وصلت أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا إلى طريق مسدود، بعد تعثر المفاوضات بين الجانبين على مدار عدة سنوات، وعدم التوصل لاتفاق يتجنب التأثير على حصة مصر من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب. وتدرس القاهرة عدة سيناريوهات للتحرك دوليًا وقانونيًا من أجل الحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل.

إيلاف من القاهرة: بعد فشل المفاوضات السياسية والفنية بين مصر وإثيوبيا، بشأن سد النهضة، وإصرار أديس أبابا على الإضرار بحصة القاهرة من مياه نهر النيل، تدرس الحكومة المصرية عدة سيناريوهات للتحرك دوليًا من أجل الحفاظ على حصتها من مياه النيل. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح مشروع المزرعة السمكية بمحافظة كفر الشيخ، أمس: "إن مياه مصر موضوع ليس فيه نقاش، وأطمئنكم لا أحد يستطيع أن يمس مياه مصر، وتحدثنا مع أشقائنا في السودان وأثيوبيا من البداية على 3 عناصر منهم عنصر عدم المساس بالمياه".

وأضاف: "أوضحنا أننا نتفهم التنمية وهي أمر مهم، ولكن مقابل ذلك توجد مياه لا تعني بالنسبة لنا التنمية فقط، ولكن تمثل حياةً أو موتًا لشعب"، ودعا السيسي المصريين إلى الحفاظ على المياه، معتبرًا أن التبذير في استهلاكها يعد تجاوزًا في حق مصر.

وكانت الحكومة المصرية، أعلنت أنها تدرس الإجراءات التي يجب اتخاذها بعد تحفظ أثيوبيا والسودان على تقرير أعده مكتب استشاري فرنسي حول سد النهضة، وانتهاء اجتماع ثلاثي لوزراء مياه الدول الثلاث في القاهرة، دون التوصل إلى توافق حول تقرير المكتب الاستشاري ، وتخشى مصر أن يتسبب تشغيل سد النهضة، المتوقع العام المقبل، في خفض كمية المياه التي تصل إليها .

مسارين

من جانبه، صرح السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن مصر تتحرك في ملف سد النهضة على مسارين أحدهما فني والآخر سياسي.

وأضاف في تصريحات له، أن المسار الفني في ملف النهضة أساسي ومهم ، ومن خلاله يتم إعداد الدراسات حول تأثير السد على دولتي المصب ، والتوصل إلى نتائج متفق عليها بين الدول الثلاث ،مشيرًا إلى أن مسار الاتفاق حول قواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي ، لا غنى عنه وضروري أن نصل إلى نهايته.

وأكد أن مصر لديها خطة تحرك واضحة في التعامل مع ملف سد النهضة، وتم تكليف السفارات المصرية في الخارج اليوم لشرح ما وصلت إليه المفاوضات ، والمرونة التي تعاملت بها مصر في هذا الملف على مدار الأشهر الأخيرة ، والتأكيد على أهمية الالتزام باتفاق إعلان المبادئ وهو خطوة أولى لإشراك المجتمع الدولي في متابعة تطورات الموضوع.

وأضاف:" نحن الآن في مرحلة إشراك المجتمع الدولي في معرفة التفاصيل، وأين تقع العثرات؟ وسبب التعثر في هذا الملف، ومن المسؤول في تعثر هذا المسار؟ ثم الانتقال إلى مرحلة التحرك السياسي التي تتطلب أن يمارس المجتمع الدولي الضغوط على الأطراف التي تتسبب في تعثر هذا الملف، وهناك اتصالات سياسية مباشرة بين مصر وأثيوبيا".

وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد حسني، إن اللجوء لمحكمة العدل الدولية تعتبر الورقة القانونية الدولية الهامة حاليًا أمام الجانب المصري، مؤكدًا أن موقف القاهرة قوي، إذ أن (أديس أبابا)، وباعتراف المكاتب الاستشارية، رفضت التعاون في إنجاز الدراسات.

وأضاف لـ"إيلاف": أن الموقف الإثيوبي يتناقض مع إعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه في الخرطوم 2014 من رئيس وزراء أثيوبيا ونظيريه المصري والسوداني، وينص على أن تلتزم الدول بتسهيل عمل الخبراء الفنيين في المكاتب الاستشارية ، كما أن أثيوبيا لم تلتزم بمبادئ قانونية في السد، أهمها الإخطار المسبق قبل بدء إنشاء السد ، وبالتالي يمكن لمصر أن تتقدم بشكوى للأمم المتحدة أو مجلس الأمن خاصة والدول الثلاث القاهرة والخرطوم وأديس أبابا أعضاء بالأمم المتحدة.

ولفت إلى أن مجلس الأمن من صلاحياته إذا رأى نزاعًا يهدد السلم الدولي أن يستدعي الأطراف المتنازعة لتسوية النزاع، أو يوصي بذهاب الدول الثلاث للتحكيم الدولي".

دولي وقانوني 

وحسب وجهة نظر أستاذ القانون الدولي وخبير المواثيق الدولية، الدكتور محمد شعلان، فإن مصر ليس أمامها سوى التحرك الدولي والقانوني لحل أزمة بناء سد النهضة، بعد فشل المسارين الفني والسياسي بين مصر وأثيوبيا رسميًا، مشيرًا إلى أن الحديث عن المسار السياسي مجرد مماطلة في الوقت تصبح في صالح أثيوبيا التي ستبدأ تخزين مياه سد النهضة بشكل فعلي مع نهاية عام 2018.

وقال الخبير الدولي لـ"إيلاف"، إن مصر تمتلك بعض أوراق الضغط الدولية لوقف تعنت أثيوبيا تجاه تنفيذ المطالب المصرية ، من أبرز تلك الأوراق التقدم بطلب عاجل لعقد اجتماع لمجلس الأمن ،وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وعرض ملف كامل عن أزمة مفاوضات سد النهضة وتعنت الجانب الأثيوبي ، والقانون الدولي يلزم مجلس الأمن بالتدخل حفاظًا على السلم العام للدول والشعوب، وفي هذه الحالة يتوقع صدور قرار رسمي من مجلس الأمن يؤيد المطالب المصرية بخصوص المسار الفني المتعلق بسنوات تخزين المياه خلف سد النهضة.

وطالب الخارجية المصرية بالتواصل مع الدول الكبرى، واستغلال العلاقات الطيبة مع دول بعينها مثل الصين وفرنسا وأميركا والسعودية وألمانيا لتكوين لوبي دولي ضد أثيوبيا.

بينما تتهم المعارضة المصرية السيسي شخصيًا بالتسبب في ضياع حقوق مصر في مياه نهر النيل، وقال حزب مصر القوية، برئاسة نائب المرشد الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح، بعد توقيعه اتفاق إعلان المبادئ في نهاية شهر مارس 2015، ووصف الحزب هذا الاتفاق بـ"الخطيئة الكبرى التي ارتكبها النظام المصري".

مسؤولية كاملة

وأضاف الحزب في بيان له، تلقت إيلاف نسخة منه، أن "توقيع الاتفاق حول "سد النهضة" وللمرة الاولى منذ تدشين المشروع إلى سد معترف به دون أدني مواربة من دول المصب (مصر والسودان) بعد أن كان عملاً عدائيًا، وليؤصل الاتفاق لسيادة مبدأ "الانتفاع المنصف والمعقول" على مبدأ "الالتزام بعدم التسبب في ضررٍ ذي شأن"، مشيرًا إلى أن "الاتفاق أنهى طلب مصر المتكرّر بوقف بناء السد الإثيوبي حتى تكتمل الدراسات التي أوصت بها لجنة الخبراء الدولية بشأن السد".

وقال الحزب: "إننا في حزب مصر القوية نحمل عبد الفتاح السيسي ونظامه المسؤولية الكاملة عن خطيئة التفريط في حقوق مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل، حين وقع منفردًا وبلا أدني درجة من درجات الشفافية وبغير توافق وطني على اتفاق إعلان المبادئ بتاريخ 23 مارس 2015، و ما ترتب على ذلك من خلق واقع وإطار قانوني جديد، وشرعنة عمل عدائي يهدد بوضوح مستقبل ووجود الدولة المصرية".

وطالب الحزب الإسلامي، السيسي "فورًا بتحمل المسؤولية والخروج أمام الرأي العام للإفصاح عن حقيقة الأوضاع المتردية بجوانبها المختلفة الفنية والسياسية والقانونية، وتوضيح ما يهدد أمن مصر القومي من مخاطر جراء إنشاء هذا السد، وخطته - التي نشك في وجودها أصلاً - لمواجهة الكارثة"، على حد تعبيره.