واصلت الصحف البريطانية الصادرة صباح الاثنين اهتمامها بمتابعة أصداء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا الجمعة في صفحاتها الأول وافتتاحياتها ومقالات الرأي فيها. واهتم معظم الصحف بحملة الاعتقالات التي شنتها السلطات التركية في أوساط الجيش والسلطة القضائية، وما وصفه بعضها بمحاولة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إحكام قبضته على السلطة بعد هذه المحاولة الانقلابية. كما هي الحال مع صحيفة التايمز التي جاء عنوانها الرئيسي في صفحتها الأولى في هذا الصدد، وعلا تغطية اخبارية تابعت تطورات الأوضاع في تركيا بعد الانقلاب، مشيرة الى أن الرئيس أردوغان بدأ حملة تطهير غير مسبوقة في الجيش والقضاء إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي فتحت أمامه "طريقا واضحا إلى السلطة المطلقة، ظل يُتهم لوقت طويل بأنه يتوق إليه". واشارت الصحيفة إلى اعتقال نحو 6000 شخص منذ فشل الانقلاب الجمعة بينهم، على الاقل، 2840 من الجيش و 2745 من القضاة، كما أغلقت السلطات خمسة مواقع إخبارية، مدشنة "حملة قمع جديدة على حرية وسائل الإعلام في دولة يزداد تأسلمها"، بحسب الصحيفة. وفي افتتاحيتها التي حملت عنوان "أفضل من الشيطان" قالت التايمز إن انقلابا عسكريا ناجحا ضد الرئيس التركي كان سيشكل كارثة لكن على اردوغان الآن أن يحترس من غواية ممارسة سلطة مستبدة. وترى الصحيفة أن حزب العدالة والتنمية قد جلب لتركيا قوة ورخاء واستقرارا منذ عام 2002، ولكن على حساب الحرية وحقوق الانسان، إذ طهّر اردوغان القوات المسلحة والسلطة القضائية ووسائل الإعلام للقضاء على عدد من المؤامرات المزعومة. وفي مقال تحليلي في الصحيفة ذاتها يكتب إدوارد لوكاس إن "فشل الانقلاب في تركيا لم يحم الديمقراطية بل قبرها"، مبررا خلاصته تلك بأن الرئيس اردوغان مصمم على تدمير دور القانون وحقوق الإنسان والصحافة الحرة والقضاء المستقل. ويرى لوكاس أن ادوغان يصف كل من يقف في طريقه بأنه عدو له، فضلا عن كونه دائم الشك بالأجانب، لذا فإن تعامل الغرب معه سيكون أشبه بكابوس. وفي تحليل آخر تكتب الصحيفة عما تسميه "السقوط الدرامي للجيش" مشيرة إلى أن قادة الجيش التركي كانوا في السابق لا يحتاجون سوى كتابة مذكرة صغيرة للإطاحة بالحكومة، ويتصرفون مع السياسيين أشبه بالمعلمين الذين يراقبون الطلاب في ساحة المدرسة، إذ اطاحوا بالحكومات التركية المختلفة أربع مرات بين 1960 و 1997. بيد أن الفشل الكبير لانقلاب الجمعة يعكس، بنظر الصحيفة، تحولا جذريا في بؤرة تمركز السلطة في تركيا خلال العقود الماضية فضلا عن كيفية تطور الموقف الشعبي الرافض لتدخل الجيش. وفي السياق ذاته تخصص صحيفة الغارديان مقالا افتتاحيا فيها للانقلاب التركي الفاشل تحت عنوان "انقذت الديمقراطية ، والآن حان دور الدفاع عن حقوق الانسان". وتقول افتتاحية الصحيفة إن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا كانت ستكون خبرا سيئا لو أنها نجحت، فالديكتاتورية العسكرية هي إحدى أسوأ أشكال الحكم المعروفة ، لكن ديكتاتورية منتخبة ليست أقل سوءا وخطرا منها و"تركيا تترنح متجهة نحو مثل هذا الشكل من الدولة". وتخصص الصحيفة ذاتها إحدى صفحاتها لمقال للكاتبة، أليف سكوت، مؤلفة كتاب "نهضة تركيا" والتي تعيش في تركيا، تحت عنوان "الجانب المظلم في الدفاع عن الديمقراطية". وتقول الكاتبة إن اردوغان لم يتردد في طلب الدعم من الجماهير وذلك دليل على شعبيته، كما أن الاتراك عموما سيقاومون عنف الانقلابات التي خبروها في العقود السابقة، لكنها تتحدث عما قامت به تلك الحشود المعارضة للانقلاب والمؤيدة لاردوغان إزاء الجنود، وكثير منهم شباب صغار لم يتلقوا تدريبا عسكريا جيدا، حيث حوصروا وضربوا وجردوا من ملابسهم، بل وأُعدم بعضهم من دون محاكمة بحسب تقارير. وترى الكاتبة أننا أصبحنا أمام حالة بات فيها عنف الغوغاء مقبولا بوصفه "دفاعا عن الديمقراطية" من قبل الرئيس الذي تعزز نفوذه وسلطته بشكل أكثر قوة من أي وقت مضى. وتخلص سكوت إلى أن ثمة ارتياح في تركيا لفشل الانقلاب العسكري و"أننا لن نعيش تحت حكم عسكري، لكن ثمة جانبا مظلما في الواقع استيقظنا عليه، وسمة سوريالية في هذا الابتهاج الهائج الذي اجتاح شوارع اسطنبول. إذ دعا اردوغان انصاره لمواصلة احتفالاتهم طوال الاسبوع" وتختتم مقالها متسائلة عما ستحمله الأعوام القليلة القادمة للأتراك؟ ويتحدث تحليل اخر في الصحيفة ذاتها كتبه جوليان بورغر وباتريك كينغسلي تحت عنوان "لحظة وحدة ومن ثم عودة إلى الأعمال كالعادة". ويركز الكاتبان على ما شهده البرلمان التركي من لحظة نادرة للوحدة في خطابي أحزاب الحكومة والمعارضة في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تبني خطاب يدين تلك المحاولة ويرفض تدخل الجيش في السياسة التركية. لكن المقال يشير إلى أن الرئيس اردوغان لم يظهر أي سمة امتنان لأحزاب المعارضة التي اسهمت إدانتها للمحاولة الانقلابية في تسريع اجهاضها، واصفة تلك المحاولة بأنها "هبة من الرب" له ستسمح له بتطهير مؤسسات الدولة من أعدائه. وفي افتاحيتها التي حملت عنوان "على اردوغان ان لا يتخلى عن الديمقراطية" ترى صحيفة ديلي تلغراف أنه مؤشر على قوة العملية الديمقراطية في بلد مثل تركيا، حكم العسكر ليس غريبا عليه: أن ينقلب الشعب ضد إنقلاب عسكري هدد لفترة وجيزة حكومة الرئيس أردوغان، إذ قاد الانقلاب الفاشل إلى تقوية قبضة الادارة المنتخبة شرعيا بدلا من جذب معارضي الرئيس لدعم قضية الانقلابيين. لكن الصحيفة تشدد في افتتاحيتها على أن الديمقراطية شارع ذو اتجاهين، ويجب على اردوغان بالمقابل أن يخضع للقوانين أيضا، والخطر الأكبر الان، بنظر الصحيفة، يتمثل في المخاوف من أنه سيرد على المحاولة الانقلابية بفرض حكم تسلطي في تركيا مع مزيد من الإجراءات القاسية التي تصب في مصلحته. ويكتب في الصحيفة ذاتها مارك الموند، المؤرخ من جامعة اوكسفورد والاستاذ الزائر في جامعة بيلكنت في انقرة، حيث يعد كتابا تحت عنوان "تركيا العلمانية : تاريخ موجز"، مقالا تحليليا عن علاقة تركيا بالغرب، يرى فيه أن تزايد شك تركيا في أنه لن يرحب بها أبدا في الاتحاد الأوروبي قد يدفعها لتشكيل بعض التحالفات الجديدة المثيرة للقلق. وبعد مقدمة عن الموقع الاستراتيجي الحيوي لتركيا واعتماد الولايات المتحدة وحلفائها عليها بوصفها معقلا لمصالحها، يرى الموند أنه منذ تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، تنامت الشكوك في انقرة بأن عدم الترحيب بتركيا في النادي الأوروبي باتت حقيقة مقبولة، الأمر الذي دفع باردوغان إلى مغادرة طموحاته السابقة بأن يكون الزعيم التركي الذي سيدخل بلاده إلى الاتحاد الأوروبي. ويقول الموند إن اردوغان بدأ فجأة "ثورة دبلوماسية درامية خلال الشهر الذي سبق الانقلاب"، فسارعت حكومته إلى إصلاح علاقاتها المتوترة مع روسيا ومصر واسرائيل، وفي عشية الانقلاب تحدث رئيس الوزراء التركي الجديد حتى عن إحياء العلاقات مع سوريا. ويرى كاتب المقال أن العلاقات الأمريكية التركية تمر بمنخفض، فالبنتاغون فوجئ بقرار تركيا بشمول الطائرات الأمريكية والطائرات من دون طيار التي تعمل من قاعدة انجرليك التركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، بقرار حظر الطيران الذي فرض على الأجواء التركية خلال المحاولة الانقلابية. كما قطع التيار الكهربائي عن القاعدة وأعتقل لاحقا القائد التركي للقاعدة، الأمر الذي أثار شائعات بشأن كونه نقطة اتصال بين الانقلابيين والبنتاغون. ويضيف الموند أن الرئيس التركي، بعد الدفء الذي ساد علاقات واشنطن مع إيران، جارة تركيا، يقدم نفسه الآن لإسرائيل كحليف طبيعي ضد إيران وحلفائها في ما يسمى بـ"الهلال الشيعي" وفي المقدمة منهم حزب الله اللبناني. ويخلص الكاتب إلى أن الانقلاب الفاشل لم يزد حس عدم الاستقرار داخل تركيا، حسب، بل عزز العوامل التي تجعل من تركيا اردوغان مصدرا مطردا وعنصرا مساعدا في القلق وعدم اليقين في عموم المنطقة الحساسة المحيطة بتركيا. ويختتم مقاله بالقول إن الأزمة التركية ليست قضية داخلية، وإن الموجات الارتدادية للاقتتال الداخلي فيها ستجتاح أوروبا والشرق الأوسط. ولن يتكمن اردوغان من السيطرة عليها حالما تتدفق من تركيا. لكن يبدو أن الغرب غير راغب في أن يتقدم للقيام بدوره. وتخصص صحيفة الفايننشال تايمز أيضا مقالها الافتتاحي عن أصداء المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا تحت عنوان "على تركيا أن تسعى إلى اتفاق وليس إلى انتقام". وتقول الصحيفة إنه بعد التمرد يأتي الانتقام، وإن اردوغان وجد في الانقلاب الفاشل "هبة من الرب" منحته فرصة للقيام بتطهير داخل الفوات المسلحة التركية. وترى الصحيفة أنه من الأفضل له ولبلده المكلوم أن يدرك أن الديمقراطية ليست مجرد فوز بانتخابات، بل تتطلب إبداء الاحترام للمعارضين وبناء دعم مشترك للأهداف الوطنية المشتركة، وبضمنها أولوية الحكم المدني. وقد وضعت الصحيفة ذاتها عنوانا رئيسيا في صدر صفحتها الأولى لتغطيتها للوضع في تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة "حملة تركيا على المتمردين تطال قلب دائرة المقربين من اردوغان"."ديكتاتورية منتخبة"
"تحالفات مثيرة للقلق"
- آخر تحديث :
التعليقات