نزح أكثر من 70 ألف مدني منذ بدء الحكومة العراقية حملة عسكرية قبل 6 أسابيع بهدف استعادة السيطرة على مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية. وانتهى المطاف بالكثير من العائلات في مخيم "حسن شام"، حيث ترصد آنا فوستر، من بي بي سي، معاناة النازحين. إنها صورة مرعبة لطفلين نحيفين يرقدان على فراش، ولا يكسو عظامهما سوى الجلد، بينما تبرز مفاصل الركبة والأضلاع بكل قسوة. تقول والدة الطفل الأصغر إنه لا يتجاوز العامين. ويحوم ذباب طنان ببطء حول الطفل، ثم يقف على وجهه وهو لا يستطيع إبعاده. وعندما يبكي الطفل يكون الصوت خافتا وضعيفا ومن الصعب سماعه. وبجانبه يرقد شقيقه البالغ من العمر تسع سنوات، لكنه يبدو كطفل لا يتجاوز نصف هذا العمر، إذ يغطي الحفاض فخذيه وساقيه بشكل مؤلم. لقد وصل الطفلان إلى هنا قبل أربعة أيام بعد الهروب من معركة الموصل. وقبل خمسة أسابيع، لم يكن المخيم الذي يؤيهما موجودا من الأساس. على التلال المحيطة بالمخيم توجد منازل منهارة دمرتها غارات جوية لقوات التحالف التي انهالت على القرية بكل قوة. كانت القرية أحد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، ويعتقد أن ما يقرب من 400 قروي انضموا للتنظيم في وقت سابق قد قتلوا خلال المعارك. ينمو المخيم بوتيرة مذهلة، فقد استقبل 47 ألف شخص فروا من منازلهم في الموصل وما حولها نتيجة المعارك العنيفة بين القوات الخاصة العراقية والتنظيم. ويزيد هذا العدد بنحو 3000 شخص كل يوم. وتصطف خيام بيضاء على مرمى البصر. وتمتد طوابير الوافدين الجدد كل يوم للحصول على الأغذية والصابون ومعجون الأسنان. ويروي القادمون الجدد حكايات مروعة عن الحياة داخل الموصل وعمليات قطع الرؤوس في الشوارع أمام أعين الأطفال، ومناهج الدراسة التي تحولت من التاريخ والجغرافيا للقتال والبنادق. ويصف كثيرون كيف باعوا كل ما لديهم من أجل شراء المواد الغذائية، وكيف كافحوا من أجل الحصول على وظيفة بعدما قرر تنظيم الدولة الإسلامية أن لا عمل لهم. ووصفت إحدى العائلات كيف باعت أثمن وآخر ما لديها - خاتم الزوجة - لشراء الطعام. ويعد نقص الغذاء مشكلة كبيرة هنا، ووجود الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بشكل واضح يثير العديد من الأسئلة المهمة. هل هذه حالة فردية رغم أنها ما فيها من معاناة؟ هل هؤلاء الصبية الصغار يعانون من مشكلة صحية غير معروفة أدت إلى مرضهم بهذا الشكل الرهيب؟ تصر والدة الطفل على أن الطفلين كانا بصحة جيدة، لكن مرور شهر كامل بدون طعام جعل كلا منهما أشبه بهيكل عظمي. وأشارت إلى أنه على الرغم من نقلهما إلى المستشفى، ثم إلى قادة تنظيم الدولة الإسلامية حتى يروا حالتهما الخطيرة، فقد تم تجاهل توسلاتها من أجل توفير علاج لهما. وتثير هذه الصور مخاوف من أننا قد نشهد بداية لقصة أكثر رعبا داخل الموصل. ولا يزال هناك الكثير الذي لا نعرفه عن الأوضاع داخل المدينة، ونعرف أن التنظيم قادر على ارتكاب أعمال وحشية. ومن غير المستبعد أن يلجأ التنظيم إلى تجويع المدنيين بينما تخوض قواته أخر معاركها في الموصل. لكننا لا نستطيع - ولا يجب - أن نقفز إلى استنتاجات في هذه المرحلة. وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، التي تعتني بالناس داخل المخيمات، إنه على الرغم من أنها ترى حالات سوء تغذية فإنها لا تعتقد أن هذا الأمر موجود على نطاق واسع. ومهما كانت تفاصيل القصة الأوسع، لا ينبغي أن ننسى هؤلاء الأطفال الصغار. وحتى لو كانت حالتهم نتيجة لمرض ما، فالمفترض أن يكون الأطفال المرضى على سرير بمستشفى لتلقي العلاج، لا أن يكافحوا من أجل البقاء على قيد الحياة على فراش رقيق في مأوى مؤقت. ربما يكون الاثنان مجرد طفلين بين عشرات الآلاف، لكن معاناتهما الشديدة تفوق ما يمكن أن يتحمله أي طفل.
- آخر تحديث :
التعليقات