محدي الورفلي من تونس: يتصاعد الجدل في تونس بخصوص حرية الإفطار في رمضان علنا أو المجاهرة به، خاصة بعد اعتقال بعض المفطرين من طرف الشرطة واحالتهم على القضاء.

وإعتبرت أحزاب وجمعيات حقوقية ان توجهات السلطتين التنفيذية والقضائية تقوّض حزمة الحريات التي ينصّ عليها دستور يناير 2014. ومن المنتظر أن تنظم تظاهرة يوم الأحد للمطالبة بعدم فرض الصوم في رمضان على الجميع، فيما يستند الرافضون للمجاهرة بالإفطار على تنصيص الدستور على حماية الدولة للمقدّسات الدينية.

اعتقالات

تثير الاعتقالات التي تطال مفطرين في رمضان جدلا في تونس بخصوص وضع الحريات في البلاد ومدى إلتزام السلطات وخاصة التنفيذية والقضائية بما أورده دستور البلاد الثاني من حريات عامة وخاصة، ومن ذلك حرية الضمير والمعتقد، إذ وجهت منظمات وجمعيات حقوقية نقدا لما اعتبرته تدخّل الشرطة في "ضمائر" المواطنين بالقبض على المفطرين ليكون دور القضاء، سجنهم دون سند قانوني واضح، كما تؤكد تلك الجمعيات والمنظمات الحقوقية.

وساد اعتقاد في تونس ان مثل هذه الحوادث والاعتقالات، لن يكون لها مكان في البلاد خاصة بعد تجاوز ما عُرف في تونس بمعركة الهوية والحريات التي أعقبت سقوط نظام بن علي وامتدت الى صياغة بدستور توافقي ينصّ في فصله السادس على ان الدولة كافلة لحريّة المعتقد والضّمير، ولكن إلقاء الشرطة القبض على المفرطين وإصدار القضاء التونسي لأحكام بالسجن في حقّهم أعاد ذلك الجدل.

شهد الأسبوع الماضي إلقاء الشرطة التونسية القبض على ناشط سياسي يساري في محافظة سوسة الساحلية (140 كم جنوب العاصمة تونس) وتم إقتياده مكبلا الى مخفر الشرطة بسبب مجاهرته بالإفطار، كما أوقفت الشرطة 4 مواطنين من محافظة بنزرت (65 كم شمال شرق العاصمة تونس) كانوا بصدد الاكل والتدخين في حديقة عمومية وأصدرت المحكمة حكما بالسجن لمدة شهر في حقّهم، رغم غياب قوانين تمنع بوضوح الاكل وشرب الماء نهارا في الأماكن العامة خلال شهر رمضان.

إنتهاك للحقوق

الرابطة التونسية عن حقوق الإنسان، وهي منظمة حائزة على جائزة نوبل للسلام لسنة 2016، إستهجنت في بيان تحصلت "إيلاف" على نسخة منه، من تواتر حالات انتهاك للحريات الفردية والحقوق الشخصية وخاصة منها حرية المعتقد وحرية الضمير تمثلت خاصة في اقتحام قوات أمنية للمقاهي في اماكن مختلفة من البلاد.

وأكدت المنظمة الحقوقية المعروفة في تونس بمعارضتها المبدئية لكل القوانين الماسة بالحقوق والحريات الفردية وخاصة الفصل 226 من المجلة الجزائية، والذي على أساسه تمت إدانة المفطرين وكل من يخالف السائد في تونس، واعتبرته غير متلائمٍ ومنطوق الدستور في فصليه 6 و49.

احكام "مضحكة"

حزب العمال ادان ما اسماه تعدّدا لمظاهر الاعتداء على الحريات من قبل أعوان الأمن في إطار حملات انتُهكت فيها كرامة الأفراد الذين عمدوا الى إيقاف عديد المواطنين المفطرين بدعوى "المجاهرة بالفحش".

وإعتبر القيادي والنائب عن حزب العمال، عمار عمروسية، في تصريح لـ"إيلاف" ان القضاء مثّل المنتهك الثاني لحقوق الإنسان والحريات الفردية عبر الأحكام بالسجن التي يقرّها في حقّ المحالين بتهمة الإفطار علنا او المجاهرة بالإفطار.

ويرى القيادي في حزب العمّال، وهو حزب من أقصى اليسار، ان المسؤولية في الحدّ من تلك الأحكام السجنية "المضحكة" تقع على عاتق البرلمان عبر العمل على مراجعة الترسانة القانونيّة التي وصفها بـ"الجائرة" والموروثة سواء عن الإستعمار الفرنسي أو عن نظام بن علي وعلى رأسها إلغاء العمل بمواد المجلّة والقوانين الجزائيّة التي تنتهك حقوق المواطنين وكرامتهم، وفق تعبيره.

اما رئيسة الكتلة النيابية لحزب "آفاق تونس"، وهو احد الأحزاب المكونة للحكومة، ريم محجوب، فقد أبدت في تصريح لـ"إيلاف" إستغرابها من العودة لملاحقة المفطرين وغيرها من الممارسات التي تنتهك الحريات بإعتبار ان الدستور الحالي يضمن بصفة واضحة حرية المعتقد والضمير، وهو ما يستوجب في رأيها الأخذ بعين الإعتبار خلال التعاطي مع القوانين القديمة من طرف القضاء.

تجدر الإشارة الى أنه في عام 2015 عزلت وزارة الداخلية في تونس اربعة شرطيين في كل من محافظة المنستير (وسط شرق) والمرسى (أحد ضواحي العاصمة) بتهمة "تجاوز السلطة" اثر اعتداءهم بالعنف على مفطرين في مقاهي مفتوحة في نهار رمضان.

الدولة تحمي المقدّسات

في المقابل إعتبر احمد البراهمي عضو المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين في حديث لـ"إيلاف" ان القضاء يصدر الأحكام وفق إحالات النيابة العامة، وفي حالات الإفطار علنا توجه تهمة "الاعتداء على الأخلاق الحميدة" أو "التجاهر بالفحش" التي ينصّ على عقوبتها الفصل 226 من المجلة الجزائية، وقد طبق القاضي القانون فقط رغم ان له حرية الإجتهاد.

كما ذهب عضو المكتب التنفيذي لجمعية القضاة ان الإفطار في رمضان علنا ليس له اي علاقة بحرية المعتقد، بل هو مسّ وإساءة للمعتقدات الدينية المفترض ان تحميها الدولة وفق الفصل السادس الذي ينصّ على ان الدولة راعية للدين (...) وتلتزم بحماية المقدسات ومنع النيل منها خاصة ان الفصل الاول من الدستور يعترف بتونس كدولة مسلمة، وفق تعبيره.

وتجدر الإشارة الى ان الفصل السادس من الدستور التونسي يوصف بأنه متناقض الى أبعد حدود نظرا لتنصيصه على ان الدولة تحمي المقدسات، ولكنه في ذات الوقت يؤكّد انها كافلة لحرية المعتقد والضمير، وهو ما جعل هذا الفصل سند المدافعين عن حرية الإفطار علنا والرافضين له.

مسيرة يوم الأحد

منذ إنتشار أنباء عن مداهمة اعوان الأمن للمقاهي وإيقافهم للمفطرين، أطلق عدد من النشطاء التونسيين حملة إلكترونية كبيرة على مواقع التواصل الإجتماعي وأطلقوا عليها "مش بالسيّف" وتعني "ليس غصبا" أو "ليس بالإكراه" والمقصود هو أن من لا يريد الصوم لا يجب ان تكرهه السلطات أو غيرهم على القيام به او التظاهر بالصوم، وإنخرط في هذه الحملة عدد كبير من التونسيين.

وتدعو حملة "مش بالسيف" للخروج في تظاهرة حاشدة في العاصمة يوم 11 يونيو لمطالبة السلطات بالسماح بفتح المقاهي والمطاعم خلال نهار رمضان معتبرة أن إغلاقها تعدٍّ على الحرية الشخصية للتونسيين وحق من لا يريد الصوم في الأكل والشرب، كما سيُرفع خلال المظاهرة مطلب الكف عن إيقاف المجاهرين بالإفطار خلال رمضان إذ ان الحملة تعتبر ان "العقيدة والايمان حرية شخصية" لا دخل للقانون في تنظيمها أو مراقبتها.

وتغلق أغلب المقاهي والمطاعم في تونس نهارا خلال شهر رمضان وفق ما ينصّ عليه منشور قديم، باستثناء عدد منها وهي في اغلبها مصنّفة كـ"سياحية" تتحصّل على ترخيص وتغطي واجهاتها البلورية بأوراق الجرائد حتى لا يُرى من داخلها، ولكن المنشور القديم ينصّ على ان مرتاديها يجب ان يكونوا فقط من السياح الأجانب غير المسلمين، فتونس لا تزال خاضعة لقوانين ومناشير قديمة منذ عهد الرئيس الاول الحبيب بورقيبة وبعضها يعود لعهد البايات.

تجدر الإشارة الى أن الفصل 49 من الدستور التونسي ينص على انّ "القانون يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بالدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها، ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير او لمقتضيات الامن العام او الدفاع الوطني او الصحة العامة او الاداب العامة مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها، وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك لا يجوز من أي تعديل ان ينال من مكتسبات حقوق الانسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور".