حصلت "إيلاف" على نسخة من نصوص التحقيقات مع رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر، بتهمة نشر أخبار كاذبة قال فيها إن تكلفة الفساد في مصر 600 مليار جنيه خلال العام الماضي.
إيلاف من القاهرة: بعد يوم واحد من إقالته من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، بتاريخ 29 مارس الماضي، أحيل المستشار هشام جنينة وهو قاضٍ سابق إلى التحقيق في نيابة أمن الدولة العليا بتهمة نشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، بمناسبة صدور تصريح صحافي قال فيه إن تكلفة الفساد في مصر خلال العام 2015، تصل إلى 600 مليار جنيه، وهو ما أثار الحكومة ورئاسة الجمهورية ضده، وشكل السيسي لجنة لتقصي الحقائق في الأرقام المعلنة، وانتهت إلى اتهام جنينة بإثارة الرأي العام ونشر أخبار كاذبة.
وأثار قرار إقالة ومحاكمة جنينة الكثير من ردود الفعل الغاضبة محلياً ودولياً، لاسيما أن رؤساء الأجهزة الرقابية في العالم، لا يقالون، ويتمتعون بالاستقلال عن السلطة التنفيذية، ومنحه إعلاميون ونشطاء في مصر &لقب "محارب الفساد"، لاسيما أنه دأب على نشر تقارير رسمية تكشف الكثير من جوانب الفساد في مؤسسات الدولة المصرية، لاسيما ما تعرف بـ"المؤسسات السيادية"، ومنها الشرطة والقضاء والمخابرات العامة.
وتنشر "إيلاف" أهم ما ورد في التحقيقات مع جنينة، على خلفية اتهامه بـ"بث أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالاقتصاد المصري وتكدير السلم والأمن الاجتماعي".
خبر كاذب
&
وقال &جنينة، في بداية التحقيقات، إن ما نشر على لسانه بجريدة اليوم السابع، والمتعلق بتكلفة الفساد في عام 2015 تقدر بـ 600 مليار جنيه، هو خبر كاذب، مشيراً إلى أن ما أدلى به لم يكن عن سنة واحدة، ولكن عن ثلاث سنوات.
وأضاف في التحقيقات التي تنشرها "إيلاف" في حلقتين، أنه أصدر بياناً لتصحيح الأرقام التي تداولها الإعلام، وقال: "أصدرت بيانًا من الجهاز تم إرساله إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط لتصحيح وتصويب الخطأ المنشور في جريدة اليوم السابع، ونشرته جريدة روز اليوسف بطريقة صحيحة.
واتهم هشام جنينة "تلميحاً" غريمه وزير العدل السابق أحمد الزند، بتدبير حملة إعلامية ضده، للوقيعة بينه وبين رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وقال في التحقيقات، إن "هناك حملة إعلامية مدبرة تم فيها قص التصريح وجعله منسوبًا لعام 2015 فقط؛ بهدف الإيقاع بين الجهاز المركزي وقياداته ورئيس الجمهورية، بمحاولة الإيهام أن هذا الكم من الفساد كان في عام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى فقط بالمخالفة لحقيقة الدراسة"، مضيفًا أنه "علم من مصادره أن الحملة المدبرة، كانت بالتنسيق مع أحد الوزراء المقالين".
ووصف الضجة التي أثارها تصريحه بأنها "غير مبررة ولا وجود لها في الواقع ولا سند لها في الحقيقة". ولفت إلى أن هذه الأرقام جاءت نتيحة دراسة أعدت بالاشتراك مع وزارة التخطيط عن تحليل تكلفة الفساد خلال الفترة ما بين 2012 إلى 2015.
وتابع: "قلت الدراسة شملت الفترة من 2012 حتى 2015، وأن الأرقام ليست حاضرة أمامي، لكنها تتجاوز مبلغ 600 مليار جنيه خلال تلك الفترة"، وكشف أن دراسة الـ600 مليار كانت بتكليف من وزارة التخطيط، وهى من اختارت أعضاء اللجنة التي وضعتها.
وأوضح جنينة في التحقيقات، أن وزارة التخطيط &طلبت منه إعداد دراسة عن تحليل الفساد، وهذا واضح في المكاتبات المتبادلة بينه وبين وزير التخطيط، مضيفًا أن التكليف ورد في خطاب وزارة التخطيط بشأن هذه الدراسة، بطلب عضوين من الجهاز لإعداد جزء من دراسة حول تكاليف الفساد في مصر لرفعها لرئيس الجمهورية، لافتاً إلى أنه وافق على طلب الوزارة ولم يعلم سبب اختيار هذين العضوين بالتحديد، منوهًا إلى أنه لم يتدخل من قريب أو بعيد في عمل اللجنة المسؤولة عن إعداد الدراسة الأولى.
تدقيق
وحسب أقوال جنينة في التحقيقات، فإن الدراسة الأولى لاقت قبولًا لدى وزارة التخطيط بدليل أنها طلبت اعتمادها وتوثيقها، كما أنها كانت تتضمن أرقامًا تتجاوز الرقم الذي ورد بالدراسة الثانية التي أعلن عنها، مضيفًا أنه أبلغ وزير التخطيط بأن جزء الدراسة الذي أعده عضوا الجهاز غير دقيق وغير موثق ومستمد من بيانات من وسائل الإعلام.
وأشار إلى أنه طلب من وزير التخطيط، ومديرة مركز الحوكمة بإعادة تدقيق الدراسة عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات، لافتًا إلى أنه رفض طلب مديرة مركز الحوكمة بإشراك جهات أخرى في الدراسة، لأنه لا يجوز إطلاع أي جهة على أعمال الجهاز؛ لسرية عملها.
وأوضح أنه لم يطلب تدقيق الدراسة الأولى، وإنما هو اقتراح المكتب الفني في الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أن المكتب الفني اقترح تشكيل لجنة من بعض قطاعات الجهاز، وعددهم أربعة عشر قطاعاً للتدقيق في هذه الدراسة المقدمة لوزارة التخطيط، كاشفا أنه وافق على هذا الطلب ولم يكن له أي دور في اختيار أعضاء اللجنة أو ترشيح أحد أو توجيهاً من أجل تدقيق الدراسة الأولى، مشيرًا إلى أنه تم إخطار وزارة التخطيط بذلك، وأنها وافقت على هذه الدراسة.
وأضاف: "التقارير في الأصل لا يجوز نشرها؛ حفاظًا على الأمن القومي وسرية المعلومات، ولكن يجوز وفقًا للدستور نشر بعض التفاصيل دون الدخول في المضمون، كعناوين رئيسية أو تحذيرات تجاه جهات معينة، أو تصرفات معينة خصوصًا في ظل عدم وجود قانون حتى الآن ينظم تداول المعلومات".
ولفت إلى أن "كل الجهات الرقابية لها الحق في الحديث عن الفساد وتحديده، بدليل أن الرقابة الإدارية تحدثت عن فساد وزارة الزراعة في القضية المشهورة"، منوهًا بأن الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر تلزمها بكشف الفساد والحديث عنه.
وذكر رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، أن "مهمة الجهاز كشف الفساد، واتخاذ إجراءات إبلاغ الجهات المعنية للتحقيق في الفساد، قائلاً: "وهذا ما قمت به".
ونفى اتهامه بإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، قائلًا: "تاريخي القضائي لا يخولني أن أرتكب سلوكًا أو مسلكًا قد يوقعني تحت طائلة القانون، أنا أعلم حدود اختصاصاتي الوظيفية وصلاحياتي القانونية خلال عملي بجهاز المحاسبات".
وقال إن "الاتهام لا يقوم على سند أو دليل سوى أقوال المبلغين لا صفة ولا مصلحة لهم في ذلك سوى الإساءة والتشهير به، مشيرًا إلى أن من يقف وراء هذا البلاغ أجهزة في الدولة.
خصومة
وقدم رئيس الجهاز المركزي السابق للنيابة ما يفيد وجود خصومة سابقة بينه وبين المستشار تامر الفرجاني، المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، الذي أصدر قراره بإحالته للتحقيق.
وأوضح أن تقريراً للجهاز المحاسبات أثبت وجود مخالفات بتخصيص أراضٍ بالحزام الأخضر بمدينة السادس من &أكتوبر لقيادات النيابة العامة، ومن بينها اثنان من النواب العموم السابقين ورئيس محكمة جنايات أمن الدولة العليا دائرة الإرهاب، والقائم بأعمال رئيس نادي قضاة مصر حاليًا، ووزير سابق في حكومة إبراهيم حلب، كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون القانونية والنيابة، وترأس بعد تركه منصبه الوزاري إحدى دوائر محكمة النقض.&
وتضمنت الأوراق التي قدمها جنينة، بلاغاً للنائب العام برقم 10499 لسنة 2014، وتصريحات للمستشار تامر الفرجاني، لجريدة التحرير بتاريخ 19/2/2014، وصف فيها تقرير الجهاز المركزي بـ"المخالفة للقواعد والقوانين التي وضعها المجلس القضاء الأعلى".
وفي ما يتعلق بتحريات جهاز الأمن الوطني، قال جنينة إنه تقدم ببلاغات ضد وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم وخالد ثروت، مدير مباحث الأمن الوطني، وكذلك الضابطين المحررين بمحضر التحريات اللذين قاما بتحريات "مكذوبة" استمدت من خلال وزير العدل السابق أحمد الزند، وزجوا بأسماء كثيرة من القضاة، والذين كان وزير العدل يريد التخلص منهم، بزعم أنهم من الإخوان المسلمين أو ضد الدولة.
وتابع: "هناك دعوى منظورة أمام القضاء الإداري بشأن تلك التحريات اختصم فيها المذكورون ليقدموا ما لديهم من أدلة، وإلا اعتبر ما ورد في التحريات تزويراً في محضر رسمي بإثبات من يخالف الحقيقة".
وذكر أن قرار إعفائه الصادر من رئيس الجمهورية صدر بعد البيان الصادر من نيابة أمن الدولة العليا، معتبراً أن هذا استباق للنتائج، ما يضع نيابة أمن الدولة العليا في حرج، لاسيما أن قرار الرئيس بعزله من منصبه كان قبل انتهاء التحقيقات، أو ثبوت أي اتهام ضده.
&
التعليقات