الرباط: أظهر استفتاء طرحته "إيلاف المغرب " ضمن سلسلة استفتاءاتها بخصوص مجريات الشأن السياسي والاجتماعي المغربي ، أن المستجوبين كانوا معتدلين في الحكم على السلطات المغربية بخصوص سؤالهم عن كيفية معالجتها للحادث المفجع الذي أدى إلى وفاة المواطن محسن فكري ، تاجر السمك بمدينة الحسيمة (شمال البلاد).

وحملت نسبة 58 في المائة من المستجوبين السلطات المغربية مسؤولية ما وقع بالشكل التراجيدي الذي اثار تعاطفا عارما في الداخل والخارج مع الضحية.

واعتبرت النسبة منطقية بالنظر إلى الشحن العاطفي الذي قامت به ضد الدولة ، منذ اللحظات الأولى ، شبكات التواصل الاجتماعي والجمعيات الحقوقية والناشطون والفضوليون المزايدون الذي كالوا للسلطات المغربية إشكالا من الاتهام و النقد العنيف خرجت أحيانا عن حدود التعاطف الإنساني المشروع والحق في المطالبة بإنصاف الضحية .

وسجلت "إيلاف المغرب"عقب نشرها صيغة سؤال الاستفتاء أن عددا مرتفعا من المستجوبين مالوا قبل اتضاح الأمر ، بكيفية تلقائية إلى تحميل الدولة مسؤولية الحادث بل تجاوزت النسبة خلال الأيام الأولى عتبة التسعين في المائة ، لكنها أخذت في التراجع مع توالي الأيام لتستقر عند 58 في المائة قالوا نعم ، و 32 في المائة أجابوا بلا أي أنهم يبرئون السلطات من المسؤولية المباشرة أو المتعمدة من دون إعفائها من التقصير ، في حين اكتفى 10 في المائة بالتعبير عن عدم درايتهم وتحفظهم في الجواب بالنفي أو التأكيد.

وبإضافة النتيجة الأخيرة 10 في المائة إلى نسبة الذين مالوا إلى تبرئة الدولة من ما وقع ،فإن الفارق بين النتيجتين يظل في حدود 10 في المائة ، مع الإشارة إلى نسبية الاستطلاع يقصد منه أساسا إبراز المؤشر العام لموقف الرأي العام المغربي حيال قضية راهنة غير عادية.

ويبدو أن عدة عوامل ساهمت في تخفيف الضغط على السلطات ، بينها الموقف الحازم الذي اتخذه الملك محمد السادس الذي أصدر توجيهات صارمة ، بمجرد علمه ، بإجراء تحقيق نزيه في الحادث وإنزال العقاب الشديد بمن ثبت تسببه في الحادث الدرامي غير المسبوق في تاريخ الحوادث المؤلمة في المغرب ، حين أرتمى بائع السمك الراحل على حاوية الأزبال، متشبثا ببضاعته التي صودرت منه ،بموجب قانون يمنع اصطياد ذلك الصنف من السمك في فترة الراحة البيولوجية . وحدث ان ضغط مجهول على محرك الحاوية ،من خارج مقصورة القيادة ، بينما كان الضحية بين كمشتي الآلة فحدثت المأساة على مرأى من الحاضرين وهم عاجزون عن التدخل.

ولم ينتظر المتعاطفون مع الراحل،محسن فكري، النتائج الأولية للتحقيق الذي باشرته السلطات القضائية والأمنية ليلة الحادث ، بل اندلعت مظاهرات تلقائية في عدد من المدن المغربية في شمال وجنوب البلاد. ولوحظ أن التظاهرات والاحتجاجات، لم تخرج عن طابعها السلمي والتضامن العاطفي كما أن السلطات الأمنية ، بتوجيه من الدوائر عليا ، تجنبت اعتراض المتظاهرين أو الاحتكاك بهم حرصا على عدم تأجيج الموقف وتصعيد الوضع، وظلت مرابطة تراقب الموقف من دون تسجيل أي حادث مخل بالأمن العام .

وشكلت الاحتجاجات التي عمت أنحاء المغرب ، اختبارا لوعي المواطنين وسرعة تمييزهم بين الحادث المتعمد وبين الخطأ غير المقصود الذي تسبب في هلاك الضحية بصورة محزنة . وهكذا طالبت الأصوات والشعارات المرفوعة ، بإحقاق الحق وتحديد المسؤوليات حتى لا يتكرر مثل ذلك الحادث.

ومن العوامل التي ساهمت في تهدئة الأجواء المحتقنة ، الموقف النبيل لعائلة الضحية ، فقد نقل عن والده أن مصلحة الوطن هي فوق كل اعتبار بالنسبة إليه رغم أنه نكب في فلذة كبده . هذا الموقف المفهم اسكت كثيرا من المزايدين ،من أرادوا استغلال نكبة أسرة لتحويلها إلى فتنة تعم البلاد أو خدمة أجندة سياسية .

لكن التعاطف العارم مع أسرة الضحية الذي رفعه كثيرون إلى مرتبة "الشهيد" سيصبح أي التعاطف رادعا أمام أي تقصير في تحقيق معمق ونزيه في النازلة ، وربما سيكشف أوضاعا فاسدة تسود في بعض المرافق الاقتصادية بالمغرب ،تقف وراء ما وقع في مدينة الحسيمة .