الرباط: في حلقة جديدة من مسلسل شد الحبل بين الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ( مرجعية إسلامية) وشباب الحزب النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبصفة خاصة"فايسبوك"، أصدر الحزب مذكرة تهدف لضبط تناول القضايا التنظيمية واستعمال اسم الحزب ورمزه في فضاءات التواصل الاجتماعي من قبل الأعضاء.
التدوين ممنوع باسم الحزب
وتضمنت المذكرة، التي أصدرها الحزب عقب اجتماع أمانته العامة الثلاثاء نقاطا مهمة لتحديد القواعد والضوابط الواجب مراعاتها في مجال استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وتدبير التواصل والنقاش عبرها في ما يتعلق بالشأن الحزبي، الأمر الذي اعتبره الكثيرون محاولة جديدة للتضييق على شباب الحزب وتكميم أفواههم
وأكدت المذكرة التي حصلت "إيلاف المغرب" على نسخة منها، على أن المكان الطبيعي للتداول في الشؤون الحزبية هو مؤسسات الحزب وهيئاته المسؤولة، وذلك وفق الاختصاصات المخولة لكل هيئة من هيئاته المركزية أو المجالية أو الموازية، كما شددت على أنه "لا يحق لأي عضو في الحزب أن يقوم بمبادرة منه أو باتفاق مع مجموعة من الأعضاء من مناضلي الحزب أو غيرهم من خارج الهيئات المسؤولة، أن يؤسسوا فضاء تواصليا موسوما بعلامة الحزب "PJD" أو رمزه".
وأشارت المذكرة التي وقعها عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إلى أن حرية التعبير مكفولة لعموم الأعضاء "لهم أن يعبروا عن آرائهم الحرة ضمن حساباتهم الالكترونية الخاصة، وذلك في إطار مبادئ الحزب وثوابته، وفي احترام للضوابط الأخلاقية وآداب الحوار والنقاش، مع مراعاة الضوابط التنظيمية"؟.وأكدت أن "أي إخلال بالضوابط المنصوص عليها في أنظمة الحزب وقراراته التنظيمية يفتح المجال للمتابعات الانضباطية طبقا للمساطر الحزبية الجاري بها العمل"وهو ما يمثل تهديدا مباشرا من قيادة الحزب للشباب الذين أصبحوا يحرجونهم مع حلفائهم وخصوم.
ردود غاضبة
وأثارت المذكرة، موجة من الردود والانتقادات الغاضبة من طرف شباب حزب العدالة والتنمية، الذين عبروا في حساباتهم بموقع "فيسبوك" عن مواقفهم من مذكرة ابن كيران وإخوانه في الأمانة العامة، حيث علق حسن حمورو، أحد مرشحي اللائحة الوطنية للشباب في انتخابات 7 اكتوبر الماضي، "يوم تُمسّ الحرية داخل حزب العدالة والتنمية سينتهي...!"، وأضاف "الأحزاب السياسية فضاءات للنقاش الحر ولتبادل الآراء وإنتاج الأفكار... ولا نقاش ولا آراء ولا أفكار بدون حرية... والحرية كلّ لا يتجزأ .. ما يضمن ممارستها دون أضرار مُصاحبة هو المسؤولية.. والمسوؤلية يبنيها الوعي وليس القرارات والمذكرات"، في انتقاد واضح للمذكرة.
أما عبد الصمد بنعباد، أحد النشطاء البارزين في الفضاء الأزرق، فعلق بدوره على المذكرة التي أثارت جدلا في أوساط شباب حزب ابن كيران، قائلا "الأحبة الذين يقولون إن هدف المذكرة هو معالجة مشكل "منتحلي" صفة الحزب ورمزه.. الحل بسيط جدا، يمكن أن تراسلوا إدارة فيسبوك، وتخبروها بالحسابات التي تستغل اسم الحزب ورموزه.. وهي تتحمل مسؤولية إغلاق تلك الحسابات"، وزاد مخاطبا قيادة الحزب "لا تغضبوا عندما يقول لكم الشباب: للأسف أنتم بعيدون عن فهم التحولات المجتمعية السيارة، وبالطبع عاجزون عن فهم النفس الذي تشتغل به وسائط التواصل الاجتماعي، أرجوكم لا تورطوا أنفسكم في أشياء لا تفهموها".
بدوره تفاعل الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بالرباط، هشام الحرش، مع المذكرة، وعلق على صفحته متهكما "القاعدة الجديدة في حزب العدالة والتنمية: الرأي حر والتدوين ممنوع"، في انتقاد واضح منه لما ذهبت إليه قيادة الحزب في المذكرة، كما تفاعل مصطفى الفرجاني، الرئيس الأسبق لمنظمة التجديد الطلابي مع الموضوع وعلق في صفحته بفيسبوك "تماسك ووحدة التنظيم الحزبي لاتبنى بالقرارات الانضباطية ابتداء...ولكن بنقاش فكري عميق تسري في ثنايا الجسم الحزبي وبعيدا عن اللحظات الانتخابية.. بمعنى واجب تفعيل التأطير الحزبي الداخلي...ومٲسسة الحوارات الداخلية بشكل دائم وغير مستقر....لتبقى القرارات الانضباطية والتأديبية آخر الحلول".
انزعاج واستجابة للضغوط
وفي قراءته لتوقيت إصدار المذكرة وخلفياتها، يرى إسماعيل حمودي، الصحافي والباحث في العلوم السياسية، أن المذكرة تعكس "انزعاج قيادة حزب العدالة والتنمية من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه من الناشطين على فيسبوك"، خاصة، "الذين ينشؤون صفحات تحمل اسم الحزب وهويته البصرية وتبث مواقف إما لا تساير التوجه العام للحزب أو تهاجم حلفاءه وحتى خصومه بطريقة حادة أحيانا".
واضاف حمودي، في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أن المذكرة من جهة أخرى، تمثل استجابة لما سماها "ضغوطا تمارسها جهات في الدولة وفي الأحزاب" على قيادة حزب العدالة والتنمية، مسجلا أن الهجوم على المحيط الملكي أو توجيه نقد حاد لقيادات أحزاب مثل عزيز أخنوش اخيرا ، "لا شك أنه يستغل ضد قيادة الحزب، خصوصا وأن تقارير نشرت في الإعلام تحدثت عن وجود توجيهات معينة في هذا الصدد".
كما اعتبر حمودي أن المذكرة المذكورة، تعبر عن "مأزق وأزمة حوار ونقاش داخل حزب العدالة والتنمية"، حيث لاحظ المتحدث أنه في السنوات الأخيرة "كلما توغل الحزب في قضايا التدبير والشأن العام تراجعت داخله فضاءات النقاش والحوار"، مبرزا أن "فيسبوك أصبح فضاء مفضلا لتصريف المواقف والآراء، سواء المؤيدة للخط السياسي للأمين العام ابن كيران أو التي تعترض عليه".
ولفت حمودي، في التصريح ذاته، إلى أن كل تضييق أو إهمال أو حتى تأخير داخل مؤسسات الحزب أصبح "يجد له متنفسا داخل فيسبوك"، وأردف قائلا "هذا مأزق حقيقي لا أرى أن قيادة الحزب قادرة على التحكم فيه بواسطة المساطر بل يحتاج إلى الحوار والنقاش الجدي"، حسب المتحدث.
ومن شأن المذكرة الجديدة، أن تعيد للواجهة الخلاف الذي تفجر في وسائل التواصل الاجتماعي بين ابن كيران وأتباعه من النشطاء الشباب، بعدما كان قد وصفهم في المجلس الوطني للحزب قبل أسابيع بـ"الصكوعة" و"المداويخ".
التعليقات