تمر العلاقات الأوروبية التركية بمنعطف شديد الدقة والحساسية، لا سيما في ظل سياسة عض الأصابع حول مجمل الملفات الملتهبة، الأمر الذي يهدد بانهيار وشيك للاتفاق حول ملف اللاجئين، بالإضافة إلى تضرر غير مسبوق في العلاقة.&

برلين: حمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشدة على الاتحاد الاوروبي واتهمه بالتدخل في شؤون تركيا ومحاولة تقسيمها، وقد رأى المراقبون ان هذا الخطاب يمهّد الطريق لأزمة مع الاتحاد الاوروبي، الأمر الذي يهدد بانهيار الاتفاق على الحد من تدفق اللاجئين. &

وحرص المسؤولون الالمان، حتى الآن، على التقليل من شأن تهجمات إردوغان بوصفها مواقف "مسرحية"، وقال مسؤول في مكتب ميركل "إن اردوغان يستعير صفحة من كتاب زيهوفر"، في اشارة الى هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا المعارض بشدة لسياسة ميركل بشأن ازمة اللاجئين.&

فسخ الاتفاق

ولكن الاتفاق الذي اعتبرته ميركل الطريقة الوحيدة لحل ازمة اللاجئين يبدو على كف عفريت، رغم ان المستشارة الالمانية لا تزال تأمل باستمرار اردوغان في تنفيذه، ولا سيما &أن أحد بنود الاتفاق الاساسية ينص على حرية سفر المواطنين الاتراك الى دول الاتحاد الاوروبي دون تأشيرة، وهو ما يجعل ميركل تعتقد ان شعبية اردوغان ستتضرر حال قيامه بفسخ الاتفاق.

ويرى محللون ان المستشارة الالمانية وحدها التي لا تزال تراهن على تنفيذ الاتفاق، وان اردوغان في مقدمة الذين لم يعد يهمهم الالتزام به، فهو لا يريد تقديم اي تنازلات بشأن قوانينه لمكافحة الارهاب، فيما يُشكل تعديل هذه القوانين شرطًا واحدًا ضمن قائمة طويلة من الشروط التي يجب ان تنفذها تركيا قبل اعفاء مواطنيها من تأشيرة السفر الى دول الاتحاد الاوروبي. ناهيك عن أن دول الاتحاد الاوروبي تنظر عمومًا الى اردوغان على انه حاكم مستبد لا تريد التفريط بقيمها لارضائه.

وفي الداخل، تواجه ميركل انتقادات تتركز على الاتفاق من شريكها في الحكومة الائتلافية "الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، وحتى من المحافظين في معسكرها الذين يرون في متاعب الاتفاق فرصة لتشديد الضغط على المستشارة التي يرفضون سياستها تجاه ازمة اللاجئين، فيما يتفق الديمقراطيون والمحافظون على معارضتهم أي تنازلات يمكن ان تُقدم الى اردوغان.

إصرار

وفي البرلمان الاوروبي، الذي يجب ان يوافق على إلغاء شرط التأشيرة لسفر المواطنين الاتراك الى دول الاتحاد الاوروبي، لا يريد النواب حتى النظر في القضية قبل ان تنفذ انقرة كل الشروط التي طرحها الاتحاد الاوروبي، وعددها 72 شرطًا، وقد نقلت مجلة شبيغل عن رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الالماني قوله: "إن البرلمان الاوروبي سيصر على التمسك بهذه الشروط، ومنها تعديل قوانين مكافحة الارهاب".&

وتتمثل اولوية اردوغان بتأمين سلطته في الداخل، حيث إن تعديل قوانين مكافحة الارهاب الفضفاضة، كما يطالب الاتحاد الاوروبي، سيضر بموقعه أكثر من ردود افعال الاتراك على عدم اعفائهم من تأشيرة السفر الى الاتحاد الاوروبي. &فهو لا يريد ان يبدو ضعيفاً في مواجهة الارهاب بعد تفجيرات اسطنبول وانقرة التي اسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، في وقت يخوض مواجهة مسلحة مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني المحظور.

ونقلت مجلة شبيغل عن مصادر قريبة من الرئيس التركي قولها إن اردوغان على اقتناع بأن الاتحاد الاوروبي سيتراجع ويمنح حرية السفر من دون تأشيرة للأتراك، وقالت ايليف اوزمنيك جارمكلي، من منظمة الابحاث الاستراتيجية الدولية في انقرة، إنه إذا اصر الاتحاد الاوروبي على شروطه فإن اقدام تركيا على الغاء الاتفاق بشأن اللاجئين سيكون مسألة وقت لا أكثر، ويكفي ان تتوقف دوريات الشرطة والجيش عن مراقبة الساحل الغربي التركي ليعود اللاجئون الى التدفق نحو اليونان عبر بحر ايجة.&

بدائل

في هذه الأثناء، يدرس المسؤولون الاوروبيون امكانية ايجاد طريق غير مباشر يتيح تعديل قوانين تركيا لمكافحة الارهاب بما يوفر الحماية للكرد والبرلمانيين المعارضين والصحافيين، ويقول دبلوماسيون في الاتحاد الاوروبي إن مثل هذا الطريق يستحق البحث، خصوصًا إن امكن تعديل هذه القوانين من خلاله.&

ويتابع المفاوضون الاوروبيون باهتمام خاص التعديل الدستوري الذي يعتزم البرلمان التركي اقراره خلال الايام المقبلة، وهذا التعديل يهدف إلى إمكانية رفع الحصانة البرلمانية عن النواب الاتراك، لكن يُخشى ان يستهدف النواب الكرد بصورة غير متناسبة، وقد نقلت مجلة شبيغل عن مصدر في الاتحاد الاوروبي قوله: "إذا حدث ذلك ستكون له رائحة انقلاب". &

ومن المتوقع ان تزداد اللهجة ترديًا بين انقرة وبرلين في 2 يونيو المقبل عندما يصوت البرلمان الالماني على قرار يحيي ذكرى جرائم الابادة التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن في عام 1915، وكان البرلمان الالماني اختار عدم اصدار مثل هذا القرار العام الماضي مراعاة للمفاوضات الحساسة التي كانت تجري مع انقرة، لكن النواب المحافظين في حزب ميركل ونواب الحزب الديمقراطي الاجتماعي يريدون تمرير القرار الذي يتحدث بصراحة عن وقوع جرائم ابادة، مشيرين الى ان اردوغان لا يعتزم التوقف عن التصعيد. &&

ويتبدى المصير القاتم للاتفاق بشأن اللاجئين في حقيقة ان الطرفين يتهيآن لفشله. ومن المتوقع ان يرى اردوغان في الاتفاق مؤامرة اوروبية ضد تركيا، فيما يقول مستشاره يغيت بولوت إنه لم يؤمن قط بـأن الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي سينجح.&

ضررٌ فادح

وسيلحق فشل الاتفاق ضررًا فادحًا بعلاقات اوروبا مع تركيا لسنوات مقبلة، ويمكن ان يسفر عن عودة ازمة اللاجئين بقوة، ولكن نتائج الفشل ستكون شديدة الوطأة على المستشارة الالمانية ميركل، ولا سيما ان انهيار الاتفاق سيكون أكبر فشل تُمنى به ادارتها في مجال كان يعتبر اقوى مواطن قوتها، وهو السياسة الخارجية. &&

وتنظر المعارضة التركية ايضا بقلق الى فشل الاتفاق، ويقول كمال كيليجدار اوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، إن ضررًا جسيما لحق بسمعة الاتحاد الاوروبي ونفوذه في تركيا خلال السنوات الأخيرة، وحذر زعيم المعارضة التركية خلال اجتماعه مع مسؤولين المان كبار في برلين مؤخرا من تشديد الاتحاد الاوروبي لضغوطه على تركيا قائلًا: "إن هذا لا يساعدنا"، واضاف ان على اوروبا ان تبدي مرونة بشأن قضية الاعفاء من التأشيرة، لأن ذلك من شأنه ان يساعد الاتحاد الاوروبي على استعادة شعبيته بين الاتراك. &
&