طوز خورماتو: يدفع البعض ممن يسكنون في الجانب الخاطئ من خط تماس وهمي يفصل بين الاكراد والتركمان في مدينة طوز خورماتو، شمال بغداد، ثمناً باهظا لاعمال العنف بين مقاتلين من الطرفين رغم معاداتهما لتنظيم الدولة الاسلامية.

اندلعت المواجهات بين التركمان والاكراد اثر خلاف على حاجز تفتيش في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. لكن ورغم توقف المعارك، لم تهدأ الأمور بين الجانبين لا بل ان الانقسام تعمق.

يقاتل الطرفان التنظيم الجهادي نفسه لكنهما يتنافسان على فرض نفوذهما في المناطق المتداخلة الى حد يصل احيانا الى المواجهة المسلحة بين الاكراد السنة الذين يتلقون الدعم من اقليم كردستان والتركمان الشيعة الذين يتلقون الدعم من بغداد.

احمد حسن مجيد (36 عاما) تركماني شيعي يعيش في منزل محاذ لحي معظم سكانه من الاكراد. وكان منزله بين اول المنازل التي احترقت خلال اعمال العنف ولم يبق منه اليوم سوى الجدران في حين انهار جزء من السقف. أما متجره الذي كان يبيع فيه ملابس العرائس، فلم ينجح في انقاذ سوى ثوب واحد منه.

ويروي احمد بحسرة وهو يشير الى الركام المتفحم "خسرت كل شيء" بعد ان انفق قرابة 260 مليون دينار (حوالى 218 الف دولار) لبنائه، وبات مرغما مع عائلته على الانتقال لمكان اخرى ليس فقط بسبب الدمار الذي لحق بالمنزل بل لانه بات الان يعتبر في "الحي الكردي".

على مقربة من المنزل، وضعت اعمدة خرسانية من مخلفات اعمال العنف في عرض الطريق لترسم الحدود بين الجانبين.

صعد احمد وهي يسير متعثرا بين امتعته المحترقة ليصل الى ما تبقى من السطح واشار بيده الى جدار اسمنتي بني حديثا لاغلاق شارع ورسم حدود بين المجموعتين وقال "هنا الاكراد وهناك التركمان".

بعد الاشتباكات، تبادلت عائلات كردية وتركمانية المنازل بين جانبي الحد الفاصل لتذهب كل واحدة منها للعيش وسط قوميتها، لتصبح احياء البلدة اليوم مقسمة عرقيا.

- ما من خيار اخر -

اما نهان بهاء الدين التركمانية فاختارت رغم كل شيء العودة للعيش في منزلها الكائن في الجانب الكردي.

تقول نهان (36 عاما) وهي استاذة في علم الاحياء "هذا خطر ولكن ليس امامنا خيار اخر (...) المقاتلون خلفوا كارثة وراءهم لكن ليس لدينا مكان اخر نأوي اليه".

ارغمت نهان من قبل للهرب وترك منزلها في الموصل ثاني مدن البلاد التي احتلها الجهاديون في حزيران/يونيو 2014.

ولدى عودتها الى منزلها في الحي الكردي، وجدت على جدران غرفة الاطفال وفي الممرات كتابات تقول "طوز خورماتو تنتمي الى كردستان".

انتشرت قوات البشمركة الكردية، في اطار الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية، في مناطق خارج اقليم كردستان الذي يتمتع باستقلال ذاتي، وسيطرت عليها ومن بينها طوزخورماتو، التي يسعى الاكراد الى دمجها بالاقليم.

لكن قوات الحشد الشعبي، وهي فصائل شيعية بينها قوات تركمانية تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية، تعارض هذا الامر.

ويدفع سكان طوز خورماتو، التي يسكنها 100 الف شخص وتسيطر عليها قوات من الميليشيا الشيعية واخرى من البشمركة الكردية، ثمن هذا الصراع على النفوذ.

- استهداف اكثر من 100 منزل -

تازمت الامور بين الطرفين اثر حادث عند حاجز تفتيش في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، الامر الذي ادى الى اشعال فتيل الصراع .

واكدت مصادر تركمانية واخرى كردية تعرض حوالى 110 منازل وما لايقل عن 200 محل تجاري، يعود ثلثاها الى التركمان، الى احراق او تدمير في موجة العنف التي اعقبت الحادث.

كما قتل ما لا يقل عن عشرة تركمان وثمانية اكراد، وفقا لشلال عبدول احد المسؤولين المحليين الاكراد. واشعلت النار في مستشفى البلدة وقتل احد الجراحين، وفقا للمصدر.

واكد بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الانسان انذاك، استهداف مدنيين لاسباب قومية، واشار الى ان المهاجمين "قتلوا وخطفوا ودمروا ممتلكات دون حسيب او رقيب".

وبهدف تجنب تعرض ممتلكاتهم الى الحرق او التدمير، كتب كثير من التجار على ابواب محالهم كلمة "اكراد" ويمكن مشاهدة الكثير منها حتى الان.

ويمتد صراع النفوذ بين الاكراد والتركمان الى ابعد من طوز خورماتو، فقد ندد مسؤولون تركمان هذا الاسبوع بقيام الاكراد بحفر خندق كبير يقسم العراق منالشرق الى الغرب.

ويقول المسؤولون الاكراد ان الغرض من الخندق هو منع هجمات تنظيم الدولة الاسلامية التي تستهدف اقليم كردستان، لكن التركمان يؤكدون انه يهدف لتوسيع اقليم كردستان.