«إيلاف» من الرباط: يعتقد أكثر من 65 في المائة من المغاربة الذين شاركوا في استطلاع "إيلاف المغرب" أن دولتهم نجحت، من وجهة نظرهم، في معالجة أزمة الريف، باحتواء ذيولها والتحكم في تداعياتها السلبية، وأنها تجنبت التصعيد حيال الاحتجاج الذي عرفته منطقة الحسيمة وبعض البلدات القريبة منها .
وتباينت المواقف التي عبر عنها المغاربة، عبر مختلف القنوات، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي، بخصوص أداء الحكومة في معالجة الأزمة التي طالت عدة أشهر وتجري حاليا فصولها الأخيرة أمام المحاكم التي تبت في التهم المنسوبة من الدولة، ضد الناشطين الشباب الذين أشعلوا فتيل الأزمة في المنطقة منذ حوالي سنة على خلفية مصرع تاجر السمك محسن فكري.
غير أن مغاربة آخرين يرون أن سلطات بلادهم تقاعست أكثر من اللازم ولم تكترث للمطالب الاجتماعية ذات الطابع المادي التي خرج الناشطون بسببها إلى الشوارع، رافعين شعاراتها بكيفية سلمية في ساحات مدينة الحسيمة ، لا سيما وأن الحركة ظلت محدودة في المدينة ولم تتبعها باقي المراكز الحضرية في المنطقة عكس ما تمناه المحتجون.
صحيح أن عدم الإصغاء وإجراء حوار في وقته بين السلطات والمحتجين ، أدى إلى مزيد من احتقان الأوضاع ، ما جعل المحتجين يتشددون في مواقفهم لدرجة أن مجموعات منهم، عمدت في ذروة الحماس وغليان الشارع، إلى الإيقاع ، عبر تصرفات طائشة،لإحداث صدام بين المتظاهرين و قوات الأمن العمومية التي أرسلت تعزيزات منها إلى مكان الأحداث، تحسبا لأي انزلاق محتمل ، دون أن تتدخل قوات حفظ النظام بعنف باستثناء لحظات التوتر الشديد، بل كثيرا ما أظهرت شبكات التواصل المحتجين الهائجين وهم يلقون بالحجارة على قوات الأمن ما تسبب في إصابات بينهم.
ذات الجماعات، عمدت أيضا إلى استعداء السكان وتحريضهم على العصيان وشن إضرابات محلية وعدم الامتثال والتجاوب مع نداءات التهدئة التي أطلقتها قوى سياسية وحقوقية ومجتمعية .
وفي خضم الحراك وتفاعلاته وتوالي وقفات الاحتجاج، كان طبيعيا أن تتوجس الدولة المغربية من الدوافع والخلفيات الحقيقة الكامنة وراء الإحداث ومعرفة من يشجع على التصعيد والصمود أسابيع. استعملت أولا وسائل الإقناع السلمي بحث الغاضبين على العودة إلى منازلهم خاصة وأن السلطات اعترفت ، فيما يشبه النقد الذاتي، بتقصيرها في إنجاز المشاريع التنموية التي جرى الإعلان عنها والتوقيع عليها رسميا في حفل رسمي رأسه عاهل المغرب الملك محمد السادس، والذي سيكتشف بنفسه مدى إهمال المسؤولين في القطاعات الحكومية المعنية ما تسبب في عرقلة بل تعطيل المشاريع التي أطلقت لتوفير خدمات وأيضا لتحسين حياة سكان و منطقة تنعدم بها بعض التخصصات الطبية كما لا يوجد بها نشاط اقتصادي كفيل بخلق فرص العمل لمواجهة البطالة المتفشية .
ومن الصعب الجزم برأي قاطع بشأن الأسباب الحقيقية لاندلاع أحداث أشاعت قلقا ومخاوف في بلد مستهدف من طرف جهات أجنبية ؛ يخوض معارك ومواجهات في أكثر من جبهة دبلوماسية واقتصادية وأمنية ، بهدف تأكيد حضوره في الفضاء الإفريقي، على سبيل المثال ، بعد أن ضمد جراح الماضي وقرر،بمحض إرادته، الرجوع إلى حضن الأسرة الأفريقية، مراهنا على المستقبل وعلى التعاون الثنائي والمتعدد مع دول القارة التي هو ،أي المغرب ،جزء طبيعي منها, هي مخططات وحروب يتعرض ويتصدى لها المغرب، بما يملك من وسائل التأثير.
كل ذلك لم ينتبه إليه احتجاج الريف ، ولم يقدر تأثيراته المحتملة على سلامة الجبهة الداخلية ؛ وإنما اعتصمالمحتجون ورفعوا الصوت عاليا ، موجهين اتهامات خطيرة للدولة من قبيل التمييز بين جهات المغرب ؛ علما أن الكثير منها يعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية أصعب من منطقة الريف ، لكنها لم تخرج إلى الشارعلتحدي السلطة ولم تتجاوز الخطوط الحمراء .
ربما يكمن هنا احد أخطاء وسوء تقدير متزعمي حراك الريف ، بحسن أو سوء نية منهم ؛ فقد توهموا أن باقي المناطق المتضررة من الأزمة الاقتصادية ستتبعهم، ما سيخلق وضعا سيفرض على الدولة قبول كل المطالب بما فيها تلك التي لم تخطر بالأذهان مع بداية الاحتجاج . يذكر في نفس السياق ان بعض رموز الحراك، ذهبوا بعيدا في استفزاز السلطات من خلال تصريحات مسجلة، و التباهي بقوتهم على الدولة. منهم من اعتبر أحداث الحسيمة امتدادا لتظاهرات ومطالب حركة 20 فبراير 2011؛ ناسين أن الأخيرة اتسمت بالطابع العفوي السلمي وركزت على ضرورة إنجاز إصلاحات مؤسساتية يحتاجها المغرب كله .
أكثر من هذا استفادت 20 فبراير، من دعم القوى السياسية وتعاطف واسع من لدن الرأي العام في الداخل والخارج ،فضلا عن أنها جاءت في سياق سياسي خاص وظرفية إقليمية ودولية مغايرة لم يعد لها وجود بعد مضي أكثر من ست سنوات.
لم ينطلق احتجاج الريف من أجندة محددة قابلة للتنفيذ فبدل حصر المطالب المشروعة ، ذهب الخيال السياسي ببعض المحرضين إلى المناداة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في المنطقة ، معتبرين حركتهم الحالية امتدادا لما وقع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، فيما سمي بتمرد الريف ضد السلطة المركزية التي أخمدته بالقوة العسكرية .
من اللافت الإشارة هنا إلى أن متزعم الحراك ناصر الزفزافي وضع في خلفية تصريحاته المرئية صورة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي أعلن المقاومة في العشرينيات ضد الاحتلال الإسباني.
والحقيقة أن عوامل كثيرة، ساهمت في إطالة أمد الاحتقان الأخير، بينها أن المنظمات الوسيطة منأحزاب وهيئات مدنية، على الصعيدين المحلي والوطني، عجزت عن التدخل في الأزمة وممارسة تأثير متوازن على المتظاهرين وعلى السلطات لإقناعهما بفضيلة الحوار وتهدئة الأجواء .
علاوة على ما سبق، كان للأزمة الحكومية دور سلبي في استمرار الاحتقان. وفي وقت خيل لزعامات في صفوف المحتجين أن فشل الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة ، يعني ضعف الدولة وهشاشة المؤسسات الدستورية وعجزها بالتالي ،حسب تحليلاتهم الرومانسية ، عن مواجهة الاحتجاج. كانوهما كبيرا سقط فيه بعض متزعمي حراك الريف ، أدى بهم في النهاية إلى السجن ثم المثول أمام العدالةلمواجهة تهم ثقيلة.
وتبدو نتيجة التصويت على سؤال استطلاع "إيلاف المغرب " طبيعية ومبررة : فأن يؤيد 66.67 في المائة، الأسلوب الذي انتهجته السلطات لغاية الآن ، فذاك مؤشر على أن غالبية المغاربة غير مطلعين على الأسباب الخفية لاحتجاج الحسيمة ، وبالتالي فقد استحضروا لحظة التصويت على الاستطلاع نمعطيين أساسيين : أولهما هبة الدولة وأسبقية المحافظة على الأمن والاستقرار. والمعطى الثاني أن المصوتين غير واثقين كلية في نوايا ومزاعم دعاة الاحتجاج، أو على الأقل يشكون في قوى أجنبية تلعب بهم.
لقد اتضح في فترات، أن ما جرى على امتداد أسابيع في ساحات بمدينة الحسيمة ،استغله وبالغ في إبرازه الأعلام الأجنبي، بكل وسائله إذ صوره على أنه ثورة شعبية ضد النظام.
وقد يكون الترابط بين حراك الريف وتسويقه في الخارج ، من بين الأسباب التي ضاعفت منسوب شكوك الدولة في الدوافع والاشتباه في الارتباط بالأجنبي، والذي ليس ضروريا أن يكون حكومات ، بل تكفي لتأجيج النار جمعيات ناشطة يغذيها معارضون مغاربة بمعطيات غير دقيقة عن حقيقة الأوضاع في بلادهم.
والحقيقة أن الملك محمد السادس ،قام بكل ما يمكن أن يتخذه حاكم ، من إجراءات جريئة وشجاعة أعلنها في خطاب العرش الأخير ثم استكملها بتدابير صارمة في حق مسؤولين ثبت تورطهم في الإخلال بمسؤولياتهم في عدم إنفاذ ما التزموا به لحظة التوقيع على المشاريع التنموية بمنطقة الريف. إجراءات غير مسبوقة هي في حد ذاتها أقوى من أي اعتذار للسكان أو نقد ذاتي .
في المقابل، لم يبد الطرف الذي يدعي انه مظلوم، مرونة او بادرة حسن نية ، كأن يسارع بدوره إلى القيام بنقد ذاتي صريح يجيب من خلاله عن الدوافع الخفية وكذا الأسئلة العالقة بأذهان فئات عريضة من المغاربة .
فالسؤال البديهي الوارد كل لسان هو : هل كان ضروريا حدوث كل ما حدث؟ هنا ستختلف الأجوبة حسب القناعات والنوايا الطيبة أوالخبيثة .
التعليقات