعش ما لم تُقتل أسباب نشوئه ومسبباته ومحفزاته وذلك من خلال تفنيده فكرياً، فسنبقى في الدائرة نفسها".
يضيف: "إن حماية شبابنا تكون برؤية شاملة بداية بمراجعة المناهج مراجعة حقيقية أي التركيز على التعليم المعرفي وليس التلقيني، وتكريس مفهوم الاسلام الوسطي وتعزيز مفاهيم التسامح وقبول الآخر عقيدة وفكرا، وثقافة، ويجب علينا فتح مجال أوسع للنقد الموضوعي والاهتمام بالمسرح والفنون والآداب فهذه منظومة اجتماعية ثقافية فكرية متصلة ببعضها البعض& كي يتم تشكيل مجتمع واعٍ قادر على مواجهة التحديات وتقطع الطريق على داعش وغيرها من الجماعات المنحرفة".
الفراغ والشباب
وأوضح الحارثي أن الشاب السعودي "يعاني كثيراً حيث إن معظم الشباب يتخرج من الثانوي وهو غير قادر على طرح فكرة ورؤية معينة على أساس علمي وموضوعي لأن عملية التعليم وطرقها فيها اشكالية فأسلوبها تلقيني بحت بعيد عن المعرفة والموضوعية.
وتساءل الدكتور الحارثي عن اختفاء المؤسسات الشبابية التي تحتوي الشباب وتشغلهم في أوقات فراغهم أين هي وأين هو دورها ؟"، مضيفا أن "الشاب السعودي مضطهد في مجالات كثيرة حتى أنه إذا ذهب للأسواق قد لا يسمح له بالدخول".
وبين الحارثي بصفته عضوا في الشورى أن هناك مطالب بإعادة النظر في كيفية التعامل مع الشاب السعودي من كل النواحي، مضيفاً "مؤسساتنا ومجتمعنا بهذه الممارسات تدفعه إلى هذا المأزق وبالتالي سهولة استدراجه من هذه الجماعات الارهابية.
وأوضح أن الشاب السعودي لا ينقصه شيء فهو مميز صدقا لكنه يحتاج للاحتواء والتمرين، و"قد شاهدنا المبتعثين السعوديين وتميزهم في عديد من الدول"، على حد تعبيره.
صغار داعش والخطاب التنويري
أما الباحث الشرعي والمهتم بالحراك الديني والاجتماعي عبدالله العلويط، فيؤكد في حديث لـ"إيلاف"& أن الفئة التي تستهدفها داعش هم من صغار السن لدرجة أنهم لا يأمرونه بالانضمام سواء في العراق أو سوريا فيجعلونه يكتفي بالقتال وتنفيذ بعض العمليات في المملكة، موضحا "ان استدراج الشباب لداعش عن طريق الداخل أكثر من الخارج، أي أن ما يغرسون داخل الشاب عن طريق مواقع الانترنت أو بعض مناشط الداخل أكثر مما يتلقاه من الخارج عن طريق خطاب داعش الرسمي".
وقال العلويط: "لو استعرضنا التفجيرات من أحداث 11 سبتمبر، فإن منفذيها أغلبهم من الشباب، والمفترض أنه من ذلك الوقت وجميع المنابر كخطب الجمعة والمحاضرات والمناهج قد تطورت وتنورت كي تواجه هذا الخطر ولكن للأسف لا يوجد أي تطور، وكذلك ولو استعرضنا الجدول اليومي لأي شاب داخل المملكة وكم يواجه خطاب تكفير متطرفا مقارنة بأي خطاب تنويري لوجدنا أن لا مقارنة في ما بينهما لذلك فطبيعي استقطاب الحركات والجهات المتطرفة لهؤلاء الشباب".
المنظومة التعليمية
وواصل العلويط حديثه عن المنظومة التعليمية فقال: "حين ننتقد المناهج لا نتحدث فقط عما هو مكتوب في الكتب الدراسية، فتلقين وحديث المدرس منهج والجماعات والانشطة المدرسية منهج، وقد لايكون التطرف والخلل من مدرس مواد دينية، فربما يأتيك مدرس جغرافيا أو رياضيات تجده يتحدث عن الجهاد ورفع راية الإسلام في الخارج، ويجب ادخال أنشطة تنويرية حقيقة داخل الحقل التعليمي، أنشطة تنويرية تدعو لاستعمال العقل والمنطق وقبول الآخر واحترامه مع حقك في الاختلاف معه، فالمدارس لا يوجد بها سوى أنشطة المراكز الصيفية وعشائر الجوالة والمعروف بتوجهها الديني".
وختم العلويط قائلاً " المناخ الديني عندنا ما زال ينقصه الكثير، ففتاوى تكفير الآخر وحد الردة وجهاد الطلب وهي نفس رؤية الموجود لدى داعش والفارق فقط في التوقيت والظرف".
مفسدو داعش و دور إيران
يرى الدكتور فهد الخريجي المتخصص في الإعلام السياسي&أن مشكلة الإرهاب تكمن في أنه أظهر أقبح الأوجه التي يمكن أن تظهر للبشرية، فعندما يكون هناك رجال مهمتهم حماية المواطنين والعمل على أمنهم واستقرارهم يأتيك مفسدون دواعش مهمتهم أن يعيثوا في الأرض فسادا.
وقال الخريجي في حديثه مع "إيلاف": "إن هذه الحركات& ترعاها دول معينة وأعني إيران بالتحديد، ولا خوف على المواطن السعودي فقد أظهر تميزا&في تعامله مع رجال الأمن وكذلك الدولة أظهرت وجهها الحقيقي في مكافحة الإرهاب وهذه الخسائر البشرية للأسف لابد أن تحدث نتيجة هذه المواجهات".
وذكر أن درجة الوعي لدى المواطن كبيرة جدا ويشهد لذلك نجاحات المملكة في محاربة الارهاب، موضحا أن الشباب في المملكة عددهم كبير وهم ثروة حقيقية يجب استغلالها واستثمارها، ويكون ذلك بالتعرف إليهم وعلى مكنوناتهم.
خطر مواقع التواصل
وعن عدم خبرة هؤلاء الشباب وانخراطهم رغم ذلك في تنظيمات إرهابية قال المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية والباحث محمد العمر إن "هؤلاء الشباب المغرر بهم هم في الحقيقة أجيال لم تكن لهم أي مشاركات في أي مواطن النزاع في المنطقة وليس لديهم أي خبرة عسكرية، بل هم شباب تم استغلالهم وتجنيدهم عن طريق بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض التجمعات والأفراد الذين لهم علاقة بتنظيم داعش في الخارج".
&
ويسهب العمر وهو مؤلف كتابين في هذا السياق متحدثاً لـ"إيلاف": "إن هناك محاولات لاستقطاب وتوريط الشباب ما بين 15 و25 سنة، واستغلال جهلهم وحماسهم الديني إضافة إلى تشويه الحقيقة وتضخيم عمل داعش في مواطن النزاع وإعطائها صبغة شرعية لما تقوم به، اضافة الى تصوير الحكومات العربية على أنها حكومات عميلة مرتدة تحت ذريعة حربها على الدين والاسلام والمسلمين& من خلال منعهم شعائر عديدة هم يعتقدون _ أي داعش_ أنها شعائر اسلامية، وذلك من خلال الترويج لبعض الأكاذيب واقتطاع بعض النصوص الشرعية التي تناسب أعمالهم حتى ولم تكن في الحقيقة معنية بها، أي أن هذه النصوص قد لاتكون حقيقة لها علاقة بما يفسرونه".
ويختم العمر "إن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في سهولة تجنيد الشباب العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص واللعب في أفكارهم وتغييرها بما يخدم مخططاتهم، فنشر رسائل داعش في صفوف الشباب من المغرر بهم أصبح سهلا جدا وسهولة ووصول رسائل داعش للجميع أصبح متاحا وهنا يكمن الخطر في كيفية القضاء على مثل هذه الحركات المتطرفة".
التعليقات