انتشرت ظاهرة اطلاق الرصاص في الهواء في لبنان ما يعكس حجم انتشار السلاح الفردي بلا ضوابط منذ الحرب الاهلية ويطرح ضرورة التشدد في تطبيق القوانين وتحديثها، وقد دفع القوى الامنية الى تفعيل تدخلها لملاحقة المتورطين.

بيروت: حمل سلاحه متوجها الى حفل زواج صديقه، فلطالما حلم بأن يطلق عشرون رصاصة احتفالا بزواج رفيق عمره، لكن سرعان ما تحول الفرح الى ترح حيث اصيبت رصاصة طائشة شاب يبلغ من العمر ٢٢ عاما، وبدلاً من التهاليل والزغاريد سيطر النحيب والبكاء لأم احترق قلبها بإحتفالات طائشة. 

ولقد انتشرت ظاهرة اطلاق الرصاص في الهواء في لبنان مؤخرا حيث يعمد البعض الى الاحتفال ليس فقط في الزواجات بل في ولادة طفل او بإطلالة زعيم عبر التلفزيون، او حتى بفوز مرشح في الانتخابات او بنجاح تلميذ في شهادة تعليمية، حتى وصل بهم الأمر الى استخدام الرصاص في المناسبات الحزينة ايضا مثل مأتم لشاب قتل في حادث سير او على الجبهات، وتعكس هذه الظاهرة حجم انتشار السلاح الفردي بلا ضوابط في لبنان منذ الحرب الاهلية (1975-1990) ويطرح ضرورة التشدد في تطبيق القوانين وتحديثها، وقد دفع القوى الامنية الى تفعيل تدخلها لملاحقة المتورطين.

نصرالله يحذر محازبيه

تتكرر ظاهرة السلاح في مناطق لبنانية مختلفة، لا سيما في الضاحية الجنوبية، احدى ابرز مناطق نفوذ حزب الله، وخصوصا خلال خطابات الامين العام للحزب حسن نصرالله، ولقد وجه نصرالله مرارا نداءات لعدم استخدام السلاح في المناسبات لكنها لم تجد صدى في الشارع، فما كان منه الا ان حذر محازبيه في 24 يونيو بان من يطلق النار في الهواء سيفصل من الحزب حتى من "يكون قاتل إسرائيل 30 سنة".

ويقر قاسم (36 عاما)، وهو بائع متجول في مدينة صيدا (جنوب)، باقدامه على اطلاق الرصاص ابتهاجا في مناسبات عدة على مدى السنوات الماضية، لكنه يشدد على انه لا يفعل ذلك "بين البيوت، انما في الساحات العامة بعدما اطلب من الناس الابتعاد”، ويقول "اول مرة اطلقت الرصاص كانت منذ 14 عاما حين ولدت ابنتي عروبة تزامنا مع ذكرى استقلال لبنان في 22 نوفمبر”، ويضيف "كانت اول فرحة لنا واطلقت حينها 75 رصاصة".

وكرر قاسم اطلاق رصاص الابتهاج، بحسب قوله، بعد شفاء ابنته من مرض اصيبت به وفي كل عيد استقلال ومع ولادة طفله الثاني، وبرغم اصابته سابقا بالخطأ خلال تنظيفه مسدسا، يقول "السلاح زينة الرجال". ثم يؤكد انه تخلى مؤخرا عن سلاحه. 

انتشار السلاح الفردي

واذا كان من السهل على عناصر حزب الله الذي يقاتل في سوريا ويرفض التخلي عن ترسانته الضخمة بحجة مواجهة اسرائيل، الحصول على السلاح، الا ان ذلك لا يقتصر عليهم. إذ ينتشر السلاح الفردي بكثافة في لبنان، وهو بمعظمه غير مرخص، وفق ما يؤكد مسؤولون وناشطون في المجتمع المدني.وفي شهر مارس الماضي أحصت القوى الامنية مقتل اربعة اشخاص على الاقل بينهم ثلاثة اطفال في اطلاق نار في الهواء، واصابة ثمانية اشخاص آخرين برصاص طائش.

ويقدر فادي ابي علام، رئيس حركة "السلام الدائم"، وهي منظمة غير حكومية تنشط في مجال التوعية على مخاطر استخدام السلاح لفرانس برس، عدد قطع السلاح الخفيفة "بنحو اربعة ملايين قطعة سلاح اي عدد سكان لبنان”، ويستدرك "صحيح انه لا يوجد سلاح في بعض المنازل لكن هناك العشرات في بعضها الاخر".

وينطبق على حيازة السلاح واستخدامه قانون الاسلحة الصادر العام 1959، ويعاقب "كل من أقدم على اطلاق النار في الاماكن الاهلة بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من 500 ليرة الى الف ليرة (0,6 دولار) او باحدى هاتين العقوبتين"، وتحول هذه العقوبة التي مرّ عليها الزمن بفعل تغير قيمة العملة، دون تعرض مطلقي النار لعقوبة فعلية.

المطالبة بتشديد العقوبة

ويقول النائب غسان مخيبر الذي تقدم مؤخرا باقتراح لتعديل هذه الاحكام "طالما للقاضي الحرية في اختيار احدى هاتين العقوبتين فانه يتجه الى انزال عقوبة الغرامة البسيطة جدا”، ووقع عشرة نواب من مختلف الاحزاب الرئيسية على اقتراح القانون تمهيدا لمناقشته والتصويت عليه عند اول جلسة للبرلمان المعطل منذ 2014 بسبب ازمة سياسية حادة في لبنان، ويطالب الاقتراح بتشديد عقوبة السجن حتى 20 عاما ورفع قيمة الغرامة حتى 12500 دولار، وبإنزال العقوبتين معا بحق كل من يطلق الرصاص وتجريده من سلاحه.

وأطلقت قوى الامن الداخلي حملة توعية بعنوان "بتقبل تقتل؟" للحد من هذه الممارسة التي يصفها رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزف مسلم بـ"المرضية والقاتلة"، ويوضح "أطلقنا خدمة بعنوان “بلِّغ” لتشجيع المواطنين على ابلاغنا عن مطلقي النار مع الحفاظ على سرية" هوية المبلغين، مضيفا "بتنا نعلن عن توقيف مطلقي الرصاص يوميا لنعلم الناس اننا نلاحقهم ونريد تعاونهم لوقف هذه الظاهرة".

واوقفت قوى الامن الداخلي 136 شخصا بين الاول من يونيو والرابع من الشهر الحالي، ويقول ابي علام الذي وثقت جمعيته سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح منذ العام 2000 "اطلاق الرصاص يأتي تعبيرا عن مشاعر فرح وحزن، لكن السماء لم تبلع يوما رصاصة".