مراكش: تفاعل المغاربة، هذه الأيام، بشكل ملحوظ، مع زيارة جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، لبلادهم. ووقفت وراء هذا التفاعل أسباب يتعلق بعضها بمستقبل الكون والبشرية، وأخرى ببعد محلي؛ حيث أخذ التفاعل منحيين: الأول، همّ التعرف على وجهة نظر المسؤول الأميركي، من داخل مؤتمر المناخ بمراكش، عن آخر مستجدات الموقف الأميركي بصدد "اتفاق باريس"، خصوصاً بعد الموقف الذي عبر عنه دونالد ترامب، الرئيس المنتخب، خلال حملته، والتي وصف فيها قضية التغيرات المناخية بـ"الخدعة"، واعداً بالتراجع عن الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر الجاري. فيما تعلق الثاني، بنشر السفارة الأميركية بالرباط، على صفحتها بـ"فيسبوك"، لأربع صور من مراكش، بينها صورتان تظهران جون كيري في أسواق مراكش، حيث كان بصدد اقتناء مصنوعات تقليدية، شملت، في ما يظهر، اقتناء زربية، في إحداها، وشراء تذكارات عائلية، في صورة ثانية، وذلك على هامش مشاركته في مؤتمر الأطراف حول التغيرات المناخية (كوب 22).
إعجاب أميركي
أرفقت السفارة الأميركية صورتي جون كيري، وهو بصدد التسوق من مراكش، فضلاً عن صورتين للسفير دوايت بوش، يبدو في الأولى منبهراً بمصنوعات تقليدية مغربية، وفي الثانية، في حديث مع فاطمة مروان الوزيرة المغربية في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بتعليق، جاء فيه: "الجميع معجب بالصناعة التقليدية المغربية، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والسفير بوش. تعمل وزارة التجارة الأميركية ووزارة الصناعة التقليدية المغربية لمد العون للصناع التقليديين، في إطار اتفاقية التبادل الحر. إنه واحد من نتائج اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والمغرب، الذي يعرف مزيداً من التعاون والتبادل بين البلدين".
وإذا كان كلام جون كيري، أمام مؤتمر المناخ، قد طمأن، إلى حد ما، الرأي العام الدولي، والغيورين على مصير الكوكب والبشرية، على حد سواء، بعد أن أعلن، أمام المشاركين، أن بلاده ماضية في تحقيق أهدافها المناخية، ولا يمكنها العودة عن التزاماتها في هذا المجال، فقد دفعت صورتا جون كيري وهو في أسواق المدينة الحمراء، فضلاً عن صورتي السفير بوش، بعدد من المغاربة إلى التفاعل معها، بالعربية والإنجليزية والفرنسية، بمضامين فيها شيء من روح النكتة، وكثير من الحرص على مزيد من تمتين العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة. وهكذا، ففيما دعا أحدهم جون كيري إلى "معاودة زيارة مراكش"، كتب آخر: "المغرب حليف استراتيجي للولايات المتحدة، تجمعه معها مصالح متعددة، وعلى الطرفين إعادة الدفء للعلاقات، بعدما عرفت ركوداً في الآونة الاخيرة". فيما كتب آخر: "فقط، لنتذكر. كان المغرب أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة، في 1776".
تميز مغربي
تعتبر الصناعة التقليدية من أبرز علامات تميز الحضارة المغربية، خاصة وأنها تخدم التوجه السياحي للبلد، فيما تبرز غناه وتنوعه، كما تساهم في اقتصاده وتشكل مورد عيش لملايين الحرفيين والتجار. كما تشكل مرآة تعكس تراثاً متميزاً وقيماً ثقافية وإنسانية مهمة، ترتبط بتاريخ وعادات المغاربة، القائمة، أساساً، على تمازج متبادل بين مختلف مكوناته وروافده.
مفارقة
لعل من المفارقات الكبرى، التي يمكن التوقف عندها، أن الأجانب، سواء كانوا سياحاً أو مقيمين، هم من كان لهم فضل دفع المغاربة إلى "إعادة اكتشاف" صناعتهم التقليدية، من جديد، بعد أن صاروا (خاصة المقيمون الأجانب) يؤثثون لإقاماتهم، سواء كانت فللا، شققاً أو دوراً قديمة أعيد ترميمها، بديكورات من تراث البلد وتاريخه وصناعته التقليدية، حيث الأثاث التقليدي يوحد شكل وجمالية المسكن، سواء عبر الفناء أو الصالون أو بيت النوم أو المطبخ والحمام البلدي، أو عبر لوحات تشكيلية، غالباً ما تعيد رسم معالم بعض المدن بالريشة وزيت الصباغة، وذلك حتى تأتي متناسقة مع المناخ العام للمسكن، وبالتالي مع باقي قطع الأثاث والإكسسوارات، التي يحيل تناسقها إلى رؤية معينة للديكور، كل هذا في علاقة بالزليج البلدي (البلاط) والزرابي التقليدية (السجاد) وأضواء الفوانيس.
إعادة اكتشاف
يبدو كثير من المغاربة، ممن جذبهم، في السابق، اغراءء التحديث وبريق عمارة الغرب، بأشكال ديكوره وأثاثه، كما لو أنهم كانوا في حاجة إلى الأجانب لكي يتذكروا ما يوفره لهم تاريخ وحضارة بلدهم من غنى وسحر في العمارة، ولكي يعيدوا اكتشاف صناعة تقليدية مغربية صار يتهافت عليها الأجانب بشكل لافت. ولذلك كان مفارقاً ومدعاة لتعجب واستغراب الأجانب، أن يترك المغاربة ما توفره الصناعة التقليدية من مصنوعات فخارية وخزفية وجلدية وستائر وكراس وأرائك وزراب، ويتهافتوا على مصنوعات عصرية، تبدو "باردة الطعم".
ويقر عدد من الحرفيين بالفضل الذي كان للأجانب، على مستوى إعادة الاعتبار للصناعة التقليدية المغربية، الشيء الذي شجع الصانع التقليدي المغربي ودفعه إلى تطوير مصنوعاته.
انتعاش صناعة
تحمل حالة الانتعاش، التي تعرفها الصناعة التقليدية المغربية، أكثر من معنى وإفادة، فهي، من جهة، تجعل ابن البلد مرتاحاً، قانعاً ومفتخراً بماضيه وغنى حضارته، فضلاً عن أنها، من جهة ثانية، تمنح الزائر أو المقيم الأجنبي فرصة اكتشاف أشكال جديدة للباس والعمارة والديكور.
ونظراً للقيمة التي صارت للصناعة التقليدية، سواء على مستوى الرواج الاقتصادي أو الترويج لصورة المغرب، سياحياً وثقافياً، فقد صارت تنظم تظاهرات متخصصة تعرف إقبالاً كبيراً من طرف المغاربة والأجانب.
التعليقات