باريس: أثار الاعتداء الذي قتل فيه شرطي مساء الخميس في جادة شانزيليزيه في باريس بلبلة وتوترا في ختام الحملة الانتخابية الفرنسية قبل يومين من الدورة الأولى مع إلغاء عدد من المرشحين لقاءاتهم الجمعة.

وشهدت جادة الشانزيليزيه مساء الخميس في قلب باريس اعتداء بإطلاق النار تسبب بمقتل شرطي واصابة اثنين آخرين وسائحة بجروح طفيفة بحسب الشرطة.

وسرعان ما تبنى تنظيم الدولة الاسلامية الاعتداء الذي وقع في التاسعة مساء (19,00 ت غ) عبر وكالة "أعماق" الدعائية التابعة له معلنا أن "منفذ الهجوم في منطقة الشانزيليزيه وسط باريس هو أبو يوسف البلجيكي وهو أحد مقاتلي الدولة الاسلامية". لكن مصادر مقربة من التحقيق أن المعتدي فرنسي في التاسعة والثلاثين من عمره كان يخضع لتحقيق جهاز مكافحة الإرهاب وسبق أن حاول قتل شرطي قبل أكثر من 10 سنوات.

وتنظيم الدولة الاسلامية مسؤول عن أغلبية الاعتداءات التي أوقعت 238 قتيلا في فرنسا من 2015.

بالتالي بات من الضروري التحقق إن كان المنفذ الرجل نفسه الذي نشر التنظيم اسمه. إذ تلقت فرنسا الخميس من السلطات البلجيكية مذكرة توقيف صادرة بحق رجل يحمل الاسم نفسه الذي ورد في تبني التنظيم المتشدد بحسب الداخلية الفرنسية.

لاحقا اعلن المتحدث باسم الداخلية بيار-هنري برانديه لوكالة فرانس برس إن "الرجل الذي ورد اسمه في مذكرة المطلوبين (أمنيا) التي أصدرتها السلطات البلجيكية سلم نفسه لمركز شرطة في انتويرب" البلجيكية. 

وجرى إطلاق النار بالتزامن مع برنامج تلفزيوني اتاح للمرشحين للرئاسة الاحد عشر عرض ملخص عن برامجهم للمرة الاخيرة قبل استحقاق الاحد الذي يتعذر التكهن بنتائجه. وبينت الاستطلاعات تقاربا شديدا في نوايا التصويت لأبرز أربعة مرشحين.

وأعلن ثلاثة مرشحين الخميس إلغاء لقاءاتهم الأخيرة المقررة قبل نهاية الحملة الرسمية منتصف ليل الجمعة (22,00 ت غ)، وهم مرشحة اليمين المتطرف مارين لو بن ومرشح اليمين فرنسوا فيون ومرشح الوسط ايمانويل ماكرون.

وحده مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون الذي يخوض حملته تحت شعار "فرنسا المتمردة" أبقى على لقاء مقرر مساء الجمعة في حي باريسي. واعتبر المرشح انه يجب "أن نثبت أن الكلمة الأخيرة ليست لمن يمارسون العنف".

الجمعة دعت لوبن عبر إذاعة فرنسا الدولية الى "وقف السذاجة والنظر إلى كل هذا بصفاء بصيرة وحزم (...) يجب تعزيز وسائل الشرطة المعنوية والمادية"، مع التأكيد أنها لا تعتقد أن اعتداء الخميس كان هدفه التأثير على نتيجة الانتخابات.

وشددت زعيمة حزب الجبهة الوطنية خطابها الامني والمناهض للهجرة في المرحلة الأخيرة من الحملة في محاولة لجذب الناخبين المترددين، علما أنها تتهم السلطة تكرارا بالتساهل في مكافحة الارهاب.

إثارة الذعر

من جهته دعا ماكرون الجمعة الى عدم الخضوع "لاستخدام التخويف كأداة" معتبرا "اننا نعيش وسط تهديد إرهابي مستمر". أضاف المرشح الوسطي عبر إذاعة "ار تي أل" أن "ما يسعى اليه مهاجمونا في آن هو الموت والرمز وإثارة الذعر والإخلال بالعملية الديموقراطية المتمثل في الانتخاب الرئاسي".

وقال النائب العام فرنسوا مولانس من موقع الهجم ان "هوية المهاجم معروفة وتم التحقق منها" لكنه رفض الافصاح عنها لدواعي التحقيق. وافادت مصادر قريبة من التحقيق ان الرجل كان يخضع للتحقيق بعد أن اعرب عن نيته قتل شرطيين واوقف في 23 فبراير ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة.

وكان حكم عليه 2005 بالسجن لنحو 15 سنة لمحاولة قتل شرطي وشخصين اخرين في منطقة باريس. وداهمت الشرطة مساء الخميس منزل المعتدي في منطقة سين-إي-مارن في ضاحية باريس، وهو صاحب وثيقة تسجيل السيارة المستخدمة في الاعتداء.

في هذه الاثناء استجوبت شرطة مكافحة الارهاب ثلاثة أشخاص من معارف المهاجم الجمعة بحسب مصدر قضائي، بعد توقيفهم في مداهمات ليلية في ضواحي باريس الشرقية.

واعربت عدة عواصم عن تضامنها مع فرنسا، فقدم الرئيس الاميركي دونالد ترامب تعازيه إلى الشعب الفرنسي فيما اكدت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل وقوف بلادها "بحزم وتصميم إلى جانب فرنسا". 

ومن القاهرة قدم الأزهر الشريف في بيان تعازيه إلى الفرنسيين مدينا "الهجوم الإرهابي الأثيم" الذي شهدته جادة الشانزيليزيه مؤكدا "رفضه القاطع لمثل هذه الأعمال الإرهابية التي تتنافى مع تعاليم الإسلام السمحة وكافة الشرائع السماوية والتقاليد والأعراف الإنسانية والقوانين الدولية".

كذلك دانت الحكومة الاردنية بشدة في بيان الجمعة "الهجوم الارهابي" مؤكدة "وقوف الاردن الى جانب فرنسا"، وداعية الى التضامن الدولي "من اجل تجفيف منابع الارهاب الذي اصبح ظاهرة مؤرقة للانسانية جمعاء".

ويأتي هذا الاعتداء بعد يومين على توقيف الفرنسيين كليمان بور (22 عاما) ومحي الدين مرابط (29 عاما) في مرسيليا للاشتباه بتحضيرهما لاعتداء وشيك لم تحدد النيابة العامة هدفه بدقة. وضبطت السلطات معهما متفجرات واسلحة وراية لتنظيم الدولة الاسلامية.

تجري الانتخابات الفرنسية في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت في أعقاب اعتداءات 13 تشرين الثاني/نوفمبر. وتعود آخر الاعتداءات الى صيف 2016 عندما دهس مهاجم بشاحنة في 14 تموز/يوليو المحتفلين بالعيد الوطني على كورنيش نيس وقتل 86 شخصا.