أعلنت السعودية في بيان نشرته وكالة أنبائها الرسمية الجمعة وقف مساعداتها للجيش اللبناني بسبب المواقف اللبنانية المناهضة للمملكة في أزمتها مع إيران، فيما عبرت الامارات عن تأييدها للقرار السعودي.
&
الرياض: في خطوة مفاجئة للبعض، وبديهيّة للبعض الآخر، أعلنت المملكة العربية السعودية وقف مساعداتها للجيش اللبناني، "بسبب المواقف اللبنانية المناهضة للمملكة في أزمتها مع إيران"، بحسب ما نقلت وكالة الانباء السعودية الرسمية عن مصدر سعودي مسؤول، وأضاف: "المملكة أوقفت مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني، نظرًا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين، فقد وقفت المملكة إلى جانب لبنان في كافة المراحل الصعبة التي مر بها وساندته من دون تفريق بين طوائفه وفئاته، وكان آخر ذلك ما أعلنته من دعم للجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي، حرصًا منها على ما يحقق أمن لبنان الشقيق واستقراره ويحافظ على سيادته".
&
مصادرة القرار
&
وتابع: "على الرغم من هذه المواقف المشرّفة، فإن المملكة العربية السعودية تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية، في ظل مصادرة ما يسمى "حزب الله" اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الاسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد".
&
وأشار المسؤول السعودي الى أن تلك الاعتداءات التي تتنافى مع القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية حظيت بتنديد دول العالم كافة، ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى، في إشارة إلى تخلف لبنان، الذي تضم حكومته وزراء من حزب الله المدعوم من إيران، عن الاجماع العربي والاسلامي في التنديد بإحراق بعثات دبلوماسية سعودية في إيران خلال احتجاجات ضد الرياض، بعد ان قطعت الرياض علاقاتها بطهران، في أزمة بدأت مع اعدام رجل الدين السعودي الشيعي المعارض نمر النمر، وفي رفض لبنان الدخول في التحالف العسكري الاسلامي الذي تتزعمه الرياض.
&
وبناء عليه، قامت المملكة بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية، بما يتناسب مع هذه المواقف، ويحمي مصالح المملكة، واتخذت قرارات منها إيقاف المساعدات المقررة من المملكة لتسليح الجيش اللبناني عن طريق الجمهورية الفرنسية وقدرها ثلاثة مليارات دولار أميركي.
&
لبنان مخطوف
&
وأكد المصدر السعودي أيضًا إيقاف ما تبقى من مساعدة المملكة المقررة بمليار دولار أميركي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، مع تأكيد البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية أن المملكة ستواصل الوقوف الى جانب الشعب اللبناني، "فالمواقف في المؤتمرات العربية والدولية لا تمثل الشعب اللبناني الشقيق"، كما قال.
&
هذا وأكد محمد عبد الله اليزولف، عضو مجلس الشورى السعودي السابق، أن السعودية وقفت مع لبنان منذ استقلاله، وأنها حريصة على أمن لبنان واستقراره، وأنها ﻻ &تمن على أشقائها.
&
وأشار اليزولف من خلال مداخلة صحافية هاتفية الجمعة، إلى أن "لبنان مخطوف وهو من دون رئيس منذ سنة ونصف، وأن حزب الله الحاكم الناهي بأمره"، مطالبًا الحكومة اللبنانية بإعادة حساباتها.
&
أضاف اليزولف أن الفكر اليساري اللبناني وحزب الله وإيران يريدون فرض أفكارهم على المملكة العربية السعودية، "فلبنان ودول عربية أخرى تشن حربًا على السعودية على الرغم من فضل المملكة عليها".
&
الامارات تدعم القرار
&
إلى ذلك، أعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الامارات عن تأييدها الكامل لقرار السعودية بإجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع الجمهورية اللبنانية، وقرارها وقف مساعداتها بتسليح الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي اللبنانية على خلفية المواقف الرسمية للبنان في المحافل العربية والاقليمية في الآونة الاخيرة، وآخرها عدم إدانة الاعتداء الايراني على سفارة وقنصلية المملكة في ايران.
&
وذكرت وزارة الخارجية في بيان لها ان قرار السعودية يأتي في أعقاب تكرار المواقف السلبية اللبنانية تجاه الاجماع العربي بصورة واضحة ومسيئة ومثيرة للاستياء والاستغراب برغم التواصل مع الجهات اللبنانية المعنية. وقالت الوزارة في بيانها إن القرار اللبناني الرسمي "بات مختطفًا ضد مصلحة لبنان ومحيطه العربي كما يبدو واضحا من هيمنة ما يسمى بحزب الله ومصادرته القرار الرسمي اللبناني مما اسفر عن موقف لبناني متباين ضد المصالح العربية الجامعة".
&
وجاء في البيان انه على الرغم من الدعم التاريخي والتقليدي للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي للبنان واحتضانها للبنانيين ليكونوا جزءا اصيلا في مسيرة التنمية والازدهار على مدى السنوات الماضية ووقوفها الى جانب لبنان في الظروف الصعبة التي مر بها، "فإننا للأسف نرى هذه التوجهات السلبية التي لا تعبر عن توجه أغلبية اللبنانيين".
&
وقالت الخارجية الاماراتية: "في ضوء ذلك، فإن دولة الامارات تدعم وبشكل كامل قرار المملكة العربية السعودية الشقيقة بايقاف المساعدات المقررة للجيش اللبناني وقوى الامن اللبنانية، داعية لبنان واللبنانيين في الوقت ذاته الى اعادة لبنان الى محيطه العربي، بعيدًا عن التأثيرات الايرانية التي يتبناها ما يسمى بحزب الله".
&
حزب الله مسؤول
&
وقد أتى هذا القرار السعودي بعد أقل من 24 ساعة على مقابلة متلفزة قال فيها رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، نقلًا عن لسان مسؤولين سعوديين، إن الهبة السعودية "لا تراجع عنها"، مضيفًا: "هذه هبة والواهب لا يحق لنا ان نسأله او نشكك به لأن المليارات السعودية في اطار اتفاق سعودي - فرنسي - لبناني تمتد لسنوات خمس، وانا لا اشكك في الامر. وبالنسبة إلى المليار الرابع، فتم تنفيذ نصفه وعلينا التطلع الى قضية تدهور سعر النفط".
&
وتعليقًا على القرار السعودي، حمّل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حزب الله مسؤولية خسارة لبنان مليارات الدولارات، جراء تهجمه الدائم على المملكة العربية السعودية.
&
وفي تغريدات على حسابه الشخصي بموقع "تويتر"، دعا جعجع الحكومة اللبنانية الى "الالتئام على الفور واتخاذ التدابير اللازمة، إن لجهة الطلب رسميًا من حزب الله عدم التعرض للمملكة من الآن فصاعدًا، أو لجهة تشكيل وفد رسمي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام لزيارة السعودية والطلب منها إعادة العمل بالمساعدات المجمّدة".
&
وحمّل عزام الأيوبي، أمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان، مسؤولية القرار السعودي بوقف المساعدات المقررة من المملكة لتسليح الجيش اللبناني عن طريق فرنسا، إلى حزب الله، الذي "يعمل على جر لبنان إلى محاور معادية للمملكة".
&
وأكد الأيوبي في تصريحات صحافية ثقته بأن "المملكة لا تحمل مواقف معادية للبنان ولا لشعبه"، وأضاف: "من يتحمل المسؤولية الكاملة عن مثل هذا القرار هم الأطراف الذين يريدون جر لبنان إلى محاور معادية للمملكة في المنطقة"، مشيرًا بالتحديد إلى حزب الله، "المعني بمثل هذا التوجه"، وفق تعبيره.
&
الحريري: نتفهم قرار السعودية
&
وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري أن "اللبنانيين تلقوا بمشاعر الأسف والقلق قرار المملكة العربية السعودية وقف المساعدات المقررة للجيش اللبناني والقوى الامنية، في خطوة غير مسبوقة من المملكة، ردًا على قرارات متهورة بخروج لبنان على الاجماع العربي، وتوظيف السياسة الخارجية للدولة اللبنانية في خدمة محاور إقليمية، على صورة ما جرى مؤخرًا في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب واجتماع الدول الاسلامية".
&
وأضاف في بيان: "إن لبنان لا يمكن ان يجني من تلك السياسات، التي اقل ما يمكن ان يقال فيها انها رعناء، سوى ما نشهده من إجراءات وتدابير تهدد في الصميم مصالح مئات آلاف اللبنانيين، الذين ينتشرون في مختلف البلدان العربية، ويشكلون طاقة اقتصادية واجتماعية، يريد البعض تدميرها، تنفيذًا لأمر عمليات خارجي".
&
وتابع: "ان المملكة العربية السعودية، والى جانبها كل دول الخليج العربي، لم تتأخر عن دعم لبنان ونجدته في اصعب الظروف، والتاريخ القريب والبعيد يشهد على ذلك في كل المجالات والقطاعات، فيما ينبري "حزب الله" وأدواته في السياسة والإعلام، لشن اقذع الحملات ضدها، مستخدمة كل ما تنؤ به الأخلاق وموجبات الوفاء والعرفان، للنيل من المملكة ورموزها".
&
وأشار الحريري الى أن "كرامة المملكة وقيادتها هي من كرامة اللبنانيين الشرفاء، الذين لن يسكتوا على جريمة تعريض مصالح لبنان واللبنانيين للخطر، وإذا كان هناك من يفترض ان لبنان يمكن ان يتحول في غفلة من الزمن، الى ولاية إيرانية فهو واهم، بل هو يتلاعب في مصير البلاد ويتخذ قراراً بجر نفسه والاخرين الى الهاوية".
&
وختم: "اننا مع تفهمنا التام لقرار المملكة العربية السعودية، وإدراكنا حجم الالم الذي وقع على الاشقاء السعوديين، عندما استنسب وزير الخارجية، ان يتخذ قراراً يجافي المصلحة اللبنانية والإجماع العربي، نتطلع الى قيادة المملكة لان تنظر الى ما يعانيه لبنان بعين الأخ الكبير. ونحن على يقين، بأنها، وكما ورد في البيان الصادر عن مصدر مسؤول، لن تتخلى عن شعب لبنان مهما تعاظمت التحديات واشتدت الظروف".
&
هذه كانت الخطة
&
وكانت السعودية اعلنت في آب (أغسطس) 2014، في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، عزمها على تقديم هبة عسكرية الى الجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار، عبر عقود مباشرة أبرمتها الرياض مع باريس لتسليح الجيش اللبناني في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. واستلم الجيش اللبناني في 20 نيسان (أبريل) 2015 الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية، وهي عبارة عن 16 منصة صواريخ ميلان المضادة للدروع، مع أسلحة أخرى شحنتها طائرة عسكرية فرنسية، فيما كان موعد تسليم الدفعة الثانية من الصفقة مقررا في أيار (مايو) 2015، لكنها لم تُسلّم، لأن السعودية جمدت هبتها بعد تسليم الدفعة الأولى بسبب مراجعتها اللوائح التي تم الاتفاق عليها مبدئيًا.
&
وفي 27 كانون الأول (ديسمبر) 2015، تم التوقيع على تتمة العقد السعودي الفرنسي لدعم الجيش اللبناني، فحافظ الاتفاق الجديد على الشروط السابقة نفسها وأهم بنودها تعزيز قدرات الجيش اللبناني، فيما كان الشرط الجديد هو تعطيل الأسلحة المتطورة في حال وقعت في أيدي حزب الله، فقدمت فرنسا ضمانات عملية تمكنها من تعطيل أي سلاح عن بعد، عن طريق إدخال برامج خاصة لمتابعة سير الأسلحة والمعدات ومعرفة أماكن تواجدها.
&
وتم تقسيم تسليم الهبة بناء على الاتفاق الجديد إلى ثلاث مراحل، الأولى تبدأ في نيسان (أبريل) القادم وتنتهي في نيسان (أبريل) 2017، وتضم معدات عسكرية قليلة الكلفة وسريعة التصنيع. أما المرحلة الثانية فتبدأ في 2018، وتمتد حتى نهاية 2019، وتشمل تسليم المعدات البرية، فيما تبدأ المرحلة الثالثة من نهاية 2019، وتمتد حتى 2023 قابلة للزيادة، وتشمل المروحيات وناقلات الجنود والزوارق وأنظمة الرقابة والرادارات.
&
التعليقات