ايلاف من لندن: تشهد بريطانيا أكبر معركة اعلامية في تاريخها بين معسكر المؤيدين لبقائها في الاتحاد الاوروبي ومعسكر الداعين إلى خروجها منه. نشأت قبل الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي في 23 يونيو المقبل حركة مناهضة للبقاء في الاتحاد الاوروبي لم يُعهد لها نظير، يمتد طيف ألوانها من اليمين إلى اليسار، من المحافظين إلى العمال، ومن ذوي الياقات الزرق إلى رأسماليين كبار يديرون صناديق تحوط. ويوزع مناهضو الاتحاد الاوروبي منشورات في مراكز المدن البريطانية ويعقدون ندوات عامة ويسوُّدون صفحات الرأي في الجرائد. وبعضهم يعملون منذ سنوات لإخراج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، في حين أن البعض الآخر لم ينضم إلى الحركة إلا أخيرًا. ويؤكد معظمهم أنهم يحبون القارة الاوروبية بوصفها وجهة سياحية لكنهم لا يريدونها أن تتدخل في شؤونهم.&

تناقضات

انضم مراسل مجلة شبيغل الالمانية إلى الحركة منتحلًا صفة ناشط ضد الإتحاد الاوروبي ليتمكن من الاطلاع على ما لا يستطيع الصحافيون الاعتياديون الاطلاع عليه، وربما لفهم ما يبدو عصيًا على الفهم، وهو أن قطاعات في بريطانيا تريد أن تدير ظهرها لأوروبا في فترة تتسم بأشد الأزمات حدة منذ عقود.&

توصل رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى اتفاق مع بروكسل يراهن على أن يكون كافيًا لإقناع مواطنيه بالتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الاوروبي.&

وأُنيطت بمراسل شبيغل المدسوس في الحركة المناهضة للاتحاد الاوروبي كريستوف شويرمان مهمة الاتصال هاتفيًا وقراءة نص يظهر على شاشة الكمبيوتر امامه يقول بعد التحية والتعريف بنفسه "إن رئيس الوزراء عاد باتفاق من بروكسل لكننا لا نعتقد انه حقق الاصلاحات الأساسية التي يحتاجها البلد".&

وقال الصحافي شويرمان إن كمبيوتر الهاتف يربطه بنحو 40 أو 50 منطقة، وانه فوجئ بأن بعض اعضاء المجالس البلدية الذين اتصل بهم لم يحسموا قرارهم حتى الآن.&

وعلى سبيل المثال، أن محافظًا من احد المجالس البلدية جنوب انكلترا ينتمي إلى كتلة المحافظين المناهضين لسلطات المفوضية الاوروبية لكنه يؤيد البقاء في الاتحاد الاوروبي. وانهى المكالمة معه قبل أن يسأله المراسل عن هذا التناقض.&

حماسة

الأمر الآخر الذي يُلاحظ في الحملة ضد البقاء في الاتحاد الاوروبي هو حماسة المشاركين فيها الذين يعتبرون انفسهم مناضلين في حركة من أجل الحرية والاستقلال، بل في ثورة شعبية على النظام القائم. يتعزز هذا الشعور بحقيقة أن الحملة الداعية إلى بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي تُموَّل من أسماء كبرى في اسواق المال مثل غولدمان ساكس وجي. بي. مورغان ومصارف اخرى.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الحركة المناهضة للاتحاد الاوروبي تمول نشاطها بجمع التبرعات الصغيرة ومن مانحين أثرياء أفراد.&

في مارس الماضي، بدأت حركة الخروج من الاتحاد الاوروبي مرحلتها الثانية بالنزول إلى الشوارع لإقامة أكشاك دعائية في المراكز التجارية، مثل شارع اوكسفورد وتوزيع المنشورات ودعوة المارة إلى التوقف امام الكشك والحديث مع القائمين عليه لتثقيف انفسهم بمنافع الخروج من الاتحاد الاوروبي.

واللافت في الحركة المناهضة للاتحاد الاوروبي انشغالها بقضية المال وتركيزها على ما تدفعه بريطانيا في اطار التزاماتها داخل الاتحاد. وعلى الرغم من أن ما ارسلته لندن إلى بروكسل العام الماضي هو مبلغ كبير قدره 8.5 مليارات جنيه استرليني، فإنه لا يشكل سوى واحد في المئة من الميزانية البريطانية.

فتور

يهز كثيرون رؤوسهم بإشارة رفض مؤدب حين يرون الشعارات الملصقة على الأكشاك الدعائية ويقرأون المنشورات. قالت امرأة مسنة انها ولدت في الثلاثينيات ولا تريد أن ترى اوروبا منقسمة مرة أخرى.&

لكن المعركة ضد الاتحاد الاوروبي توحد فوضويين مع رجال اعمال، مدافعين عن الديمقراطية مع معادين لتنامي سلطة الدولة، ومنتقدين للدولة عمومًا مع وطنيين. انه تحالف المتذمرين والناقمين، وائتلاف من لا يملكون الكثير ويشعرون أن قطار الثروة تركهم على الرصيف، مع أثرياء يملكون الكثير ويريدون الحفاظ على ما يملكون. وجميعهم يشتركون في الشماتة باوروبا، وهي تتابع بترقب وقلق الحملة الداعية إلى الخروج من الاتحاد الاوروبي.&

كانت بريطانيا تتعامل دائمًا بفتور مع عضويتها في النادي الاوروبي، وهي انضمت بسبب منطقة التجارة الحرة لكنها كانت دائما تنظر بعين الريبة إلى الطموحات الفيدرالية للنخبة التي تدير الاتحاد من بروكسل والدول التي بادرت إلى تأسيسه.&

رهائن

انطلقت اول مبادرة معارضة لأوروبا في عام 1969، حتى قبل أن تنضم بريطانيا إلى المجموعة الاقتصادية الاوروبية، قبل أن تتطور إلى الاتحاد الاوروبي. منذ ذلك الحين، ظهرت عشرات المنظمات ومؤسسات البحوث والشبكات المناهضة للارتباط بأوروبا، وهذه الأصول سبب من أسباب القوة التي تتمتع بها اليوم الحركة الداعية إلى الخروج من الاتحاد الاوروبي.

لا يعدم المشاركون في المعركة ضد اوروبا وسيلة للتنديد بالاتحاد الاوروبي. فهو عندهم المسؤول عن الحرب في أوكرانيا والمسؤول بالقدر نفسه عن حقيقة أن بريطانيا لم تتمكن من حماية نفسها ضد الفيضانات الأخيرة. أو هذا على الأقل ما تقوله منشورات وزعها حزب الاستقلال البريطاني.&

ومن الاتهامات الأخرى التي يوجهها دعاة الخروج إلى الاتحاد الاوروبي انه يخطط لابتلاع الجزر البريطانية ودمجها بدولة اوروبية موحدة أو "سوبر دولة". يقول دعاة الخروج إن البقاء في الاتحاد الاوروبي يزيد خطر الهجمات الارهابية ويرفع سعر لحم البقر البريطاني بنسبة 36 في المئة، وسيمكن 76 مليون تركي من المجيء إلى اوروبا. يقول وزير العدل البريطاني مايكل غوف الذي يؤيد خروج بريطانيا إن التصويت لصالح البقاء يعني "التصويت لصالح أن نكون رهائن في الاتحاد الاوروبي".

تفكك

اعترف الصحافي، كريستوف شويرمان، في نهاية مهمته لمجلة شبيغل بأنه الماني يعتقد أن خروج بريطانيا سيكون كارثة، وبأن بريطانيا تجلب كوزموبوليتانية إلى أوروبا، وهي ثقل مقابل لثقل فرنسا، وان الالمان بل الاوروبيين عمومًا يحتاجون إلى وجود بريطانيا في الاتحاد الاوروبي.&

وأعلن مراسل شبيغل اعترافه في اجتماع لمؤيدي الخروج من الاتحاد الاوروبي حضره نحو 30 شخصًا ظلوا واجمين حين كشف عن هويته الحقيقية، إلى أن قالت له امرأة: "تريدون اموالنا".&

يبدو أن لا جدوى من محاولة اقناع المناهضين للاتحاد الاوروبي بتغيير موقفهم. فمعركتهم أكبر من الاتحاد الاوروبي، وهم يريدون إيقاف الزمن لأنهم يخافون المستقبل، كما خلص مراسل شبيغل قائلًا إن اوروبا إذا تفككت فإن الشروخ الأولى ستظهر في بريطانيا، في شارع اوكسفورد وعلى جسر لامبث والبلديات التي تتمتع حملة الخروج بشعبية واسعة فيها. ولكن هذه الاماكن نفسها تشهد مقاومة لحملة الخروج التي تمجد الانكفاء والانعزال. والمؤمل أن يهدأ المعارضون للاتحاد الاوروبي إذا قررت بريطانيا البقاء في استفتاء 23 يونيو.&

أعدت "إيلاف" هذه المادة عن ديرشبيغل، الرابط الاصل:

http://www.spiegel.de/international/europe/brexit-from-the-inside-the-movement-to-leave-the-eu-a-1093895-druck.html