إيلاف من الرباط: قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن الفضاء المتوسطي "تتهدده العديد من أشكال التصدع الخطيرة، بدءًا بسلام طالما سعينا له دون أن نتمكن، حتى الآن، من تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط، ومروراً بتصاعد وتيرة العنف والإرهاب والتطرف والانكفاء على الذات، علاوة على المآسي المرتبطة بالهجرة وتدبير الموارد المشتركة وحماية البيئة".

واشار العاهل المغربي، في رسالة بعثها بمناسبة الحفل الأول لموسيقى البحر الأبيض المتوسط، المنظم بقصر الأمم بجنيف، والتي تلتها شقيقته الأميرة للا حسناء اليوم السبت، الى أن المنطقة المتوسطية لابد أن تعود كما كانت فضاء للسلم المستدام والرخاء المشترك، وتجسد من جديد قيم التشارك والاحترام المتبادل والتسامح والتنوع. 

وزاد الملك محمد السادس قائلاً " لابد لنا أن نستعيد إنسانيتنا ونعيد للفضاء المتوسطي مجده وعزته، وهذا ما يسعى المغرب جاهدًا لتحقيقه بتعاون وتضامن مع بلدان أخرى، انطلاقًا من تشبثه واعتزازه بانتمائه المتوسطي".

باسم كل ما هو مشترك بيننا 

وأمام المخاوف ونزعات الإنطواء التي تغذيها الإيديولوجيات المتطرفة، دعا الملك محمد السادس إلى التحلي بالشجاعة والعزم "من أجل أن يحاور بعضنا البعض، ونصغي لبعضنا البعض، ونفهم بعضنا البعض، ونقبل بعضنا البعض، ونعمل مع بعضنا البعض، باسم كل ما هو مشترك بيننا".

وهنا، يقول ملك المغرب، يأتي دون ريب دور الفنان "الذي أنيطت به مهمة إحياء هذه الثقافة التي رأت النور في كنف الفضاء المتوسطي. إنه دور يقوم على تغذية الروابط التي تجمعنا بهذا الفضاء وقيمه". 

وقال العاهل المغربي إن تنظيم هذا الحفل، في هذا السياق المأساوي والمتردي الذي تمر منه المنطقة المتوسطية، "سيمكننا، ولو للحظة وجيزة، من أن نحتفي ونحتفل بأبهى ما نمتلك من قيم الإنسانية والتسامح والحرية والكرامة والاحترام المتبادل". 

وأعرب الملك محمد السادس عن رغبته القوية في أن ترعى مختلف البلدان المتوسطية هذه المبادرة وغيرها من المبادرات الثقافية المماثلة، وأن تعبئ هذه البلدان مثقفيها وفنانيها، من أجل التصدي لنزعات الانطواء والتعصب والتطرف. 

تاريخ المغرب تكريس للتنوع 

وذكر الملك محمد السادس أن المغرب ما فتئ يسعى لتعزيز انتمائه المتوسطي والعربي والأفريقي، من خلال موقعه كجسر بين أوروبا وأفريقيا وبين الشرق والغرب. وقال: " وما تاريخ المملكة المغربية إلا تكريس للتنوع، الذي ظل على الدوام في صلب اهتمامات كل الأسر التي حكمت المغرب وتلاحمت مع شعبه". 

وهو نفس النهج، يضيف الملك محمد السادس، الذي كرسته المملكة المغربية بكل وضوح في ديباجة دستورها التي أكدت على "تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". 

وشدد ملك المغرب على أن إنسانية وحداثة النهج المغربي تنبثقان من صلب القيم، التي تنادي بها منظمة الأمم المتحدة، والمتمثلة في الحوار بين الحضارات، والتنوع الثقافي، ونبذ التطرف بكل أشكاله. 

وخلص الى القول إن ثروة أي بلد من البلدان، لا تقاس فقط من خلال المؤشرات الاقتصادية، بل وكذلك، وبالدرجة الأولى، من خلال "القوة الناعمة" التي يتوفر عليها، ومن خلال ما يتمتع به من استقرار وعراقة تاريخ، وغنى ثقافي وموروث حضاري.