عرضت الجامعة الأميركية في القاهرة ملفّ اللاجئين السوريين على طاولتها، وناقش الأساتذة الجامعيون باستفاضة الأبعاد الإنسانية والسياسية والاقتصادية والنفسية لما يحصل للمهاجرين في أوروبا. "إيلاف" غطّت النقاش وأعدت التقرير التالي.
محمد الحمامصي من القاهرة: أكد أساتذة في الجامعة الأميركية في القاهرة في لقاء ضمّ سلسلة مناقشات المائدة المستديرة للإعلاميين، بعنوان "مستقبل اللاجئين السوريين: بين المساعدات الإنسانية والعوائق الحدودية"، أنه لا يمكن فهم حجم أزمة اللاجئين السوريين من دون النظر للوضع الاقتصادي والسياسي الحالي في الاتحاد الأوروبي.
مشكلة في النظام الدولي
أشار د.إبراهيم عوض أستاذ السياسة العامة والإدارة ومدير مركز دراسات الهجرة واللاجئين في الجامعة الأميركية في القاهرة، إلى أنه في ظل وجود أكثر من أربعة ملايين لاجئ فروا من سوريا، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ أزمة اللاجئين تعتبر عرضا لمشكلة حقيقية في النظام الدولي الاقتصادي والسياسي.
وأكد د.عوض أنه تم تسليط الضوء على الأزمة في الآونة الأخيرة مع وصول الآلاف من اللاجئين إلى الدول الأوروبية، وأن السوريين ذهبوا أولا إلى الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا ثم انتقلوا إلى دول أخرى غير مجاورة مثل مصر والعراق، وأن نسبة اللاجئين في دول مثل الأردن ولبنان أعلى بالمقارنة مع حجم هذه البلدان.
توجهوا إلى أوروبا اضطرارا
وقال د.عوض معلقا على افتراض أن السوريين يستهدفون الدول الأوروبية في الأساس "أن السوريين اضطروا حتى إلى الذهاب إلى العراق بالإضافة إلى عودة اللاجئين العراقيين الذين كانوا يعيشون في سوريا إلى العراق ايضا".
وأضاف "وفقا لإحصاءات للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ينقسم الأربعة ملايين لاجئ إلى 1،805،255 لاجئا سوريا في تركيا، 249،726 في العراق، 629،128 في الأردن، 132،375 في مصر، 117،2753 في لبنان، و24،055 في شمال أفريقيا. بالإضافة إلى أكثر من 270،000 طلب لجوء من قبل السوريين في أوروبا، وآلاف الآخرين الذين أعيد توطينهم في أماكن أخرى من المنطقة"
وعلل د.عوض بروز الأزمة الآن بسبب إغلاق لبنان والأردن حدودهم أمام اللاجئين، باستثناء الحالات الإنسانية، ولذا توجهوا إلى أوروبا.
ورأى أنه لم يكن متوقعا أن يتعرض الاتحاد الأوروبي للخطر بسبب أزمة لاجئين، وتحاول بعض دول الاتحاد الأوروبي الآن والمفوضية الأوروبية تحديد حصة دول الاتحاد الأوروبي من اللاجئين استنادا إلى الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، وحجمها إلى جانب معايير أخرى، وقد رفضت بعض الدول هذه الاقتراحات وقبلتها دول أخرى.
انقسام أوروبي حول أزمة اللاجئين
ويذكر أن بعض حكومات شرق أوروبا رفض اللاجئين في حين رحبت به شعوبها. ويستند هذا التقييم على السياسات وليس على النوايا الحسنة والسيئة، ويمكن أن يعزى ذلك إلى التاريخ والتنمية الثقافية الخاصة بدول شرق أوروبا في مقابل غرب أوروبا.
وأكد "إن الأزمة التي واجهها الاتحاد الأوروبي خلال أزمة اليونان الأخيرة ومن بعدها أزمة اللاجئين قد أظهرت وجود مشكلة حقيقية في النظام الدولي، والمشكلة أبعد من أزمة لاجئين".&
مشكلة اقتصادية وسياسية
وطبقا لعوض فإن الوضع أكثر تعقيدا من أن نقوم بتعميم المشكلة، "على سبيل المثال فرّ نحو171،000 لاجئ إلى المجر يمثل السوريون 39 بالمئة منهم، أي أقل من نصف عدد اللاجئين ما يعكس أنها مشكلة أمنية لهذه الدول. "فبعضهم لاجئ لهذه الدول من أفغانستان والعراق ومن دول البلقان الأخرى، لذا يجب أن نعترف بأنهم يمثلون مشكلة اقتصادية وسياسية لهذه الدول".
وأوضح عوض أن أوروبا تواجه مشكلات خاصة بسياسات الدمج، على عكس كندا على سبيل المثال، حيث "يعيش اللاجئون في معزل مع ارتفاع معدلات البطالة بينهم، ونحن نأمل أن تعيد هذه الدول النظر في هذه السياسات، لمصلحة كلا الطرفين".
الكفاح في زمن الحرب
وأوضح د.هاني هنري، أستاذ مساعد علم النفس في الجامعة الأميركية في القاهرة، ود.ماركو بينفاري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة أن الزيادة في عدد اللاجئين يمكن تفسيرها بوصول الكثير من المواطنين إلى حالة من العجز المكتسب، بعد خمس سنوات من الكفاح في البلد الذي مزقته الحرب، وقال "من المرجح أن السوريين الذين خرجوا من بلادهم وصلوا إلى استنتاج مفاده أن لا أمل ولا تغيير قادم، وعلى الصعيد الآخر يجدون بعض الدول مثل ألمانيا ترحب باللاجئين، وتمنحهم الأمل في حياة أفضل لهم ولأبنائهم".
ضرورة التأهيل النفسي
وأشار د.هنري إلى أن التأهيل النفسي للاجئين لا يقل أهمية عن توفير المأوى والغذاء، لأنه مسؤولية إنسانية يتعين على الدول المضيفة القيام بها لمساعدة اللاجئين على العودة إلى حياتهم الطبيعية. "إن الأطفال عادة ما يتكيفون أفضل من آبائهم، ما قد يؤثر&في وحدة الأسر. لذا فإن السؤال هنا هو هل وضعت البلدان المضيفة في الاعتبار ثقافة اللاجئين وديانتهم؟ يعاني الأطفال اللاجئون صدمات نفسية، فهل استعدت هذه الدول لهم لإعادة تأهيلهم؟ فإذا لم يحدث هذا فمن المرجح أن يتحول هؤلاء اللاجئون إلى قنابل موقوتة في هذه البلدان".
أزمة أوروبا الاقتصادية
وأكد د.ماركو بينفاري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة أنه يجب ألا نغفل الصورة الأشمل، وهي أن أوروبا خرجت للتو من أزمة اقتصادية حيث تضررت دول المنطقة الجنوبية وهي اسبانيا وايطاليا واليونان بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية، والآن هم في الخط الأمامي للهجرة من البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف بينفاري "عندما نفكر في رد فعل ايطاليا واسبانيا والمملكة المتحدة وألمانيا، لا ينبغي لنا أن ننسى أن أحزاب اليمين المحافظ واليمين في أوروبا قد استفادت من الأزمة الاقتصادية لدعم موقفهم غير الموافق للاجئين وبالأخص المهاجرين لأسباب اقتصادية، ما يسلط الضوء على البيئة السياسية الداخلية المعقدة في أوروبا.
وشدد بينفاري على أن هناك مواقف سياسية مختلفة ونقاشا سياسيا يدور الآن بين العديد من الأحزاب التي تتغير مواقفهم تبعا لما يوافقهم سياسيا".
وتساءل عن الخط الفاصل بين مفهوم اللاجئين الذين فروا من البلاد خوفا من الاضطهاد أو التهديد النفسي وبين المهاجرين الاقتصاديين، لأن اللاجئين يتمتعون بوضع أفضل من المهاجرين لأسباب اقتصادية.
وقال "إن الخطوط ليست واضحة لأن هناك المزيد من الدعم في أوروبا الآن لمساعدة اللاجئين السوريين، ولكن لا يوجد دعم الهجرة لأسباب اقتصادية".
التعليقات