باريس: تمتلك سوريا إرثاً ثقافياً بغنى استثنائي. منذ 2011، أصبح هذا التراث في خطر كبير نتيجة النزاع المسلّح في البلاد، وتواجه المعالم الأثرية المهمة، بما فيها تلك المسجلة على "قائمة اليونسكو للتراث العالمي"، خطر التخريب والتدمير. اقتحمت المحموعات المسلّحة العديد من المواقع الأثرية، وذلك بهدف النهب وللتصدير غير المشروع للقطع الأثرية والتحف الفنية، والاتجار بها في الأسواق الدولية.
منذ عام 2011، عُهدت مهمة مواجهة التهديدات الرئيسة التي تواجه التراث السوري لمنظمة اليونسكو. كما تم التأكيد على هذه المهمّة بموجب قرار رقم 2199، والذي اتخذه مجلس الأمن للأمم المتحدة في 12 شباط/فبراير 2015. وقد كٌلّف مكتب اليونسكو في بيروت، لبنان، بوضع وتنفيذ خطط عمل لتعبئة جميع الأطراف المعنيين الفاعلين على الساحة المحلية، والمنظمات والشركاء في المجتمع الدولي، من أجل حماية هذا التراث. ويجري تحقيق هذا الأمر من خلال مشروع "الصون الطارئ للتراث الثقافي السوري"، الممول من الاتحاد الأوروبي والحكومة الفلمنكية، ودولة النمسا.
منذ بدء الصراع، شرع الخبراء والكوادر العاملة في مجال التراث في سوريا إلى تنظيم عملية إجلاء المجموعات الفنية والتحف الأثرية، وذلك من أجل الحفاظ عليها في المستودعات الخاصة الموجودة في المتاحف والمخازن الأثرية، وهي مهددة اليوم بالتعرّض لأعمال التدمير والنهب. إلا أن النقص في الموارد يشكّل عائق كبير لاستئناف هذه الجهود.
بفعل هذا الواقع الجديد، أطلقت اليونسكو وعدد من خبراء الآثار والتراث في فرنسا وسويسرا مبادرة مشتركة في صيف عام 2015. وتهدف هذه المبادرة الجديدة إلى التعرف إلى الاحتياجات المحدّدة للخبراء العاملين في الميدان، لا سيما من حيث الأدوات والمعدات، وذلك بغية تمكينهم من استئناف جهودههم في مجال حماية وصون التراث. وفي إطار هذه المبادرة، سيحصل الخبراء والعمال الناشطون في الميدان على: مواد للتغليف والتوضيب، وهي ضرورية لإجلاء وحفظ المجموعات؛ مواد وأدوات مخصّصة لحفظ القطع والتحف المصنوعة من مواد هشّة قابلة للتلف، وترميم تلك المتضرّرة؛ فضلاً عن أدوات خاصة بالدراسة والتسجيل، والتي تتيح لهؤلاء الخبراء الميدانيين استكمال قوائم الجرد وإجراء توثيق علمي للتراث السوري، وإدارة وحفظ البيانات المرتبطة.
بالتنسيق مع المركز الأوروبي للآثار، ومتحف "بيبراكت" (فرنسا)، ساهمت أكثر من خمسين مؤسسة وجمعية خاصة وعامة، إضافة إلى أفراد وخبراء مستقلين عاملين في المجال الثقافي، الأرشيف، المكتبات، المتاحف، علم الآثار، والفن، من جميع أنحاء فرنسا وسويسرا، بمجموعة كبيرة من هذه المواد والأدوات.
بشكل عام، تمّ جمع ما يقارب 7 أطنان من هذه المواد وإرسالها إلى بيروت، لتتحوّل إلى مكتب اليونسكو هناك. بدورها، قررت اليونسكو التبرع بهذه المجموعة إلى المهنيين العاملين في المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، والذين استحصلوا على هذه المعدات في 8 آذار/مارس 2016. إضافةً إلى الأهمية الكبيرة لهذه الخطوة من حيث الدعم المادي والتسهيلات التقنية التي توفّرها، وهي من الأمور الأساسية لتطوير القدرات الميدانية، ترتكز هذه المبادرة الى التضامن العالمي الملفت، والذي انعكس بشكل جلّي في هذا التحرّك الملموس للحفاظ على التراث، لما يشكّل اعترافاً بأهمية هذا الإرث التاريخي للشعب السوري، كما للإنسانية جمعاء.
التعليقات