يلفت خبراء إلى قلة الدراسات المنجزة بشأن اسباب حوادث التدافع المميتة، مع تأكيدهم على اعتبار هذه الحوادث من فئة الكوارث البشرية.
إيلاف: يشهد عصرنا الحالي، بحسب الخبراء، حالات احتشاد عظيم اكثر من أي وقت مضى. فبفضل التكنولوجيا وسرعة نقل المعلومات والتفاعل معها، صار البعض يطير سريعًا من مكان إلى آخر لحضور مناسبة موسيقية أو مهرجان سينمائي أو حتى للمشاركة في تجمع سياسي ما. وعملية الاحتشاد هذه تثير مخاوف من أن تتحول في لحظة ما إلى كارثة حقيقية، تمامًا كما حدث الخميس الفائت في مكة المكرمة أثناء احتشاد الحجاج على مشعر منى في موسم حج هذا العام، حيث فقد المئات حياتهم واصيب مئات آخرون، من دون أن يعرف حتى الآن السبب الحقيقي وراء هذه المأساة.
كارثة إنسانية
وبحثًا في سبب تحول طقس ديني سنوي كالحج إلى كارثة، يقول خبراء ومختصون في ادارة الحشود اولًا أن الدراسات تركز في العادة على كيفية تجنب مثل هذه الحوادث، من خلال منع تجمع أعداد بشرية هائلة في أماكن ضيقة، لكنهم يلاحظون أيضًا أن هذه الاجراءات غير مجدية بعد بدء عملية التدافع والتزاحم، مع إقرارهم بقلة الدراسات التي اجريت بشأن ما يمكن أن يقوم به المسؤولون ما أن يبدأ التدافع.
رأى ادبيرت هسو، الاستاذ المشارك في طب الطوارئ بجامعة جونز هوبكنز في ماريلاند، أن على منظمة الصحة العالمية إدراج هذا النوع من الحوادث ضمن فئة الكارثة الانسانية الحقيقية، وأن تتفق مع الحكومات والسلطات المحلية على ارسال شخص ما إلى مكان حدوث الكارثة لمعرفة اسباب حدوثها منذ البداية، مشيرًا في حديثه لصحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى أن السلطات تهتم اولًا بالجرحى، ثم بالقتلى، ولا تحقق في الحادث إلا لاحقًا، الأمر الذي يشكل خللًا في المعادلة، لأن المعلومات تتغير بعد حين من شخص إلى آخر.
هكذا تحصل الحادثة
ورأى ج. كيث ستل، الخبير المختص بتحليل سلامة الحشود، أنه من الافضل تسمية حوادث التدافع بـ "حوادث تصادم لأن الامر يتعلق عادةً بتصادم بين مدين متحركين في اتجاهين متواجهين في مكان ضيق".
أضاف: "تحدث هذه الحالة عادة على الشكل الآتي: يسير حشد في اتجاه واحد، ومَن يسير في الخلف يظن أن من يسير في المقدمة سيستمر في السير إلى الامام، فإن وجد من في المقدمة انفسهم امام عائق فقد يستديرون عكسيًا، ويحاولون السير ضد المد المتقدم من خلفهم، وهنا تقع المشكلة حيث يؤدي الضغط من الخلف ومن الامام إلى سحق من في الوسط ثم إلى سقوطهم، وبعدها تبدأ حالة الخوف الجماعي".
ضغط وادرينالين
وبحسب ستل، لا تبدأ هذه الحالات بسبب حالة خوف، "بل بسبب ضغط الاجساد احدها على الآخر، ما يؤدي أحيانًا إلى انهيار الجسم، والسبب هنا اجهاد بدني بحت وليس سلوكًا بشريًا".
يقدم ستل مشورته حول طريقة تحرك الحشود في الحج مثلا، وسبيل ادارتها، وهو اقر بأنه من الصعب معرفة ما حدث الخميس الماضي في مكة، "غير أن التدافع لم يبدأ بسبب حالة خوف، بل بسبب حالة ضغط من جماعتين تسيران في اتجاهين متضادين،& هو السبب، وما أن تم تجاوز مرحلة البداية، صار مستحيلًا وقف تطور الامور، لأن جسم الانسان يفرز مادة الادرينالين وبعدها تبدأ حالة اللهاث، وتلك حالة طبيعية جدًا".
ولينقذ الانسان نفسه، يلجأ إلى التحرك في جميع الاتجاهات، فرارًا من الجموع، ويبدأ الخوف من الموت والسعي إلى تأمين السلامة بأي ثمن.
التعليقات