يستمع آلاف العراقيين الذين باتوا يغامرون بكل شيء للانتقال الى تركيا ومنها نحو اوروبا، بحثًا عن حياة افضل، إلى الناجين من رحلات الموت، فصاروا يقبلون على شراء سترات النجاة& قبل بدء رحلتهم المحفوفة بالمخاطر.


بغداد: يقف الشاب العراقي علي صدام خارج متجر لبيع التجهيزات الرياضية في بغداد، ينتقي سترة نجاة برتقالية اللون مزودة صفارة، التزامًا بنصيحة اصدقاء سبقوه في رحلة محفوفة بالمخاطر للهجرة بحراً نحو اوروبا.

وصدام هو واحد من آلاف العراقيين والسوريين الذين باتوا يغامرون بكل شيء للانتقال الى تركيا ومنها نحو اوروبا، بحثا عن حياة افضل. ويقبل العديد من العراقيين على شراء سترات النجاة في بغداد، قبل بدء رحلتهم المحفوفة بالمخاطر من الساحل التركي الذي يبعد 1500 كلم.

في شارع الرشيد المعروف بمتاجر التجهيزات الرياضية، يستعيد صدام ذو اللحية الخفيفة الظروف القاسية التي عرفها منذ ولادته في 1990، العام الذي شهد اجتياح نظام الرئيس الاسبق صدام حسين الكويت، وما تلاه من اعوام الحصار الدولي حتى الاجتياح الاميركي في 2003، ودخول البلاد من بعده في دوامات متتالية من العنف، أحدثتها سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على مساحات واسعة من البلاد في حزيران/يونيو 2014.

ويقول صدام لوكالة فرانس برس "اريد ان اهاجر الى أي مكان احسن من هذا البلد (...) الى اوروبا، اليونان، المانيا".

يضيف "اي بلد. المهم اطلع من العراق لان العراق لا عيشة (حياة) فيه"، مؤكدًا ان "لا امان في العراق (...) ولا وظيفة للشاب".

سبق صدام للهجرة خمسة من اصدقائه، قدموا اليه نصيحتين: اللحاق بهم، والتزود بسترة نجاة تفاديًا لحوادث غرق المركب الذي ينقله من تركيا.

ويقول عنهم "هاجروا بالبحر عن طريق تركيا (...) بعضهم لم يأخذوا نجادة (سترة نجاة)، بعضهم احتاجوا اليها".

يضيف "قالوا لي تعال"، وانه من الضروري "ان تحضر معك نجادة عندما تعبر (...) اهم شيء النجادة"، موضحاً ان ثلاثة من اصدقائه كانوا يعرفون السباحة من قبل، الا ان اثنين منهم تعلماها قبل الهجرة.

وفي حين يقدر بعض التجار بان سعر سترة النجاة في تركيا قد يصل الى مئات الدولارات، الا ان سعرها في العراق لا يتجاوز 20 دولارًا.

وباتت سترات النجاة حاجة اساسية للمهاجرين نحو اوروبا، اذ ان العديد من القوارب التي تنقلهم تعرضت لحوادث غرق. وقال ناجون إن المهربين يمتنعون عن تزويدهم بها، او يقدمون اليهم عددًا اقل مما يحتاجونه.

ويشكل العراقيون نسبة كبيرة من الاعداد المتزايدة للمهاجرين نحو اوروبا في الاشهر الماضية. وبحسب ارقام منظمة الهجرة الدولية، وصل اكثر من تسعة آلاف عراقي الى اليونان في الفترة بين كانون الثاني/يناير ونهاية آب/اغسطس، ما يجعل منهم خامس مجموعة بحسب الجنسية.

وفقد اكثر من 2800 شخص حياتهم في البحر المتوسط خلال 2015، بينهم اكثر من 380 من الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بحسب المنظمة.

لا يشكل صدام استثناء بين العراقيين الساعين الى الهجرة، اذ يقول تجار التجهيزات الرياضية ان الطلب على سترات النجاة ارتفع بشكل ملحوظ هذه السنة مقارنة بالعام الماضي، وبلغ مستويات غير مسبوقة.

ويقول جواد توفيق الذي بدأ العمل في تجارة التجهيزات منذ 30 عامًا، "صار سحب (طلب) كثير على النجادات (...) السنة اكثر شيء".

امضى توفيق اكثر من 15 عامًا في هولندا قبل ان يعود الى العراق في العام 2006، ويعتمد على تجربته في الغربة لينصح الشباب بعدم تكرارها.

ويقول "الشاب يفكر انه عندما يهاجر يلقى حياة كريمة وعملاً (...) لكن بشكل عام أنصح الشباب الا يسافر. ما هو مستقبله هناك؟".

يضيف "ابن البلد (العراقي) الذي يعيش في اوروبا، لا عمل لديه".

ويحاول آخرون ثني الشباب العازمين على الهجرة بطريقة اخرى.

ويوضح عامر الذي يعمل في متجر للألبسة الرياضية "اقول لهم إن السترات التي نبيعها غير مضمونة" لأنها مصممة للانهر او برك السباحة.

يضيف: "بعضهم يستجيب لكلامي وبعضهم لا"، مشيراً الى ان بيع سترات النجاة ارتفع بنسبة 60 بالمئة عن العام الماضي.

ويؤكد انه "لم يرَ ذلك (الاقبال)" من قبل، مضيفا أن الشراة معظمهم شبان.

وبينما يقبل كثيرون على شراء السترات قبل رحلة الهجرة، يعمد آخرون، لا سيما من الفتية، الى تعلم السباحة.

عند ضفاف نهر دجلة في منطقة الشواكة وسط بغداد، يؤشر علي مهدي علوان (52 عامًا) لمجموعة من الفتية يلهون في النهر، قائلا "هؤلاء هم المجموعة الثانية، وعائلاتهم تنتظر" السفر.

ويوضح ان المجموعة الاولى التي علمها السباحة بلغ عدد افرادها 15 شخصًا، مشيرا الى انهم جميعا غادروا البلاد نحو اوروبا.

يضيف لفرانس برس بعدما اعطى توجيهاته لفتى يبلغ من العمر ثماني سنوات بالسباحة بعرض النهر "السباحة تفيدك في كل شيء، بالحروب تفيدك، بالسفر تفيدك، في أي مكان تفيدك".