شاع أمر نية كويتية وقف مجلة «العربي» عن الصدور، ما أثار سخطًا ثقافيًا عربيًا واسع النطاق، لم يخفّف من وتيرته نفي رئيس تحريرها الأمر جملة وتفصيلًا.
&
دبي: نفى عادل العبدالجادر، رئيس تحرير «مجلة العربي» الكويتية، ما يقال بشأن إغلاق المجلة قريبًا، مؤكدًا أن هذا الخبر عار عن الصحة ولا يمت للحقيقة بأي صلة، «فما يحصل راهنًا هو تطبيق لسياسة الدولة الرامية إلى الترشيد، خصوصًا خلال الفترة الاقتصادية العصيبة التي يمر بها العالم، جراء انخفاض أسعار البترول».
&
غير واردة
&
أشار العبدالجادر إلى أن البعض فسّر ما يحدث بأنه قرار بإغلاق المجلة، «لكن فكرة الإغلاق غير واردة، والمسؤولون في وزارة الإعلام أكدوا أن نبأ الإغلاق غير دقيق، فالمجلة تمر في وضع قلق بسبب مشكلات متنوعة، منها فسخ عقد شركة التوزيع، وإلغاء الملتقى السنوي، إضافة إلى عدم وجود موقع إلكتروني للمجلة يليق بشعبيتها وتاريخها»، كما قال، مشيرًا إلى أن مشكلة شركة التوزيع تتكرر منذ سنوات.
&
وكان خبر قرب إقفال المجلة العريقة قد سرى كما النار في الهشيم، حين غردت مجلة هارفارد بزنس ريفيو الأميركية على حسابها الرسمي في موقع «تويتر» باللغة العربية مطالبة ببقاء مجلة «العربي»، فكتبت: «من مجلة عربية وليدة إلى مجلة عربية عريقة: أنتِ القدوة باحترام القارئ والإلتزام بالتنوير. ابقي، فالمهمة لم تنته».
&
وشاع على مواقع التواصل الاجتماعي وسم #أنقذوا_مجلة_العربي، أطلقته الكاتبة الصحافية الكويتية سعدية مفرح، حين نشرت مقالةً عنونتها «أنقذوا العربي»، قالت فيها إن المجلة التي حافظت على تألقها سنوات طويلة، ولم تتخل عن تقاليدها العريقة، في التحرير والكتابة واختيار الموضوعات وارتياد المناطق غير المكتشفة على نطاق واسع، وبقيت شابةً، حتى، وهي تتخطى عقدها الرابع، دب الهرم فجأة بين صفحاتها، وعانت من الوهن المباغت، والذي استشعره قراؤها الأوفياء حتى في ظل محاولات إنقاذ بادر إليها بعضهم فردياً.
&
على بعد خطوات!
&
أضافت مفرح في مقالتها: «من المفارقات المحيّرة أن هذه المجلة التي لم تتوقف عن الصدور أبدًا، وحتى في ظل الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990 الذي استمر سبعة شهور، بل بقيت من الأيقونات الحضارية والجمالية التي حملت هوية الكويت، واتكأ عليها عرب كثيرون مؤيدون للحق الكويتي آنذاك، باعتبار الكويت وطن المجلة الأشهر والأكثر عراقة وأهمية وانتشارًا في الوطن العربي. ها هي الآن تقف على بعد خطوات قليلة من الموت النهائي، بعد فترة احتضار موجعة لها، ولأهلها ولقرائها، بدأت بتقليص الأعداد المطبوعة منها إلى أقل من نصف العدد المعتاد، والذي لم يكن يكفي القراء العرب أصلاً، ثم توقف موقعها الإلكتروني الذي كان من أوائل المواقع الإلكترونية الصحافية العربية. وكان المؤمل أن يضم كل أرشيفها الضخم، كأكبر مكتبة استطلاعات مصورة للوطن العربي في القرن العشرين».
&
أما لماذا تدهورت أحوال المجلة التي كانت حضنًا دافئًا لأقلام أهم المفكرين والكتاب والشعراء العرب، أشهرهم في القرن العشرين، ومنهم طه حسين وبدر شاكر السياب ونزار قباني ونازك الملائكة ويوسف إدريس وفؤاد زكريا ومحمد مهدي الجواهري ونجيب محفوظ، وغيرهم كثيرون، فهو السؤال الذي ظل بلا إجابة شافية، كما تقول مفرح.
&
صقلتني
&
على الوسم #أنقذوا_مجلة_العربي، غرد الكويتيون والعرب، يستهجنون هذا الخبر، حتى لو نفاه العبدالجادر، ويجمعون على المكانة الرفيعة التي وصلتها المجلة في الوعي العربي. قال المغرد لطيف 35: «مجلة العربي كأبراج الكويت، رمز كويتي يدل على ثقافة الأمة الكويتية، ومنهل لكل عربي، لا توقفوها»، خاتمًا تغريدته برسم أيقوني لرجل يبكي، فيما وصفتها المغردة منجية بعبارة: «مجلتي الأثيرة».
&
وغرد شبيب: «خلال الأشهر الاخيرة، عانيت من تأخر وصول العدد. وخلال آخر شهرين لم تعد تصل البتة، واليوم وقعت عيناي على هذا الوسم المؤسف». وقال المغرد الدكتور عبدالله الطريجي: «هل يعقل أن المجلة الأكثر رقيًا واحترامًا في الوطن العربي لأكثر من نصف قرن تعاني الآن من كل هذا الجحود والإهمال؟!».
&
وقال عبدالرحمن السليمي: «مجلة العربي وجدت لتبقى، ولها فضل على شباب العرب من محيطهم لخليجهم». وغردت شريفة البرمي: «مجلة العربي موسوعة حضارية وثقافية، كبرت معها ونهلت من معارفها»، فيما غرد ناصر الحضرم: «مجلة العربي كانت ذراع الكويت الثقافية ايام الستينات حتى وصلت لمرحلة كانوا في المغرب العربي ينتظرون اعدادها الشهرية»، وقال محمد سيد: «هذه المجلة أثرت في حياتي بشكل كبير جدًا، يكفي أنها جعلتني أتذوق الأدب والفنون وأتعرف على كتب قيمة وأتعرف على ثقافات الآخرين». وقال الفلسطيني يسري الغول: «من غزة أقول إن هذه المجلة هي من صقلتني حتى صرت على ما أنا عليه، ومعها كتاب في جريدة وكتاب الشهر التابع لوزارة الثقافة».
&
أصدق تمثيل
&
لكن، بين العبدالجادر ومفرح ضاع الخبر اليقين إلى الآن، على الرغم من أن الميل في النفس دائمًا إلى أن «العربي» مستمرة بلا توقف، كما عهدها العرب منذ تأسيسها في كانون الأول (ديسمبر) 1958، فهي - على ما تقوله عن نفسها بنفسها - تساهم في دفع الحلم القومي الذي كانت أصدق تمثيل له. ففي هذا العام من أواخر الخمسينات، كانت حركات التحرر العربي في أوجها، والوحدة المصرية السورية في أول عهدها، والشعب الجزائري يخوض نضاله ضد المحتل، والكويت تبحث عن شخصيتها وعن انتمائها. وبدا أن إصدار مجلة عربية جامعة تصدر في الكويت وتجتاز كل الحدود العربية وتسمو بنفسها عن الخلافات السياسية والفكرية الضيقة يمثل نقلة نوعية في المفهوم الثقافي العربي. فقد كانت الكويت في هذا الوقت لا تزال مرتبطة بمعاهدة الحماية البريطانية، حيث كانت لم تنل استقلالها بعد، وقد قيض الله لها ثلة من الرواد في عهد أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح ليقدموا هدية للأمة العربية، عبارة عن خطوة جديدة في الصحافة الثقافية العربية لمثل ذلك النوع من المجلات، بعد أن اختفت مجلات كان لها وزنها الأدبي والعلمي مثل المقتطف والرسالة والثقافة في مصر.
&
خطوط عريضة
&
تضيف «العربي» أن خطوطًا عريضة وضعت لهذه المجلة تحدد دورها من خلال الموضوعات التي نص عليها قرار إنشائها والتي صدرت كوثيقة رسمية صادرة عن دائرة المطبوعات والنشر التي رأت أن هناك واجبًا ثقافيًا يجب أن تضطلع به وتؤديه لسائر أبناء العروبة خدمة قومية مجردة من كل غرض أو هدف يفسد معاني الخدمة القومية الحقة، وركزت دعائم هذا الواجب الثقافي في إصدار مجلة علمية أدبية اجتماعية ثقافية جامعة تضم بين صفحاتها مع ما تضم عصارة أفكار المفكرين، وخلاصة تجارب العلماء المبرزين، وروائع قرائح الشعراء المبدعين، وتعنى عناية خاصة بالموضوعات المصورة المدروسة دراسة علمية عن كل قطر من أقطار العروبة، تتناول السكان والمحاصيل والثروات.
&
وتصدر مجلة العربي «كتاب العربي» و«العربي الصغير» و«العربي العلمي»، كما تقيم ندوات سنوية تتمحور كل ندوة منه حول موضوع محدد، يدور فيه النقاش حول أبحاث وأوراق مقدمة من الخبراء والأكاديميين المعنيين بالشأن العربي من مختلف دول العالم العربي ومن المهاجر التي تضم شخصيات عربية فاعلة.​