لندن: قبل شهر من الاستفتاء المقرر في 23 يونيو، يبدو ان احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يتراجع بعد سلسلة من التقارير التي حذرت من مخاطر هذا السيناريو.
واشتدت نبرة التحذيرات مع انضمام عدد متزايد من الشخصيات الى الحملة، وفي طليعتهم الرئيس الاميركي باراك اوباما نفسه، اضافة الى العديد من المؤسسات الدولية، التي تتابع عن كثب وقلق المناقشات المحتدمة في بريطانيا.
وعلى خلفية خصومة حادة داخل الحزب المحافظ، شبه رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون، الذي يتزعم المشككين في جدوى الاتحاد، المشاريع الاوروبية بخطط ادولف هتلر. اما رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي يتصدر دعاة البقاء في الاتحاد، فلوّح بمخاطر نشوب حرب عالمية ثالثة، مؤكدا ان خروج بلاده سيصبّ في مصلحة تنظيم الدولة الاسلامية.
وراى استاذ العلوم السياسية في جامعة ساسكس بول تاغارت ان اطلاق مثل هذه الشعارات المثيرة للصدمة يهدف الى اخفاء مدى تشعب الجدل وتعقيده، وقال "المطلوب ايجاد صيغة تفي بالغرض". وفي هذه الاثناء، اعلنت المؤسسات الوطنية والدولية الكبرى التاهب وضاعفت التحذيرات من خروج بريطانيا.
ولوّح بنك انكلترا باحتمال ان تشهد البلاد "انكماشا"، فيما حذر صندوق النقد الدولي من "خطر كبير على الاقتصاد العالمي". وابدى كبار المسؤولين الماليين في دول مجموعة السبع مخاوفهم من حصول "صدمة" على الاقتصاد العالمي.
تبعات هائلة
ومهما ندد انصار الخروج من البناء الاوروبي بـ"مشروع الخوف"، فان استطلاعات الراي تشير الى ان هذه التحذيرات كان لها تاثير على الناخبين البريطانيين.
وبحسب موقع "وات يو كاي ثينكس" (ما هو راي المملكة المتحدة) الذي يورد متوسط اخر ستة استطلاعات للراي، فان انصار البقاء في الاتحاد سيفوز بنسبة 55%، مقابل 45% لانصار الخروج. كما ان مكاتب المراهنات تشهد اقبالا من المراهنين على مواصلة المغامرة الاوروبية التي تعود الى 43 عاما. وقدر مكتب المراهنات "ويليام هيل" هذا الاحتمال السبت بـ86%.
غير ان الخبراء في الراي العام يدعون الى الحذر. فما زال عدد المترددين مرتفعا، ونسبة المشاركة ستكون حاسمة. خصوصا وان الذين يميلون الى التصويت للبقاء في الاتحاد، كالشبان والاقليات الاثنية، هم الذين يبدون اقل قدر من الاستعداد للتوجه يوم الاستفتاء الى مراكز التصويت.
وانعكاسات نتيجة الاستفتاء ستكون هائلة. فبمعزل عن تبعاته على الاتحاد الاوروبي والاقتصاد والعلاقات الدولية، ان خروج بريطانيا من الاتحاد قد يشجع النزعة الاستقلالية في اسكتلندا المؤيدة لاوروبا، وقد يقود الى استقالة كاميرون الذي يتولى رئاسة الحكومة منذ 2010.
واعلن رئيس الوزراء قبل ثلاث سنوات عن تنظيم هذا الاستفتاء سعيا منه الى مهادنة المشككين في اوروبا داخل حزبه، وفي مواجهة بروز "حزب الاستقلال" (يوكيب) المعادي لاوروبا. غير ان مبادرته شرعت الابواب على صراعات داخلية، وباتت الخلافات بين المحافظين علنية.
استعادة السيطرة
وتهدد هذه المسالة بترك جراح عميقة، نظرا الى النبرة التي تطغى على الجدل احيانا. وقد وصل الامر على سبيل المثال بوزير المالية جورج اوزبورن باتهام المؤيدين للخروج من اوروبا بانهم "جهلة اقتصاديا". ويخوض العديد من وزراء حكومة كاميرون حملة من اجل الخروج، واكثرهم صخبا هو بوريس جونسون.
ويجوب رئيس بلدية لندن السابق البلاد في حافلة لحض البريطانيين على "استعادة السيطرة" على بلادهم، وهو لم يعد يخفي طموحاته في خلافة كاميرون على رأس الحكومة. ويطلق جونسون الذي يحظى بتغطية اعلامية واسعة، الشعارات المثيرة للصدمة، بدون ان يخشى المغالاة، كما حين يتهم بروكسل بالتدخل حتى في تحديد شكل الموز.
اما زعيم "يوكيب" نايجل فاراج الذي اعتبر "مضرا" اكثر من ان يشارك في الحملة الرسمية لدعاة الخروج من اوروبا، فيقوم بحملة على حسابه في الشوارع، ويجوب البلاد هو ايضا في حافلة تحمل صورته. ويحذر بان "العنف قد يكون المرحلة المقبلة" في حال لم يحصل تغيير، مجازفا بصب الزيت على النار.
وسيشارك الى جانب كاميرون في اول برنامج تلفزيوني مهم يخصص للاستفتاء في 7 يونيو، وهما سيجيبان على اسئلة المشاهدين مباشرة على الهواء، بدون حصول نقاش مباشر بينهما.
8 محطات قد تلي الخروج
سيشكل خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد الاوروبي بعد الاستفتاء في 23 يونيو، زلزالا حقيقيا لهذا البلد كما للاتحاد. في ما يلي تبعات محتملة لمثل هذا السيناريو:
1- رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون يستقيل بعدما راهن بمصداقيته باطلاقه الاستفتاء وشنه بعد ذلك حملة للبقاء في الاتحاد الاوروبي. ويحل محله خصمه بوريس جونسون التي يتزعم دعاة الخروج من الاتحاد.
2- رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجون المتمسكة بالبقاء في الاتحاد، تقرر تنظيم استفتاء جديد حول الاستقلال عن المملكة المتحدة. وتنشق اسكتلندا هذه المرة، مبتعدة عن بلد اختار الخروج من البناء الاوروبي.
3- في ايرلندا، يعاد ترسيم حدود جديدة تعزل ايرلندا الشمالية عن جارتها العضو في الاتحاد، ما يضعف الحركة التجارية بين طرفي الحدود.
4- تباشر البلاد مفاوضات معقدة مع الاتحاد الاوروبي تستمر سنتين كحد اقصى، ستقرر شروط الوصول الى السوق المشتركة. وحذر رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر منذ الان بان "المملكة المتحدة ستكون دولة ثالثة لن نراعيها".
5- الصدمة في الاسواق والغموض والبلبلة في حي المال والاعمال في لندن، كل ذلك سيؤدي الى هبوط سعر الجنيه الاسترليني بنسبة 15 الى 20%، والى تضخم بنسبة 5%، وزيادة في كلفة العمل، فيما سيتراجع النمو 1 الى 1,5% (المصدر: مصرف اتش اس بي سي). وسيتم نقل الاف الوظائف من حي المال والاعمال الى مركزي فرانكفورت وباريس الماليين.
6- عدد المهاجرين القادمين من الاتحاد الاوروبي سيتراجع بشكل حاد، ما سيؤدي الى نقص في اليد العاملة في قطاعي البناء والخدمات.
7- دول الاتحاد الاوروبي الاخرى تتهافت الى بروكسل للتفاوض في ترتيبات، مهددة في حال عدم تحقيق ذلك بالخروج من نادي الدول الـ27 المتبقية.
8- بعد انقضاء المرحلة الانتقالية، ومهما كانت اليمة، ستبقى المملكة المتحدة قوة اقتصادية تتمتع بالمرونة والديناميكية، تستند الى شراكات اقتصادية جديدة وهجرة انتقائية.
التعليقات