فر نحو 2500 من سكان مدينة الموصل مطلع هذا الأسبوع من الشطر الغربي من المدينة التي ترزح تحت نير تنظيم الدولة الإسلامية منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. وتشير تقديرات وكالات الإغاثة إلى أن هناك ما يقرب من 750 ألف مدني محاصرين في غربي الموصل غير قادرين على المغادرة أو يخشونها بالرغم من الاحتمال الواقعي جدا بأن تكون معركة السيطرة على المدينة - بين القوات العراقية ومقاتلي التنظيم - طويلة وحامية الوطيس. وحتى الآن، فإن الهجوم على غربي الموصل يمضي كما كان متوقعا، بدرجة كبيرة. فالجيش العراقي الأفضل تجهيزا وتدريبا بكثير من القوات التي مُنيت بهزيمة منكرة على يد تنظيم الدولة في عام 2014 يتقدم الآن بطريقة منهجية باتجاه أطراف المدينة بفضل القوة النارية المكثفة والغطاء الجوي الذي توفره طائرات التحالف. وبالرغم من وحشيتهم وتشددهم، فإن مقاتلي تنظيم الدولة لديهم القدرة على الابتكار، إذ أنهم طبقوا في الأيام القليلة الماضية تخطيطا حربيا غير مسبوق تقريبا في حروب المدن الحديثة، وهو استخدام طائرات بدون طيار لإسقاط قنابل ومتفجرات ضد أهداف مدنية وعسكرية. بالطبع تُستخدم الطائرات العسكرية بدون طيار من جانب الجيوش في أنحاء الشرق الأوسط لإحداث تأثيرات مدمرة، وهي تسفر غالبا عن خسائر بالغة في الأرواح. لكن المعدل والدقة التي يستخدم بها التنظيم الطائرات بدون طيار الصغيرة وغير المتطورة نسبيا في الموصل أعاق بدرجة كبيرة تقدم القوات الحكومية. وأثارت هذه الطائرات أيضا حالة من الذعر لدى المدنيين، وضمنهم سكان الشطر الشرقي من الموصل، الذي استعادت القوات العراقية السيطرة عليه من أيدي التنظيم خلال الجزء الأول من الحملة العسكرية لطرد المسلحين من آخر معقل لهم في العراق. وفي مستشفى بمدينة أربيل، شمالي العراق، التقيت بأم محمد التي تبلغ من العمر 55 عاما. كانت أم محمد، التي لديها سبعة أبناء وهي من الشطر الشرقي من الموصل، تجلس في سريرها، وجسدها متصل بأنبوب يضخ سائلا عبر الوريد، وغير قادرة على الاستلقاء بسبب الألم الحاد في ساقها اليمنى. ولحقت عدة إصابات بساق أم محمد جراء قنبلة يدوية أو عبوة ناسفة ألقيت من طائرة بدون طيار. وقالت لي أم محمد "خرجت يوما إلى السوق لشراء بعض الحاجات.. وفجأة وجدت نفسي ملقاة على الأرض وأنظر لأعلى. بدأ الناس يشيرون إلى السماء من حيث سقطت القنبلة. أين الأمن بينما تحوم هذه المعدات فوق رؤوس الناس وتقتلنا؟". استخدام هذه الطائرات بدون طيار، بحمولتها الخفيفة نسبيا، لن يغير من مسار هذا الصراع. وهناك آلاف الأسلحة الأغلى ثمنا بكثير والأكثر فتكا وتطورا يجري استخدامها كل يوم بالآلاف. ويقول ايمانويل نانيني من مؤسسة الإغاثة الإيطالية التي تساعد في إدارة المستشفى التي تتلقى فيها أم محمد وغيرها من ضحايا الطائرات بدون طيار العلاج، إنه بالرغم من ذلك لا يمكن استبعاد التأثير النفسي لهذه الهجمات على الناس. وقال لي "من الناحية المادية (فإن الهجمات بطائرات بدون طيار) تشبه كثيرا هجوما بالهاون، لكنها في الواقع دقيقة جدا". وأضاف "كل واحدة من هذه الطائرات بدون طيار تضرب بالفعل الهدف المحدد لها. لكن من الناحية النفسية، فإن التأثير قد يكون شديدا جدا على السكان لأنها قد تضرب أهدافها في أي لحظة وفي أي مكان". لكن سكان شرقي الموصل بدأوا فترة راحة وجيزة من هجمات الطائرات بدون طيار بعد أن حول مسلحو تنظيم الدولة انتباههم نحو خط المواجهة الجديد باتجاه جنوب وغرب المدينة. وباستخدام كلمات معبّرة، أبلغني زميل، عاد للتو من مهمة تغطية صحفية بالجبهة الأمامية مطلع الأسبوع، أن الوضع وكأن "السماء تمطر قنابل"، وذلك في إشارة إلى كثافة الهجمات التي تنفذها الطائرات بدون طيار ضد قوات الأمن العراقية التي تحاول اقتحام المدينة. من المهم التأكيد مرة أخرى على التفوق الكاسح للقوات العراقية من ناحية العدد والعتاد على أعدائهم من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. كما أن القوات العراقية تحصل على دعم كبير من الحلفاء الأمريكيين وقوات التحالف. وقال الليفتنانت كولونيل جون هوكبيكر قائد السرب الأول في فرقة الفرسان 73 بالجيش الأمريكي إن "الحرب في الموصل ستكون تحديا كبيرا لأي جيش، لكن المعركة ستنتهي فقط بنتيجة واحدة". ويمكن في كثير من الأحيان رؤية "المستشارين" العسكريين والقوات الأمريكية في الخط الأمامي وخلفه تماما وأيضا في قواعد قيادة متقدمة لمساعدة وتوجيه الإرشادات لنظرائهم من القوات العراقية. لكن الليفتنانت كولونيل جون هوكبيكر يقر بأن أفراد القوات البرية الأمريكية يمكنهم المشاركة في القتال فقط إذا استدعت الضرورة. وفي القاعدة العسكرية التي زرتها، والتي تقع على بعد كيلومترات قليلة من الأطراف الغربية للموصل، كانت قطع مدفعية أمريكية ضخمة تطلق قاذفات باتجاه مواقع لتنظيم الدولة داخل المدينة المحاصرة وحولها. أبلغني رجال المدفعية أنهم في اليوم السابق شهدوا أكثر فترة ساخنة من الصراع حتى الآن إذ أنهم ألقوا بالمئات من القذائف على أهداف استُخدم في تحديدها طائرات المراقبة بدون طيار الأكثر تطورا. القوات الأمريكية ستقلل من استخدام الأسلحة المتطورة مع انتقال الصراع إلى الشوارع الضيقة والملتوية في الموصل ذاتها. وفي اليوم الأول من القتال الحقيقي داخل المنطقة الغربية من الموصل، أفادت القوات الحكومية بأنها تواجه "العشرات" من السيارات المفخخة. ونجحت القوات في إبطال مفعول بعضها بينما انفجرت سيارات أخرى وأسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الجنود العراقيين. وفي مثال آخر على تهيئة الطائرات بدون طيار لاستخدامها في الحرب المدنية، يسود اعتقاد بأن مسلحي التنظيم يستخدمون الطائرات الصغيرة لتوجيه الانتحاريين الذين يقودون سيارات نحو أهدافهم. ووسط حالة الفوضى والاضطراب، فإن المدنيين في الموصل يواجهون أهوالا يومية لا يمكن تخيلها. يقول القادة العسكريون الأمريكيون والعراقيون إن القتال سينتقل من "منزل إلى منزل" في المباني التي تحصن فيها مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية وسط السكان المدنيين والتي أسسوا فيها شبكة متقنة من الأنفاق للتحرك ونقل أسلحتهم. وينتظر موظفو الإغاثة خارج المدينة في حالة ترقب. وبدأت وكالة إغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بناء مخيمات جديدة إلى الجنوب مباشرة استعدادا لاستقبال ما يصل إلى 250 ألفا من النازحين. وقال لي مسؤول إغاثة في الأمم المتحدة إن مصدر القلق الحقيقي يتمتل في عدم قدرة معظم السكان على الفرار وأنهم قد يظلوا محاصرين داخل الموصل حتى ينتهي القتال وتضع الحرب أوزارها ويُدحر تنظيم الدولة.تأثيرات نفسية
أهوال يومية
- آخر تحديث :
التعليقات