في رسالة مفتوحة تقطر حزنًا، لكنها لا تخلو من روح التحدي، طالب زعيم المعارضة الإيرانية، الذي يعيش تحت الإقامة الجبرية، مهدي كروبي، بتقديمه إلى المحاكمة، إذا كان لدى النظام دليل ضده. كما وصف في رسالته خامنئي بالمستبد للمرة الأولى وبلغة صريحة وواضحة.

طهران: كتب كروبي إلى الرئيس حسن روحاني، رفيقه السابق، قائلًا: "إن الصمت لم يعد ممكنًا، "ويجب أن نقف ضد فكرة نظام الحكم ذي الصوت الواحد، الذي أصبح هكذا من خلال الاستئثار بسلطة لا تخضع للمحاسبة". &

وكان كروبي من قادة الجمهورية الإسلامية لفترة طويلة، وعرف سجون الشاه إبان السبعينات، حين تعرّض للاعتقال تسع مرات. تتذكر زوجته فاطمة أنها أخذت طفلهما تقي إلى السجن حين كان عمره ستة أشهر، كي يراه والده للمرة الأولى. &

صوت المعارضة

وبعد إسقاط الشاه عام 1979 تولى رئاسة البرلمان لمدة ثماني سنوات في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، ومرة أخرى من 2000 إلى 2004. ورشح للانتخابات الرئاسية مرتين في 2005 و2009، بعد موافقة مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوًا. وفاز عليه في المرتين محمود أحمدي نجاد وسط اتهامات واسعة بتزوير الانتخابات. وكروبي الآن في الثامنة والستين ذو لحية بيضاء وعمامة بلون لحيته، وهو خطيب متفوه.

لكن كروبي يعيش منذ خمس سنوات تحت الإقامة الجبرية بعدما تجرّأ على الطعن في نزاهة الانتخابات الرئاسية عام 2009. وبحسب النتائج الرسمية فإن أحمدي نجاد فاز بأكثر من 60 في المئة من الأصوات، وجاء رئيس الوزراء السابق حسين موسوي ثانيًا وكروبي ثالثًا. &

ونزل ملايين الإيرانيين إلى الشوارع احتجاجًا على ما وصفوه بتزوير الانتخابات، في أكبر تظاهرات منذ ثورة 1979. وظلت حركة الاحتجاج الخضراء قوية أكثر من ستة أشهر، قبل أن تنحسر، ولكن الاحتقانات السياسية في الساحة الإيرانية استمرت بعدها. وفي عام 2011 وُضع كروبي وموسوي تحت الإقامة الجبرية. وندد النظام بهما قائلًا إنهما من "مثيري الفتنة". ولم توجّه تهمة إلى أي منهما طيلة هذه الفترة. &

استعداد للمواجهة
وكتب كروبي في رسالته إلى روحاني، التي هُربت من منزله، وتحققت عائلته من صحتها، قائلًا "أنا لا أطلب منك أن ترفع عني الاقامة الجبرية، ولا أعتقد ان بمقدورك ان ترفعها، بل أُريد منك ان تطلب من النظام الاستبدادي ان يجري لي محاكمة علنية بموجب المادة 168 من الدستور، حتى إذا كانت المحكمة مشكلة بالطريقة التي يريدها الحكام. وبعون الله والمحامي سنستمع الى قرار الاتهام، ونقدم أدلتنا الى الجمهور عن الانتخابات الرئاسية المزورة [عام 2005] وتزوير الانتخابات الرئاسية [عام 2009] وما حدث لأبناء هذا البلد في مراكز الاعتقال القانونية وغير القانونية. وستبين نتيجة هذه المحاكمة من هو الطرف الذي أدار ظهره للثورة في النزاع الانتخابي". &

اتهم كروبي الدولة العميقة في ايران، بما فيها الحرس الثوري وقوات الباسيج ووزارة الاستخبارات، بـ"الدوس" على حقوق الانسان. واشار الى ان المسؤولين هدروا 700 مليار دولار من اموال الدولة، ونقلوا مليارات الى حسابات خاصة في الخارج، و"دفعوا البلاد الى شفير الهاوية، فيما كان الشعب يعاني الفقر، لاحول له ولا قوة". &

وسائل لتبرير غاياته
اضاف كروبي في رسالته ان مجلس صيانة الدستور اصبح "أداة تشهير بأشخاص محترمين، وهو ينتهك حقوق الشعب، لضمان فوز اتجاه واحد، وإلغاء الاتجاهات الاخرى".&

وقال مراقبون ان الهدف الضمني لهذا النقد اللاذع كان المرشد الأعلى علي خامنئي، رغم ان كروبي لم يذكره بالاسم. وكتب كروبي "ان النظام يستخدم هذه الأيام البلطجية كل يوم في انحاء البلاد، للاعتداء على بيوت المراجع الدينية والشخصيات السياسية، التي تنتقد النظام والسفارات والمراكز الفنية والثقافية باسم "القيم"، وهم ينتهكون حرمة المساجد من اجل طموحاتهم السياسية، ولا يعرفون حدودا في سلوكهم اليائس". &&

وتابع كروبي قائلا في الرسالة انه بعد نتائج انتخابات 2009 "المثيرة للسخرية" اختار الوقوف "مع الشعب مدركًا الثمن الباهظ الذي يجب ان يُدفع". نُشرت الرسالة على موقع سحام نيوز لحزب اعتماد ملي (حزب الثقة الوطني) بقيادة كروبي. وكانت الصحيفة الرسمية للحزب التي تحمل الاسم نفسه مُنعت عام 2009 بعد اتهام جلاوزة النظام باغتصاب محتجات في الحركة الخضراء اثناء الاعتقال.&

خامنئي مستبد
وقال عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الايرانية في جامعة ستانفورد الاميركية لمجلة نيويوركر "ان مهدي كروبي تحدى المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرة، ورغم ان الرئيس روحاني والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وجّهوا انتقادات مبطنة الى المرشد، فان رسالة كروبي هي اول مرة يصف فيها رجل بمكانة خامنئي بأنه مستبد بلغة صريحة".

جاء رد المتشددين في النظام الايراني سريعا. فقال بعضهم ان كروبي محظوظ بأن يكون تحت الاقامة الجبرية فقط. وتوقع الصحافي المحافظ محمد عبد اللاهي ان يُدان كروبي في أي محاكمة. وكتب الصحافي مهدي زارينام في صحيفة وطن ايمروز المحافظة انه "لو أُعدم كروبي من البداية لما تمادى اليوم". &&

تعهد كروبي في ختام رسالته بقبول الحكم، الذي يصدر عليه، متنازلا عن حق الاستئناف. وقال "ان العالم هو محكمة الله، ونوابه على هذه الأرض هم الشعب، وليس هناك قضاة أفضل من الله والشعب". &

بعد 50 عامًا من العمل السياسي، عاد كروبي الى نقطة البداية. فهو خارج عن القانون، بنظر حكم الملالي، مثلما كان خارجًا عن القانون في عهد الشاه. &


&