يرى الدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمالي أن الهجمات الارهابية التي تشن في الدول العربية تقف خلفها قوى كبرى تهدف الى إعادة رسم خرائط المنطقة، داعياً الى التنمية الفكرية والاقتصادية والانفتاح السياسي بين مكونات الدول العربية للحد من تنامي التطرف والارهاب.

محمد بن رجب من تونس: خبرته في الدبلوماسية التونسية جعلت للسفير والدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمّالي رؤية مختلفة عمّا نسمعه يومياً في المنابر الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام حول مسائل ومواضيع شتّى في علاقة بما يحدث اليوم في الوطن العربي والعالم، من فوضى ودمار وإرهاب ومؤامرات.

"إيلاف" التقت الدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمّالي، وتحدثت معه عن العملية الأمنية الجارية في مدينة بنقردان مستهدفة تونس من طرف تنظيم داعش، فمن يقف وراءه، ومن الهدف من زرعه في دول عديدة.

وكشف السفير السابق في ليبيا، ومن قبلها الأردن وسوريا، عن موقفه من الفوضى التي عمّت ليبيا بعد رحيل نظام القذافي، مروراً بعلاقات تونس الدبلوماسية بدول الخليج، ورؤيته الوضع السوري في ظلّ التدخل الروسي. 

وهنا نص الحوار:

 تتعرض تونس اليوم، إلى استهداف مباشر من طرف "داعش" ليبيا، في العملية الجارية في مدينة بنقردان، جنوب تونس، فما رؤيتكم في ظلّ تعدّد التحليلات وتباينها؟

 هي عملية إرهابية، ولكني لا أعتقد أنهم سذّج ليفكروا في الإعلان عن "إمارة إسلامية" في بنقردان، وبالتالي الاستقرار، ففكرة الإمارة ما هي إلاّ ترويج إعلامي ليس إلاّ، وما هي بالتالي إلا "جسّ نبض" و"فرقة إعلامية".. فالوضع في تونس مختلف عن العراق وسوريا، حيث وجدت "داعش" سنداً للاختلافات الحاصلة، ولكن في تونس، لنا جيش وأمن جمهوريان، وشعب متكاتف، وشاهدنا ذلك في بنقردان، حيث خرج الجميع يدافعون عن تونس، وحتى التونسيين المغرّر بهم هم أقلّية في حاجة إلى توعية دينية عبر وسائل الإعلام، حتى يتأكدوا من أنّ ما يروّج بعيد عن حقيقة الإسلام، فالمعالجة يجب أن تكون فكرية، ودينية، وتنموية وأمنية.

 لكن هل يمكن أن يكون "جسّ نبض" بهجوم قاده 70 إرهابيا، وبكل ذلك الكمّ من الأسلحة؟

 لم يدخل 70 عنصراً من ليبيا، ولكن أعتقد أنّ هناك خلايا نائمة، وهم غير قادرين على أن يفرضوا أنفسهم ويحتلّوا شبراً واحداً في تونس بفضل وحدات عسكرية وأمنية أثبتت أنها جاهزة لدحر الدواعش، وطالما أنّ الجبهة الداخلية متماسكة، لا يمكن لـداعش أن تقيم إمارة في تونس. 

من يحرك هؤلاء الدواعش؟ وما الهدف من ذلك؟

هناك تيار عالمي يحرّك هذا الإرهاب، يعمل من وراء ذلك على إعادة رسم خريطة المنطقة، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار حتى ترتب الدول العظمى وقوى إقليمية الوضع وفق مصالحها، فمن نقل هؤلاء الإرهابيين من العراق وسوريا، لقد وصلوا في طائرات بسلاحهم وعتادهم، وبالتالي على الضحايا أن ينسّقوا ويعملوا مع بعضهم بعيداً عن الاتهامات من هنا وهناك، لأنّ الجميع أصبح يدرك الهدف من الإرهاب ومن يقف وراءه.

ما تقييمك لأداء حكومة الحبيب الصيد؟

أيّ عمل ناجح يسلتزم مخططات ومشاريع.. لكن يجب أن تمنح حكومة الصيد الفرصة كاملة للعمل، فالإضرابات والاحتجاجات والانتقادات التي تحبط العزائم لا تتوقف، فالديمقراطية تفرض علينا منح الفرصة كاملة، وفي استقرار كامل، لحكومة انتخبها الشعب، والمعارضة مطالبة بالتقويم وإيجاد البدائل لا التوقف على الانتقاد، بموجب وبغير موجب..فهذه الحكومة تضمّ في أعضائها من ذوي الخبرة في العمل السياسي والتنموي، حيث كان اختيار الوزراء بعيداً عن المحاصصة الحزبية، بينما وسائل الإعلام تسوّق للإحباط والفوضى، وهي مطالبة بمنح جرعة من الأمل، بعيداً عن الاستدراج نحو الفوضى ونبذ العمل.

في ظل الوضع الذي تعيشه تونس، نحن في حاجة إلى دبلوماسية اقتصادية نشطة، أليس كذلك؟

الإضرابات والاحتجاجات لا تقلّ خطورة عن الإرهاب، الذي يتربّص بتونس، والحكومة بالتالي عليها أن تكون جدّية في التعامل مع هذه التحركات، وخاصة أنّ المعارضة تحوّلت إلى معاداة للحكومة، والاقتصاد التونسي يجب أن يستردّ عافيته، حتى يمكن الحديث عن دبلوماسية اقتصادية، وما يحدث في بنقردان سيزيد الطّين بلّة، ورغم ذلك هناك محاولات للتعامل مع الدول الأفريقية وفتح أسواق جديدة، ولكن هذه المحاولات تبقى رهينة تحسين الأوضاع الأمنية في تونس.. وللأسف لم نجد الدعم من الدول الشقيقة، لا المادي ولا المعنوي.

هل أنت مع عودة بن علي إلى تونس؟

 أبداً، لأنّه كان السبب الرئيس في كل ما حصل في تونس، والشعب ثار ضدّه، للفساد الذي استشرى إبّان حكمه، حيث لم يجد من يسانده خلال الثورة، فالوضع كان سيئاً جداً، على الرغم من أنّ أيامه الأخيرة في تونس، كان خلالها الوضع أفضل مما يحصل الآن، لقد خرج نتيجة مؤامرة، ولو اكتفى بدورتين رئاسيتين، لكانت تونس في حال أفضل بكثير، ولكن زوجته كانت تستعدّ، وربما ابنه، وبالتالي فقد السيطرة على الأوضاع في تونس، لهذا، فليبق إذن حيث هو.

 كان ضحية لمؤامرة.. كيف ذلك؟

الثورات العربية كلها بدأت من طرف الشعوب العربية التوّاقة إلى الحرية، لكن سرعان ما انقلبت، لأنّ الآخر كان جاهزاً ومستعدّاً لاستغلالها، لكن، في تونس، الجيش التونسي كان جمهورياً، ولم يساند الرئيس بن علي.

في ظلّ الوضع الراهن الذي تعيشه تونس، هل ترى تنسيقاً حقيقيّاً مع جارتنا الجزائر؟

تبقى العلاقات التونسية الجزائرية متميّزة، دائماً، ولكن من الضروريّ التنسيق الكلّي في الجوانب الأمنية، لا مع الجزائر فقط بل مع مصر والمغرب، فكل منطقة المغرب العربي مستهدفة من طرف تنظيم "داعش"..وتبقى العلاقات مع الجزائر تاريخية، فخلال العشرية السوداء في الجزائر، كان التنسيق كبيراً، وقد عاشت تونس في أمن رغم أنّ الجزائر كانت على صفيح ساخن، فالامتداد واحد والتاريخ واحد.

وأنت الدبلوماسي، والسفير السابق في ليبيا، هل نجحت الدبلوماسية التونسية في التعامل مع الوضع الليبي خلال السنوات الخمس الأخيرة؟

 لم يكن لتونس جانب رسمي لتتعامل معه، ورغم غياب الطرف المقابل فقد نجحنا في دفع المفاوضات بين كل الأطراف الليبية للحوار، من أجل إعادة الاستقرار، وتمّ استقبال وفود ليبية، وبقيت المعابر التونسية الوحيدة المفتوحة طوال الفترة الماضية لمساعدة الأشقاء الليبيين.

وقد تعاطت تونس مع الأزمة الليبية بأريحية كبيرة على أساس بلد واحد وشعب واحد، وبالتالي فقد تعاملت تونس مع جميع الأطراف الليبية، لما يخدم البلدين، وخاصة الشعب الليبي.

وبما أنّ المجتمع الدولي يعترف بالحكومة الليبية الموقتة في شرق ليبيا، فقد تعاملنا معها، ولكن بحكم قربنا من طرابلس، كان لزاماً توفير المساعدة لليبيين في الغرب الليبي، الذين يجدون في تونس ملاذهم الوحيد. 

ويعود تعامل تونس مع كل الأطراف خدمة لليبيين ولمصالحها كذلك، وحتى تبقى على المسافة نفسها من الطرفين، وكذلك من القبائل الليبية

 ولماذا لا تزال حكومة السرّاج تراوح مكانها، دون مصادقة من البرلمان الليبي؟

 المصادقة على هذه الحكومة والتوافق بين مختلف المكونات الليبية تتطلب وقتاً حتى تنضج، وليبيا في حاجة إلى فرض أمر واقع بسبب التنوّع الكبير، والتعدّد والتشتّت بين الفرقاء الليبين، ومن الصعب أن يتمّ الاتفاق بين مختلف الأطراف في ليبيا.. لقد حاولت الأمم المتحدة أن تجمع بين الشرق والغرب، والقبائل، ومنطقة أمنية في طرابلس لتركيز الحكومة.. ويبقى من الصعب جدّاً إيجاد توافق بين الليبيين بمختلف مشاربهم بعد خمس سنوات من الحرب، التي عمّقت الخلافات وغرست الأحقاد والضغائن، وبالتالي لا بد من الوقت والصبر، ولكن في النهاية أعتقد أنّه ستتمّ المصادقة على حكومة السرّاج بعد إدخال بعض التعديلات على تشكيلتها.

وقد بدأ الليبيون بعد هذه السنوات من الحرب وعدم الاستقرار، يقتنعون أنّ مصلحتهم تقتضي التقارب والتوافق، في ظلّ تدخل أجنبي في شؤونهم الداخلية ما ساهم في خلق الضغائن بينهم.

ما رؤيتك للوضع السوري في ظل التدخل الروسي؟

رغم الحرب القائمة في سوريا منذ خمس سنوات، لم يجد السوريون الحلّ، وبقي الدواعش، وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات الإرهابية تعمل على تدمير سوريا، حيث يعيش السوريون في فوضى ومأساة يومية، طلب الأسد المساعدة من روسيا التي شعرت أن مصالحها مستهدفة، ومن غير المستبعد أن ينتقل "داعش" إلى الداخل الروسي، ليمثلوا تهديداً مباشراً لها، وبالتالي كانت الحرب الوقائية من روسيا في سوريا، لمحاربة "داعش" .. وأصبحت المنطقة، أو دول ما يسمى بالربيع العربي تعيش حالة من الفوضى.. وعلينا أن نفهم أنه لا يمكن الاستعانة بالأجانب لإيجاد حلول في منطقتنا.

إذن أنت مع إعادة العلاقات مع سوريا؟

نحن في حاجة إلى التعامل مع نظام دمشق لأن له كمّاً هائلاً من المعلومات حول الإرهابيين التونسيين الذين تحوّلوا إلى سوريا والعراق وانضموا إلى "داعش"، وبالتالي فالتنيسق ضروري.

وأرى أنه على الدول العربية أن تعمل على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في سوريا، وتحت إشراف الأمم المتحدة، وتبقى عملية الاختيار للشعب السوري، فقط، دون تدخّل من أي طرف، ولا يمكن أن تفرض القيادة من الخارج، وليس لأميركا أو غيرها أن تختار من يصلح لقيادة الشعب السوري رغماً عنه.. وهذا خطير جداً على جميع الأنظمة العربية، فلا تستبعدوا أن يأتي الغرب غداً، وينصّب من يرعى مصالحه ليحكمنا.