على هامش الجدل الذي أثارته تغريدة لوزارة الخارجية العمانية التي اعتبرت فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قرارا جريئا وشجاعا، رأت مصادر دبلوماسية أن سلطنة عمان ربما تطمح هي الأخرى لمغادرة منظومة مجلس التعاون الخليجي.&

إيلاف من لندن: لفت أنظار المراقبين اقتراحا لنائب رئيس مجلس الشورى العماني السابق إسحاق سالم السيابي عبر تغريدة على حسابه الشخصي في "تويتر" للقيام باستفتاء على بقاء دول الخليج داخل مجلس التعاون أسوة باستفتاء بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

وأضاف السيابي وهو مقرب من القيادة العمانية أن: "الفكرة استفتاء لمواطني المجلس جميعا على مدى تحقيق المجلس لأهدافه في ظل اختلاف السياسات الاقتصادية والأمنية وغيرها".

وقال: "وإذا لم يحقق المجلس طوال تلك السنوات أهدافه المرجوة (فرضاً)، ولم يلمس مواطنوه نتائج مباشرة، فليشارك أبناؤه الراي لمسار المستقبل".

متابعة ايلاف

وكانت (إيلاف) تابعت تغريدة وزارة الخارجية العمانية عن احترام السلطنة لإرادة الشعب البريطاني بعد تصويته على خروج بلاده من الاتحاد الأمر الذي أثار انتقادات وردود أفعال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصفت الخارجية العمانية عبر تغريدة على حسابها الرسمي في موقع "تويتر" تصويت البريطانيين لصالح مغادرة بلادهم الاتحاد الأوربي، بالقرار "الشجاع والتاريخي" للشعب البريطاني قائلة: "الشعب البريطاني اتخذ قرارا شجاعا تاريخيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي.. يفسره البعض كرد فعل حازم تجاه بعض سياسات المفوضية الأوروبية".

وعادت وزارة الخارجية العمانية لنشر تغريدة عبرت فيها عن احترام سلطنة عمان لإرادة الشعب البريطاني والتصويت بخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، وذلك في الاستفتاء الشعبي الذي جرى يوم أمس الاول الموافق الثالث والعشرين من شهر يونيو الجاري&

وقال إنها في نفس الوقت تؤكد على علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الصديقين، وعلى التعاون الثنائي القائم في مختلف المجالات.

كما عبرت سلطنة عمان عن ثقتها في استمرار بريطانيا في أداء دورها البناء على الساحة الدولية وبما يخدم دعائم الامن والسلم والاستقرار.

وتأتي التغريدة المثيرة للجدل من جانب وزارة الخارجية العمانية، وسط تساؤلات وغموض في شأن علاقات السلطنة مع مجلس التعاون الخليجي حيث لمسقط مواقف متحفظة كثيرة على بعض السياسيات والتحركات داخل المجلس، وكثيرا ما أعلنت رؤى مخالفة لرؤى دوله على الساحة الإقليمية.&

عاصفة تعليقات

وأثارت هذه التغريدة عاصفة ضمت المئات من ردات الفعل من جانب متابعين عُمانيين، حيث ندد بعضهم بتدخل وزارة الخارجية العمانية في شأن داخلي لدولة أخرى. وتساءلوا ما إذا كان هناك تغييراً ما في سياسة السلطنة الحيادية ؟.

وقال مغردون لوزارة الخارجية العمانية: "الشعوب تختار مصائرها وتقدير شجاعتها من عدمه و وضع التفسيرات الغير مؤكدة لهذه القرارات لا شأن لكم به".&

واعتبر بعض المغردين موقف الخارجية العمانية، تدخلا في الشؤون الداخلية للآخرين ولا يعكس موقف السلطنة المعروف بالحذر وبعدم التدخل في شؤون الغير.

خروج عُمان&

ودشن مغردون هاشتاغ &#Omexit تقليدا لشعار الحملة التي دعت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي Preexit، وغرد أحد النشطاء متسائلا "هل خروج عُمان من منظومة مجلس التعاون بات قريبا؟"، وتساءل آخر: "هل هو إشارة نية الخروج من مجلس التعاون الخليجي؟".

من جهته، اعتبر رئيس تحرير صحيفة "الفلق" الإلكترونية العمانية المعتصم البهلاني أن "أي كلمة تصدر من هذا الحساب (وزارة الخارجية) ستعتبر بمثابة تصريح رسمي من الحكومة العمانية"، داعيا إلى أن تدار "حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الحكومية بعيدا عن العشوائية، خصوصا هذا الحساب" ويقصد حساب وزارة الخارجية.

تساؤلات

ويشار إلى أنه كثيرا ما طرح مراقبون تساؤلات عن احتمال انسحاب السلطنة من المنظومة الخليجية حيث ظلت على الدوام تتخذ مواقف تقول إنها حيادية في شؤون إقليمية حساسة في شكل مخالف للإجماع داخل مجلس التعاون.&

وعلى مدى السنوات برزت على السطح خلافات عمانية ـ خليجية فيما يتعلق بالعملة الموحدة والسياسة المالية للمجلس، فقد أبدت عمان تحفظاتها على مشروع العملة الموحدة، في حين أكدت وجود فروق وخروقات في تعاملات بعض دول الخليج، وبعد أن استضافت عمان القمة الخليجية عام 2008 لم يحضر السلطان قابوس أياً من القمم التالية، ما قد يبدو إشارة إلى عدم الرضا العماني عن اتجاه السياسة الخليجية.

اضطرابات&

وكان مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث قال في تقرير نشره في &كانون الثاني (يناير) 2016 &إن خلال مسيرة مجلس التعاون الخليجي صبحت المنطقة التي تحيط بدول الخليج العربية أكثر اضطراباً وأقل استقراراً منذ أن أُعلن تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981.&

واشار التقرير إلى سلطنة عمان تفردت بجملة من المواقف التي بدت بعيدة عن نسق السياسة الخليجية، مع العزوف عن الملفات والقضايا ذات الحساسية التي شهدتها منطقة الخليج على وجه الخصوص.

وبينما تواصل السلطنة سياستها البراغماتية، ولا سيما فيما يتعلق بأكثر المهددات لأمن الخليج، وهو المهدد الإيراني، وتقديمها نموذجاً للدولة الوسيطة بين الأطراف المتنازعة، يبقى مستقبل الاختلاف السياسي بين عُمان وباقي دول مجلس التعاون محل جدل وأهمية من حيث توحيد الجهود الخليجية في درء الأخطار، ومواجهة التحديات، والدفع نحو آفاق موحدة في المواقف السياسية والمجالات الاقتصادية والأمنية.

القطيعة مع ايران&

ويشير تقرير مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث إلى أنه مع القطيعة الخليجية مع ايران وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، فإن بعض دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، وصعت أولوية كبيرة للوقوف ضد المشروع الطائفي الإيراني، إلا أنه يبدو أن سلطنة عمان ابتعدت عن قرار كهذا.

ورغم ذلك، فإن السعودية رغم الموقف العماني حرصت على المحافظة على كيان المجلس والبعد عن انشقاق أحد أعضائه.&

ويري التقرير إنه من الممكن أن تستمر علاقة سلطنة عمان بسياسات ودول المجلس كما هي عليه الآن، فما عرف عن مسقط من سياسة مسالمة ومحايدة وبعيدة عن نيران المشاكسات السياسية، وما ينعكس من جراء هذه السياسة من استقرار سياسي لعمان، لن يدفعها إلى الدخول في مناكفة، خاصة مع جارتها إيران.

فالسلطنة لا ترى نفسها دولة إقليمية لها ثقلها وطموحاتها في المنطقة، ومن ثم قد تستمر عمان الدولة غير المندفعة والمحافظة على ود الجميع، ومنهم دول المجلس، ولهذا الوضع أثره غير الإيجابي في دول الخليج المناوئة لإيران في حال تطورت العلاقات العمانية الإيرانية، وخاصة في جانبها الاقتصادي، حيث إن بذل الجهود في حصار إيران وكفها عن التدخل في شؤون دول الخليج قد لا يجدي كثيراً مع تطور علاقاتها مع عمان.

التباين العماني الخليجي

ويتابع تقرير مركز صناعة الفكر للدراسات انه مع تزايد المخاطر المحيطة بدول الخليج، وتتعاظم التهديدات من حولها، سواء الخطر الإيراني أو خطر التنظيمات المتطرفة، وحتى تقف دول الخليج لحماية أمنها الإقليمي، فإن فرصة التقائها تحت سقف سياسة واحدة خيار إيجابي لضمان توحيد الجهود المتنوعة ضد تلك التهديدات، ولعل التحرك بصفة جامعة في شكل وحدة متناسقة سياسياً مكسب استراتيجي قد يؤدي التفريط فيه إلى احتمال وقوع أخطار تعصف بأمن دول الخليج.

ومثل هذه الأخطار قد تقود إلى انخراط سلطنة عمان في مزيد من العمل المشترك مع المجلس ضد الأخطار المتمثلة في إيران والتطرف، والقبول بتدابير اقتصادية مشتركة داخل المجلس من شأنها المحافظة على مستوى الرفاهة الموجود في الخليج.&

ولكن مع ارتباط عمان وإيران بعلاقات مميزة، فإن أي إجراء سياسي موحد لدول المجلس تجاه إيران قد لا تقبل به سلطنة عمان، وهو ما قد يدفع بعض دول الخليج إلى اتخاذ مواقف جماعية بعيداً عن قبة المجلس، ولعل الجانب الاقتصادي والأمني سيكون محل تقارب أكثر بين سلطنة عمان وباقي دول المجلس، وهو السيناريو الأقرب تحقيقاً.&

الوجه الاقتصادي

وإلى ذلك، فإنه غلى الواجهة الاقتصادية للعلاقة بين عمان وإيران، فإنها لا تبدو أنه أقل أهمية من البعد السياسي، ففي دراسته الاستراتيجية الإيرانية في الخليج العربي التي أعدها مركز صناعة الفكر، بدا أن التعاون في مجال الطاقة هو الأهم في علاقات البلدين الاقتصادية، إذ وقَّع البلدان اتفاقاً يقضي بمد خط أنابيب لتصدير الغاز الإيراني إلى عمان، حيث سيصل حجم الصادرات منه إلى قرابة 10 مليارات متر مكعب سنوياً، وفي جانب التبادل التجاري بين البلدين بلغ حجمه سنوياً مليار دولار تقريباً.&

وكان وزير التجارة والصناعة العماني اشار إلى أن هناك 259 شركة إيرانية تعمل في عمان، وهو ما يؤكد الأنباء حول اتفاق الجانبين على إنشاء غرفة تجارية مشتركة لتعزيز التنسيق والتبادل التجاري، كما أعلن عن ذلك في 2014.&

وكانت صحيفة (تفاهم) الإيرانية، نقلت بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) من العام 2015، وهي مقربة من الرئيس حسن روحاني، تصريح حميد جيت جيان، وزير الطاقة الإيرانية، بعد لقائه أحمد بن محمد الشهي وزير شؤون البلديات والمجاري المائية في سلطنة عمان، بأن إيران لا ترى أي حدود أو شروط مسبقة لمساعدة عمان في بناء السدود وحل مشكلات الري هناك، وأشار الوزير العماني كذلك إلى أن مصادر المياه العذبة في عمان تقع على الحدود الساحلية، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة الملوحة فيها، وقلة كميتها، وتواجه عمان عجزاً في مياه الري الزراعي في السنة القادمة بنسبة 300 مليون متر مكعب، وأن أكثر من 60% من احتياطي المياه العذبة لدى عمان تتبخر خلف السدود الموجودة.


&